"فورين بوليسي": كيف يمكن للرئيس الأمريكي القادم عقد اتفاق نووي جديد مع إيران؟
"فورين بوليسي": كيف يمكن للرئيس الأمريكي القادم عقد اتفاق نووي جديد مع إيران؟"فورين بوليسي": كيف يمكن للرئيس الأمريكي القادم عقد اتفاق نووي جديد مع إيران؟

"فورين بوليسي": كيف يمكن للرئيس الأمريكي القادم عقد اتفاق نووي جديد مع إيران؟

تتمثل سياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه إيران في ممارسة أقصى قدر من الضغط، لكن الهدف من هذه السياسة لا يزال غير واضح، ورسالة أمريكا تتغير باستمرار، ففي العام الماضي، سرد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو 12 مطلبًا للتفاوض مع إيران، بينما عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يكون "صديق إيران المقرب"، وفي قمة السبع الكبار في آب/أغسطس الماضي، تحدث ترامب عن إمكانية أن تصبح إيران دولة غنية جدًا إذا وافقت على عدم تطوير سلاح نووي.

وحسب مجلة "فورين بوليسي"، تشير قائمة المطالب التي سردها بومبيو إلى تغيير أساسي في طبيعة النظام؛ حيث يبدو أن هدف ترامب يشبه نتيجة الاتفاق النووي الإيراني، ومع اقتراب المناظرة التي ستجمع بين 10 سياسيين من الحزب الديمقراطي، الخميس، من المرجح أن تتطرق المناقشة إلى السياسة الخارجية للولايات المتحدة لما بعد عام 2020، وخاصة تجاه إيران.

حتى الآن لم تقترب إدارة ترامب من تحقيق تطبيق نهج بومبيو واسع النطاق أو ترامب المركز، وعلى الرغم من أن حملة الضغط القصوى قد أدت إلى معاناة الاقتصاد الإيراني، إلا أنه يجب الأخذ بالاعتبار أنه قبل الانسحاب من الصفقة وإعادة فرض العقوبات على إيران في عام 2018، توقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الإيراني بنسبة 4%، بينما يتوقع الصندوق الآن أن يتقلص الاقتصاد الإيراني حاليًا بنسبة 6%، ويتعايش الإيرانيون الآن مع انخفاض كبير في قيمة عملتهم وفقدان المدخرات وارتفاع التضخم، وفشل الأعمال التجارية والصناعات، وارتفاع تكاليف المواد الغذائية الأساسية والأدوية، ومع ذلك يواصل قادة إيران رفض المفاوضات، على الرغم من هذه الضغوط الاقتصادية القصوى.

وردًا على أمريكا، بدأ قادة إيران باستخدام نسختهم الخاصة من الضغط الأقصى على الولايات المتحدة وأصدقائها في الشرق الأوسط وحلفائها في أوروبا، بما في ذلك التخريب المزعوم لناقلات النفط، واحتجاز السفن التي ترفع العلم البريطاني؛ واستخدام الحوثيين لتنفيذ الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على مضخات النفط ومنشآت أرامكو السعودية والمطارات المدنية في السعودية؛ فضلًا عن هجمات الميليشيات الشيعية بالقرب من السفارة الأمريكية في العراق؛ وإسقاط طائرة أمريكية مُسيرة.

سياسة الضغط

وتهدف كل هذه التدابير للإشارة إلى أن الإيرانيين يمكنهم ممارسة الضغط على سوق النفط والتفرقة بين واشنطن والدول التي اعتادت على المظلة الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة، وإذا لم يكن ذلك كافيًا، فإن قرار إيران بالتوقف التدريجي عن الالتزام ببعض القيود المفروضة على برنامجها النووي يهدف إلى الضغط على الأوروبيين، إما لانتهاك العقوبات الأمريكية من أجل تلبية احتياجات إيران الاقتصادية أو لمواجهة احتمال انهيار الصفقة النووية.

وتشير مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمد حد الائتمان الإيراني لـ15 مليار دولار مقابل تجديد الالتزام بالاتفاقية إلى فعالية سياسة الضغط الإيرانية، ويعد تبني كلا الطرفين سياسة الضغط الأقصى أمرًا خطيرًا، إذ يمكن أن يتطور سريعًا إلى صدام، وهو أمر يزعم ترامب والزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي أنهما لا يريدانه.

وبينما أشار ترامب في مؤتمر السبع الكبار إلى رغبته في إجراء محادثات مع طهران، كان رد الإيرانيين يحتوي على رسالة متضاربة، إذ رحب الرئيس الإيراني حسن روحاني في البداية باحتمال عقد اجتماع، ثم عكس المسار بجعل المشاركة الإيرانية مشروطة بتخفيف العقوبات الأمريكية، فهو يصر على أن يتم تخفيف العقوبات لمجرد حضور الاجتماع.

وما سيحدث مستقبلًا سوف يعتمد على تقييم المرشد الأعلى حول ما إذا كان النظام يستطيع الحفاظ على الاستقرار المحلي في وقت يعاني فيه من ضائقة اقتصادية حادة، فقد يظن خامنئي أنه قادر على الصمود حتى رحيل ترامب على الرغم من الاضطراب الاقتصادي الخطير، على أمل أن يفقد الرئاسة في عام 2020، وينتظر أن تسعى الإدارة الجديدة للمفاوضات، إلا أنه عند التفاوض مع الرئيس الأمريكي الجديد في عام 2021، سوف تأتي إيران إلى طاولة المفاوضات، بعدما اتخذت إجراءاتها الخاصة لإضعاف الصفقة، وفي الوقت نفسه تفاقم النزاعات وعدم الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ووترى المجلة أنه إذا خسر ترامب في عام 2020، فإن خليفته قد يميل إلى التركيز على إعادة الدخول في الصفقة واستعادة الوضع السابق، لكنه سيجد أن إيران تعتقد أن الولايات المتحدة مدينة لها، حيث ستصر طهران على أنها عانت من العقوبات رغم أنها لم تتخلَّ عن الصفقة، وأن تصرفات ترامب أجبرتها على اتخاذ خطوات نووية يمكن التراجع عنها، ومن المحتمل أن يطالب الإيرانيون برفع العقوبات النووية التي أعيد فرضها، فضلًا عن اتخاذ خطوات إضافية لتخفيف العزلة الاقتصادية لإيران، التي لم تنص عليها صفقة عام 2015.

 كما يمكن أن يصروا على التخفيف من العقوبات غير النووية، التي تشمل حقوق الإنسان والإرهاب، وهي العقوبات المنصوص عليها في القانون الأمريكي التي أحدثت أضرارًا مروعة على الاستثمار في إيران حتى بعد تنفيذ الصفقة، وإذا خلف رئيس ديمقراطي ترامب، فلا يجب عليه قبول هذه المطالب، إذ ستتعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع حلفاء الولايات المتحدة الذين يعتقدون من ناحية، أن واشنطن أصبحت أقل موثوقية مما كانت عليه، ومن ناحية أخرى، يلقون باللوم على الحكومة الأمريكية في تصاعد التوترات في الخليج العربي والمنطقة ككل.

وسيكون على فريق الأمن القومي إنهاء عزلة الولايات المتحدة عن حلفائها واستعادة صورة الموثوقية، على الرغم من التحديات التي سيواجهها، إذ سيتعين على الإدارة الجديدة أن تُظهر أن واشنطن ليست مصدر الأزمة في الخليج، بينما تقنع الحلفاء بالانضمام إليها في الضغط على إيران لكبح دورها في زعزعة الاستقرار الإقليمي.

أنشطة إيران الخبيثة

ولا تعتبر أنشطة إيران الخبيثة في المنطقة حدثًا جديدًا، ففي لبنان تعزز إيران ترسانة حزب الله الصاروخية لتهديد إسرائيل وتحاول تصنيع أنظمة توجيه دقيقة لعشرات الآلاف من الصواريخ هناك، وفي سوريا ساعدت إيران الرئيس السوري بشار الأسد على ارتكاب جرائم الحرب، واستدعت قواتها الخاصة والمسلحين الشيعة من العراق وباكستان وأفغانستان إلى دعم النظام، وعملت على ترسيخ بنيتها التحتية العسكرية في سوريا لمد نفوذها طويل الأجل.

وفي اليمن، مدت إيران الحوثيين بأسلحة وخبرات متطورة لتمكنهم من شن الهجمات على السعودية، وفي العراق ترعى إيران ميليشيات خارجة عن سيطرة الحكومة المركزية، مثل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق"، التي كانت مسؤولة عن مقتل أكثر من 600 من القوات الأمريكية في العراق، هذا وكانت إيران تمارس جهودها الهادفة لزعزعة الاستقرار في المنطقة قبل اتفاق عام 2015، واستمرت خلال المفاوضات النووية، وزادت بعد تنفيذ الاتفاقية.

بالطبع من الأفضل أن يكون برنامج الأسلحة النووية الإيراني مستقلًا عن أعمالها الخطيرة في الشرق الأوسط، لكن من المستبعد أن تستمر إيران في تقويض أمن جيرانها، ودعم مجرمي الحرب، والتحدث عن محو إسرائيل عن الخريطة، دون أي تأثير سلبي على استدامة الصفقة النووية أو أي اتفاقية لاحقة، فحتمًا سيفرض الكونغرس الأمريكي عقوبات على هذا السلوك، بغض النظر عن دعم البيت الأبيض، وعندها ستندم إيران.

ومن جانبها أظهرت إدارة ترامب أنها تستطيع معاقبة إيران، على الرغم من عجزها عن إجبارها عن تغيير سلوكها، سواء فيما يتعلق بالبرنامج النووي أو وكلائها الإقليميين، وبمرور الوقت، قد ينجح هذا الضغط في إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات، لكنه سيكون طريقًا شاقًا إذا ظلت الحكومة الأمريكية تمارس الضغط وتطالب بتغيير السلوك وحدها، وإذا خسر ترامب في عام 2020، فسيحتاج خليفته إلى حلفاء يدعمونه، فضلًا عن إدراك أن العودة ببساطة إلى صفقة إيران لا يمكن أن تكون وسيلة وغاية السياسة الأمريكية الجديدة في التعامل مع إيران.

وعلى الرغم من أن حمل تمديد القيود على التخصيب الإيراني ووقف الدعم الإيراني للإرهاب قد يكون كبيرًا، إلا أن الاتفاقية القادمة يجب أن تشمل القضيتين، وعلى إيران والمجتمع الدولي فهم أن الإدارة الأمريكية القادمة ستلتزم بمعالجة كليهما، وللقيام بذلك ستحتاج الإدارة القادمة إلى توضيح أنها تعتزم العمل مع حلفاء أمريكا وشركائها بدلًا من معارضتهم، فالضغط على إيران يتطلب عقوبات اقتصادية وعزلة سياسية بمساعدة حلفاء واشنطن، وهو الأمر الوحيد الذي قد يدفع إيران لتعديل سلوكها، وإذا استمرت واشنطن في القيام بذلك بمفردها، فلن تنجح في تحقيق غايتها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com