"فورين بوليسي": مقتل سليماني قد يحقق حلمه في سيطرة إيران على العراق
"فورين بوليسي": مقتل سليماني قد يحقق حلمه في سيطرة إيران على العراق"فورين بوليسي": مقتل سليماني قد يحقق حلمه في سيطرة إيران على العراق

"فورين بوليسي": مقتل سليماني قد يحقق حلمه في سيطرة إيران على العراق

تلقى سركوت شمس، وهو عضو كردي في البرلمان العراقي، رسالة هاتفية من المكتب السياسي لميليشيا كتائب حزب الله العراقي، التي كانت قد فقدت قائدها بغارة أمريكية، وكان من المقرر أن يصوت البرلمان على ما إذا كان سيتم طرد القوات الأمريكية من العراق في أعقاب اغتيال زعيم الميليشيا الشيعي أبو مهدي المهندس وحليفه اللواء قاسم سليماني.

وبحسب مجلة "فورين بوليسي"، احتوت الرسالة التي تلقاها شمس على تهديد شخصي لا لبس فيه يحثه على التصويت لصالح طرد الأمريكيين، وقال شمس: "كان التهديد يقول، إما نقف في صف الشعب وإما سنُعتبر خونة وستحرق بيوتنا"، في النهاية، بقى شمس بعيدا مع ما لا يقل عن 150 مشرعا آخر قاطعوا التصويت، لكن داخل البرلمان كان الجو يشبه جلسات الحشد السياسي، حيث هتف المشرعون: "نعم، نعم سليماني. لا لا أمريكا".

وأشار شمس إلى أنه قبل الجلسة البرلمانية، حذره أعضاء البرلمان المؤيدين لإيران من أن التصويت ضد الانسحاب الأمريكي سيعتبر خيانة، وقال: "كانت مجموعات الواتساب تقول إنها ستنشر جميع الأسماء، وكل من لم يحضر الجلسة سيعتبر خائنا وعميلا للقوى الأجنبية".

وأكد شمس أنه غاضب من تهديدات الجماعات المرتبطة بإيران مثل كتائب حزب الله، قائلا: "أخبرناهم أننا لن نقبل التهديد، لم نقبله من صدام حسين، ولم نقبله من زعيم داعش أبو بكر البغدادي، ولن نقبله من أي شخص آخر".

وأفادت المجلة بأن المفارقة هنا هي أن الرأي العام العراقي كان يشكل تهديدا لنفوذ إيران، حتى انتهك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السيادة العراقية بقتل سليماني والمهندس، حيث كان الآلاف من المحتجين يخرجون في مظاهرات ضد السياسيين الفاسدين الذين تدعمهم طهران.

شكلت الاحتجاجات العراقية أكبر تحد لنفوذ إيران على العراق منذ سنوات، وكان الغضب الجماعي يتصاعد ضد كبار السياسيين الذين اتهمهم المتظاهرون بخدمة إيران قبل أن يخدموا العراق، لذلك قد يكون مقتل سليماني جعل تحقيق أهدافه أقرب من نشاطاته الخبيثة وهو حي، المتمثلة في إشعال حركة مضادة للمظاهرات تعيد العراق تحت سيطرة إيران وتعزز موقف مؤسستها السياسية، إذ وفر اغتيال سليماني على يد الأمريكيين فرصة للقيادة العراقية التي خسرت شعبيتها التي يهيمن عليها الشيعة لاستعادة شرعيتها والتي تربطها صلات وثيقة بإيران وتسعى لقمع الحركة الشعبية المحلية ضدها.

وقال فنار حداد وهو زميل في مركز دراسات الشرق الأوسط للأبحاث: "أعتقد أن الاغتيال قد أعطى العناصر المتحالفة مع إيران في الحكومة العراقية والنظام السياسي العراقي الفرصة التي كانوا يبحثون عنها منذ أكتوبر، وهي احتجاج مضاد، وطريقة لخلق ضغط مضاد للاحتجاجات".

وأضاف أنه "من المذهل كيف تعتمد أمريكا على الأدوات القسرية فقط، فهناك القوة العسكرية الأمريكية، والتدابير الاقتصادية القسرية التي يمكنهم اتخاذها، ولكن هناك افتقارا واضحا إلى القوة الناعمة والأصول السياسية داخل العراق".

وأردف أن "الإيرانيين، من ناحية أخرى، يستغلون ترسانتهم الكاملة من القوة الناعمة، وقال حداد: "إنهم يستخدمون نفوذهم في السياسة العراقية لتعبئة الطبقات السياسية العراقية لصالحهم في محاولة لتعزيز سيطرتها على السياسة العراقية وتهميش الأمريكيين إلى أقصى حد ممكن".

ونوه حداد إلى أن "هذا يؤثر على الاحتجاجات بطريقة سلبية للغاية، فقد طردها من دائرة الضوء، وخلق مشكلة مضادة تتعارض مع ما يقوله المتظاهرون مباشرة، على الأقل فيما يتعلق بإيران".

تغذية المشاعر العدائية

ويعتقد رناد منصور، وهو باحث في مركز "كاثام هاوس"، أنه في الأيام المقبلة ستحاول العديد من الجماعات الموالية لإيران استخدام أي غارات جوية أمريكية جديدة لتغذية المشاعر المعادية لأمريكا، إذ نشأ الكثير من المتظاهرين في أعقاب الغزو الأمريكي لعام 2003، وأوضحوا أنهم لا يدعمون الولايات المتحدة ولا إيران، لكن هذا لم يمنع وصفهم بأنهم مؤيدين لأمريكا.

وقال: "سيكون هناك تطهير، وأعتقد أنه أكبر تهديد للمحتجين أو الزعماء المناهضين للحكومة، والآن لدى الحكومة القدرة على استخدام معاداة أمريكا ضدهم، ويمكنهم وصف أي شخص ينتقدهم بأنه جاسوس أمريكي".

وأشار منصور إلى أن "ما حدث هو أن الاحتجاجات انقلبت ضد النظام في الأشهر القليلة الماضية، وضد الحشد، وهي الميليشيات ذات الغالبية الشيعية باعتبارها جزءا من هذا النظام، وضد إيران كداعم خارجي أجنبي لهذا النظام".

لذلك، للمرة الأولى منذ أن بدأت الاحتجاجات ضد الحكومة العراقية في أواخر العام الماضي، وجد المتظاهرون أن مطالبهم بحكومة جديدة قد تم تهميشها وسط الموجة المضادة للتدخل الأجنبي من الولايات المتحدة وإيران، والآن يرفع المحتجون لافتات تعلن أنهم لا يريدون أن يصبح العراق ساحة قتال، بدلا من المطالبة بإجراء انتخابات نزيهة، وتحسين التعليم، وفرص العمل.

فالغارات الجوية الأمريكية التي أدت إلى مقتل سليماني والمهندس قد تمت إدانتها بشكل صارم باعتبارها انتهاكا لسيادة العراق من قِبل كل زعيم عراقي تقريبا، من رئيس الوزراء بالنيابة عادل عبد المهدي إلى رجل الدين الأعلى في العراق، آية الله علي السيستاني، لكن بعض أعضاء البرلمان مثل شمس والعديد من زملائه السنة والأكراد مازالوا قلقين بشأن تداعيات طرد القوات الأمريكية، خاصة فراغ السلطة الذي يمكن أن يسببه، ما يعطي إيران فرصة لإحياء نفوذها من جديد في دوائرهم.

في النهاية، أقر البرلمان قرارا يوصي الحكومة بطرد القوات الأمريكية بعد ظهر يوم الأحد، وهي خطوة لا تلزم القوات الأمريكية بالمغادرة، لأن هذا القرار في أيدي الحكومة العراقية، لكن الباحث سجاد جياد من مركز البيان للتخطيط والدراسات العراقي، قال إنه "من المرجح أن تمضي الحكومة قدما، فإذا كانوا يخاطرون بانتهاك سيادة العراق، فمن الأفضل لهم أن يغادروا، لأننا لا نريد أن نرى الأمور تتصاعد في بلدنا بسبب وجودهم".

وفي وقت متأخر من ليلة الإثنين، بدا أن القوات الأمريكية تغادر بالفعل، حيث امتلأت الأجواء بضوضاء طائرات الهليكوبتر الأمنية التي بدأت تنقل الأفراد من المنطقة الخضراء، وأصدرت الولايات المتحدة بيانا لوزارة الدفاع العراقية يفيد بأنها ستعيد مركزة قواتها.

وفي سلسلة فوضوية من الأحداث، قال مسؤولو وزارة الدفاع في وقت لاحق، إن الرسالة كانت مسودة وإن القوات الأمريكية ستبقى في العراق، وأكد مايلز كاجينز المتحدث الرسمي باسم عملية العزم الصلب في العراق، للمجلة أن المروحيات كانت بالفعل تابعة للقوات الأمريكية، ولكنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل.

الآن تسود الفوضى وعدم اليقين حول علاقة العراق بالولايات المتحدة، بينما يبدو أن السياسيين المدعومين من إيران قد وحدوا الصفوف، وفي منتصف شهر أكتوبر عام 2019، التقى سليماني مع كبار قادة الميليشيات في بغداد وأمرهم بزيادة الهجمات على الأهداف الأمريكية، إذ أراد خلق مشاعر معادية لأمريكا لتشتت الانتباه عن الاحتجاجات الشعبية ضد السياسيين والميليشيات التي تدعمها إيران، وأعرب عن أمله في أن تثير هذه الاستفزازات ردا عسكريا أمريكيا، ما يتيح لإيران الفرصة لمحاولة تحويل السخط وإعادة تركيز الغضب العام على انتهاك أمريكا للسيادة العراقية.

وبينما كان على قيد الحياة، فشلت جهود سليماني إلى حد كبير في تحقيق أهدافه، وحتى بعد الهجوم على السفارة الأمريكية الذي بدأ في أواخر الشهر الماضي، تمسك المتظاهرون بمطالبهم بعراق مستقل ووضع حد للحكم الفاسد.

انتشرت الاحتجاجات التي استمرت 3 أشهر ممتدة إلى جنوب العراق، الذي يهيمن عليه الشيعة، حيث تدفق الشباب إلى الشوارع للمطالبة بوضع حد للفساد وطرد النخبة السياسية، وبسبب التشابك بين الأحزاب السياسية الكبرى والسياسيين ووسطاء السلطة الإيرانيين مثل سليماني، رأى الكثير من المحتجين في العراق أن إيران هي القوة وراء العرش، وردد المتظاهرون بانتظام "اخرجي يا إيران اخرجي"، ورفعوا لافتات تحمل علامة X باللون الأحمر على وجه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.

حملة وحشية

لا تزال إيران تتمتع بنفوذ كبير على الحكومة الحالية، وبعد أن أعلن عبد المهدي أواخر العام الماضي أنه سيتنحى عن منصبه كرئيس للوزراء، توجه سليماني إلى العراق للمساعدة في الإشراف على المفاوضات المتعلقة بخليفته، كما تدعم إيران العديد من الأحزاب السياسية الرئيسية، بما في ذلك تحالف "فتح" برئاسة هادي الأميري، قائد منظمة "بدر"، وهي ميليشيا أخرى تدعمها إيران.

يتهم المحتجون المليشيات والسياسيين المؤيدين لإيران باستخدام حملة وحشية من الخطف والتعذيب والاغتيالات لقمع المظاهرات الشعبية في العراق، وساعد سليماني نفسه في تنظيم الحملة، وخلال زيارة لبغداد عند اندلاع المظاهرات، قال لكبار المسؤولين، "نحن في إيران نعرف كيف نتعامل مع الاحتجاجات".

وقال ميثال علاء، وهو محتج يبلغ من العمر 35 عاما، إن "إيران مسؤولة عن التدخل في العراق ونهب البلاد، لقد دمروا الناس ودمروا كل شيء من خلال القتل والاعتقالات".

ولم تنجح الحملة بإسكات الاحتجاجات التي استمرت 3 أشهر على الرغم من مقتل 500 شخص وجرح الآلاف، والآن يدرك المحتجون تماما محاولات الاستيلاء على جهودهم، وتكلفة استقلال احتجاجاتهم، ففي الناصرية حاول أنصار الميليشيات المدعومة من إيران حمل تابوت رمزي في وسط احتجاجات المدينة، لكن المتظاهرين منعوهم، وردا على ذلك فتح أنصار الميليشيا النار على المتظاهرين.

وفي نفس يوم المسيرة ضد السفارة الأمريكية، أصدر المحتجون بيانا عبر مكبرات الصوت في الساحة ينفون فيها ارتكابهم لتلك الأعمال ويؤكدون التزامهم بالاحتجاجات السلمية.

ومع ذلك، وحد مقتل سليماني بلا شك النخبة السياسية الجنوبية في العراق وأعاد إحياء النزعة القومية، التي تصور أولئك الذين يعارضون إيران على أنهم موالون للولايات المتحدة.

ولم يساعد ترامب على تهدئة الأمور، عندما رد على قرار البرلمان العراقي، بالتهديد بفرض العقوبات على العراق، وهو ما أعاد الذكريات المؤلمة للعراقيين الذين يتذكرون العقوبات المدمرة التي سادت في التسعينيات،

وقال نور، وهو ناشط شاب في الشارع: "نحن قلقون للغاية، لا نريد أن نعود إلى وضع ما قبل عام 2003، عندما كنا معزولين عن العالم"، مضيفًا: "نريد عراقنا فقط، فأنا قلق حقا بشأنه، لا أريد أن أخسر بلدي مرة أخرى وأن أسافر إلى بلد آخر، بعد هذه الثورة، وبعد أكبر وأقوى ثورة حدثت في العراق، وإذا استأنفت إيران وأمريكا الحرب في العراق بمعتقداتهما السيئة وتفكيرهما الغبي، سأغادر العراق".

وفي الوقت الذي تنتشر فيه تداعيات هذه القرارات الجيوسياسية الهائلة في جميع أنحاء البلاد، يخشى المحتجون العراقيون من أن الثورة التي قاتلوا بشدة من أجلها قد يتم نسيانها، إذ يبدو أن الغارة الجوية الأمريكية التي قتلت سليماني قد حققت الهدف الذي لم يكن الجنرال الإيراني قادرا على تحقيقه بحملات القمع أو التسلل.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com