"تحولات" قبل الموعد.. ما الذي يريده بوتين من التغييرات السياسية في روسيا؟
"تحولات" قبل الموعد.. ما الذي يريده بوتين من التغييرات السياسية في روسيا؟"تحولات" قبل الموعد.. ما الذي يريده بوتين من التغييرات السياسية في روسيا؟

"تحولات" قبل الموعد.. ما الذي يريده بوتين من التغييرات السياسية في روسيا؟

على نحو غير متوقع، بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحولا سياسيا في البلاد أمس الأربعاء من خلال اقتراح تعديل دستوري وتعيين رئيس وزراء جديد، ما يمهد الطريق أمام الزعيم البالغ من العمر 67 عاما لمواصلة قيادة السياسة الروسية حتى بعد أن يترك الرئاسة رسميا في 2024.

وفي خطاب حالة الأمة السنوي، اقترح بوتين إدخال تغييرات على الدستور في سلسلة من التحركات، التي يبدو أنها "تمهد الطريق لتوليه منصبا جديدا بعد أن يضطر لمغادرة المكتب الرئاسي بسبب انتهاء ولايته"، وفقا لمجلة "فورين بوليسي".

وبعد ساعات قليلة من خطاب بوتين، أعلن رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف على الهواء مباشرة أنه سيستقيل إلى جانب الحكومة الروسية بأكملها، قائلا إن الرئيس الروسي سيختار حكومة جديدة.

ومن ثم رشح بوتين "ميخائيل ميشوستن"، وهو تكنوقراطي يبلغ من العمر 53 عاما ويرأس مصلحة الضرائب الفيدرالية، ومعروف بتعزيز عمليات تحصيل الضرائب والصرامة في التعامل مع قضايا الكسب غير المشروع.

ولا يعتبر ميشوستن شخصية بارزة ولا ينظر إليه على أنه لاعب قوي في موسكو، ما يجعل فرص انتقاله إلى منصب سياسي أكبر غير مرجح.

وقالت تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة مركز "بي بوليتيك" الاستشاري للسياسة، والباحثة في مركز كارنيغي في موسكو: "لقد وصل التحول السياسي في روسيا قبل الموعد المحدد. ويحاول بوتين جعل انتقاله أكثر راحة لنفسه، والتخلص من ميدفيديف، الذي كان مصدر إزعاج لكل من النخب والعامة. كان أمرا ضروريا".

وجاء البيان في خطاب لبوتين مدته 80 دقيقة خصص معظمه للتعهد برفع مستويات المعيشة وتعزيز النمو الاقتصادي، إذ تباطأ الاقتصاد الروسي في السنوات الأخيرة، حيث تعرض ميدفيديف وحكومته للانتقاد لضعف أدائهما وواجها انخفاضا كبيرا في الشعبية.

وظهر كل من بوتين وميدفيديف معا في إعلان منسق على التلفزيون الحكومي، تضمن إخبار وزراء الحكومة برحيل ميدفيديف واستقالة الحكومة.

وقال الكرملين إن ميدفيديف سيتولى منصبا جديدا كنائب لرئيس مجلس الأمن، حيث سيكون تحت إدارة بوتين، الذي يرأس الهيئة بصفته رئيس الدولة.

وقال ميدفيديف: "يجب أن نوفر لرئيس بلدنا إمكانية اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذ التغييرات. وسيتم اتخاذ جميع القرارات الإضافية من قبل الرئيس".

ومهدت سلسلة التغييرات الطريق لعصر جديد في السياسة الروسية، لكن يبدو أنها ما تزال مصممة لإعطاء بوتين القدرة على الحفاظ على قدر كبير من النفوذ حتى بعد مغادرة الرئاسة.

وخلال خطابه، اقترح بوتين تعديل الدستور للسماح للمشرعين باختيار رؤساء الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء، وخفض حدود الرئاسة لفترتين فقط، إذ يتمتع الرئيس حاليا بالسلطة بموجب الدستور لاختيار رئيس الوزراء، على أن يحصل على موافقة البرلمان، قبل أن يبدأ تشكيل الحكومة.

وقال بوتين إن حزمة الإصلاحات "ستطرح للتصويت الوطني"، رغم أنه لم يحدد موعدا لذلك.

وفي الوقت الذي يحتفظ فيه بوتين بسلطة شاملة داخل النظام السياسي الروسي، لا يزال الكرملين يشعر بالقلق من ردود الفعل الشعبية المحتملة تجاه توسيع نطاق سلطة الرئيس.

فعندما عاد بوتين إلى الرئاسة بعد توقف دام 4 سنوات، أثار ذلك احتجاجات حاشدة في موسكو في عامي 2011 و2012، وتسبب في حدوث خلاف بين النخب، لذلك من المرجح أن يخطو الكرملين بعناية ويتطلع إلى تثبيت قبضة بوتين على النظام مع الحفاظ على مظهر الشرعية الديمقراطية.

وقالت إيكاترينا شولمان، المحللة السياسية في موسكو: "كان التوقيت هو العامل المفاجئ هنا، وليس المحتوى.. يمكن أن يكون عدم اليقين ميزة أو خطرا لبعض القادة الذين يتعاملون مع انتقال السلطة في المستقبل".

وكان بعض المحللين قد تكهن بأن الزعيم الروسي سيمضي قدما في عملية اندماج مع بيلاروسيا المجاورة، ما يخلق منصبا جديدا له كرئيس لدولة موحدة جديدة، ويمنحه وسيلة لتجاوز حدود الولاية الرسمية، لكن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو رفض هذا الإجراء، وقاوم ضغط الكرملين.

وهناك خيار آخر لبقاء بوتين في منصبه وهو زيادة سلطة البرلمان والحكومة وتقليص سلطة الرئيس، ثم الانتقال إلى مقعد رئيس الوزراء، كما فعل مع ميدفيديف كرئيس من عام 2008 إلى عام 2012، ولكن الرئيس الروسي ألمح أيضا إلى طريق آخر محتمل خلال خطاب الأربعاء، إذ اقترح تعزيز دور مجلس الدولة، وهو هيئة حكومية ذات سلطة غير محددة، يمكن استخدامها كوسيلة للزعيم لممارسة سلطة غير رسمية كبيرة بعد تنحيه عن منصبه كرئيس في عام 2024.

وقالت تاتيانا ستانوفايا: "سيبقى بوتين داخل النظام ويتطلع إلى الاستمرار في المشاركة في صنع السياسات الاستراتيجية، ولكن يبدو أنه يهيئ أوضاعا تمكن خلفه المحتمل من إدراك أهدافه الخاصة.. يتذكر بوتين تجاربه السيئة مع ميدفيديف ويعرف أنه من المحتمل أن يكون لديه بعض النزاعات مع من يأتي بعد ذلك كرئيس. ولذلك، فهو يريد أن يكون لديه آليات لإدارة تلك الخلافات أثناء إعداد انتقاله البطيء".

وشغل بوتين المنصب الرئاسي لفترتين من عام 2000 إلى عام 2008، قبل أن ينتقل إلى منصب رئيس الوزراء لمدة 4 سنوات للالتزام بالحد الزمني على فترات الرئاسة المتتالية، وتصادم مع بعض قرارات الرئيس حينها ميدفيديف وظل ينتقدها، وخاصة القرار بالامتناع عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2011 بخصوص حملة جوية بقيادة الناتو في ليبيا للمساعدة على هزيمة معمر القذافي.

ولا تزال دوافع قرارات الأربعاء غير واضحة، رغم أن الضغوط المحلية يمكن أن تفسر الكثير منها، ففي خطابه، ركز بوتين على قضايا مثل النمو الاقتصادي، ومعالجة الفقر المتزايد، والفساد المستشري في البلاد.

وانخفض الدخل الفعلي لروسيا بمقدار النصف خلال عقد من الزمن وسط ركود الاقتصاد، تحت ضغط العقوبات الأمريكية على ضم شبه جزيرة القرم وكذلك أسعار النفط المنخفضة نسبيا.

كما شهد صيف عام 2019 أيضا احتجاجات كبيرة في الشوارع في موسكو وتعمق الشعور بالإحباط والضيق من حزب روسيا المتحدة الحاكم، قبل الانتخابات البرلمانية القادمة المقرر إجراؤها عام 2021.

وقالت أندريا كيندال تايلور، وهي محللة شؤون استخبارات أمريكية سابقة رفيعة المستوى تهتم بروسيا وأوراسيا: "مسألة انتقال السلطة كانت تلوح في الأفق لدى الجمهور والنخبة منذ فترة، ويتطلع بوتين إلى وقف تراكم هذا الضغط.. من الواضح أن هذا شيء تم التفكير فيه بتمعن وتنسيقه منذ مدة".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com