"ذا أتلانتك" تسخر من وعد قديم أطلقه أردوغان.. وتقول: الانشقاقات تتعمق داخل حزبه
"ذا أتلانتك" تسخر من وعد قديم أطلقه أردوغان.. وتقول: الانشقاقات تتعمق داخل حزبه"ذا أتلانتك" تسخر من وعد قديم أطلقه أردوغان.. وتقول: الانشقاقات تتعمق داخل حزبه

"ذا أتلانتك" تسخر من وعد قديم أطلقه أردوغان.. وتقول: الانشقاقات تتعمق داخل حزبه

في صيف العام 2001، وعد عمدة إسطنبول آنذاك، رجب طيب أردوغان، بتغيير السياسة التركية، قائلًا، "انتهت حقبة السياسة الأنانية"، وأعلن تأسيس حزب "العدالة والتنمية"، مؤكدًا أنه "لن نطيع أو نعبد أحدًا، سيدير الحزب فريقًا، والزعيم لن يفرض سيطرته عليه، وأولئك الذين يتولون مناصبهم بالانتخاب سيرحلون بالانتخاب".

ووفقًا لمجلة "ذا أتلانتك" الأمريكية المرموقة، فإن وعود أردوغان السابقة تحمل لمسة ساخرة اليوم، حيث أصبح الحزب الحاكم المبني على تعبئة القواعد الشعبية والحكم المحلي، تحت سيطرة من هم في القمة، والمستثمرون الأجانب الذين ساعدوا في تغذية سنوات من النمو الاقتصادي غير المسبوق، يتضررون من تآكل المؤسسات المستقلة، فيما يعتقل كل من ينتقد الحكومة.

واستندت قوة حزب "العدالة والتنمية" منذ العام 2002، إلى حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي الفوز المستمر في الانتخابات، ومع ذلك قد يكون هذا المبدأ الأساسي المتبقي على المحك، فبعد الانتخابات المحلية الشهر الماضي، شكك الحزب في النتائج بالعديد من المدن التي لم يفز فيها بأغلبية.

وفي إسطنبول، طالب الحزب بإعادة فرز الأصوات، الأمر الذي تطلب أكثر من أسبوعين، وقبل إعلان مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، عمدة المدينة الجديد، تقدم حزب "العدالة والتنمية" بطلب لإبطال نتائج الانتخابات وإعادة التصويت، الذي من المتوقع أن يقرر المجلس الانتخابي الأعلى بشأنه قريبًا.

انقسامات وتوترات

بالطبع أدت هذه الخطوات إلى تأجيج الانقسامات والتوترات الحالية داخل حزب "العدالة والتنمية" إلى مرحلة الغليان، فمنذ سنوات وأعضاء الحزب يشكون من إحباطهم ومخاوفهم في الخفاء، لكن بعد أن صدمتهم الأحداث الأخيرة، قرر بعضهم التحدث بصوت عالٍ، ليقدموا بذلك لمحة نادرة داخل حزب نسي مبادئه الأصلية، وطالب بإلغاء الانتخابات، الأمر الذي حذر النقاد من أنه لن يضر بالديمقراطية التركية فحسب، بل سيؤذي مستقبل الحزب أيضًا.

ونقلت "ذا أتلانتك" عن كمال أوزتورك، المتحدث السابق باسم أردوغان، الذي شغل أيضًا منصب رئيس وكالة أنباء الأناضول الحكومية في تركيا من العام 2011 إلى العام 2014، قوله "إنني أعرب عن هذه الانتقادات لأن الآخرين لم يفعلوا ذلك، أنا عضو في حزب العدالة والتنمية وأريده أن يبقى في السلطة، لكن لكي يحدث ذلك يجب على الحزب تجديد نفسه باستمرار".

وأشار أوزتورك إلى أن "العديد من المشكلات الهيكلية قد عصفت بحزب العدالة والتنمية خلال السنوات الأخيرة، منذ أن سلك مسارًا أكثر قومية"، لافتًا إلى أن "هذه القومية المتزايدة تعكس اتجاهًا عالميًا، وأنها ترجع جزئيًا إلى ما كان يُنظر إليه على أنه مشاعر معادية للأتراك في الغرب، ومع توتر العلاقات مع أوروبا، غادر العديد من الليبراليين الحزب، وتضاءل التزامه بمبادئه الميريتوقراطية".

ووفقًا لجاليب دالاي، الباحث الزائر في جامعة أكسفورد، فإنه "تم استبدال السياسيين ذوي الخبرة برفاق أردوغان نتيجة لذلك".

وقال دالاي إن "أردوغان يقدر الولاء فوق أي شيء آخر، وقد عزز هذا سياسة المحسوبية وصعود فئة المهنيين، وهؤلاء الأشخاص وضعوا مصالحهم الخاصة فوق أي شيء آخر مما غذى الخصومات الشخصية داخل الحزب".

نفوذ متنامٍ

وطبقًا لـ"ذا أتلانتك"، أعربت 4 مصادر على صلة بحزب "العدالة والتنمية"، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم خوفًا من العواقب، عن "قلقهم بشأن النفوذ المتنامي لبيرات البيرق صهر أردوغان، الذي تم تعيينه وزيرًا للمالية العام الماضي".

وقالت هذه المصادر، إن "خسارة الانتخابات في إسطنبول كانت مرتبطة جزئيًا على الأقل بصراع على السلطة بين البيرق ومرشح حزب العدالة والتنمية لمنصب العمدة، بينالي يلدريم".

وحسب أحد المصادر، وهو مستشار سياسي سابق، لا يزال على اتصال بقيادة الحزب، فإن "تصادم البيرق ويلدريم، عندما طالب الأخير بالاحتفاظ بنفوذه في الإدارة المستقبلية للمدينة، قوض حملة يلدريم الضعيفة بالفعل".

ويرتبط النزاع الداخلي بشكل كبير بالمصالح المالية الهائلة على المحك، حيث بلغت ميزانية بلدية مدينة إسطنبول 42.6 مليار ليرة تركية (7.3 مليار دولار) العام الماضي، وهي أعلى من ميزانية معظم الوزارات الوطنية، وجزء كبير من هذه الأموال يذهب إلى الشركات الخاصة التي تستعين بها البلدية لتوفير الخدمات أو مشاريع البنية التحتية، بالتالي يعني التحكم في إسطنبول من خلال رئاسة شبكة ضخمة من العلاقات التي أصبحت وقود آلة حزب "العدالة والتنمية"، بشكل متزايد مؤخرًا.

من جانبها استثمرت عائلة البيرق في هذه العلاقات منذ منتصف التسعينيات، عندما كان أردوغان عمدة إسطنبول واستعان بشركة "البيرق القابضة"، وهي شركة تركية تولت مشاريع بناء كبيرة منذ ذلك الحين.

ولا يبدو من قبيل الصدفة، أن وسائل الإعلام التي يديرها أعضاء وشركاء عائلة البيرق، مثل "صباح" و"حابر"، سارعت إلى التشكيك في نتائج الانتخابات المحلية، متهمةً المعارضة بـ "سرقة" صندوق الاقتراع.

العودة إلى الأصل

حيال ذلك، كان رد أردوغان في البداية أكثر اعتدالًا، ودعا جميع الأحزاب إلى احترام إعادة فرز الأصوات المستمرة في عدة مناطق، لكن عندما أصبح واضحًا أن عملية إعادة الفرز لن تغير النتيجة، ادّعى أن الانتخابات شابتها "جريمة منظمة".

ويعتبر طلب حزب "العدالة والتنمية"، مفهومًا بالنظر إلى فوز المعارضة بهامش ضئيل، لكن وفقًا لما قاله "عثمان كان"، وهو قاض سابق في المحكمة الدستورية التركية، وعضو سابق في مجلس إدارة حزب "العدالة والتنمية"، لم يتمكن الحزب من تقديم أدلة كافية على المخالفات وانتهك الإطار الزمني الذي يمكن أن تحدث فيه عملية إعادة فرز الأصوات، قائلًا إن "العملية برمتها كانت غير دستورية".

وليس بعيدًا، أدان أحد مؤسسي حزب "العدالة والتنمية" ورئيس تركيا السابق عبدالله غول، طريقة تعامل الحكومة مع عملية إعادة فرز الأصوات، وقال إنها "تلقي بظلالها على ديمقراطيتنا"، وأعطى بيانه دعمًا لتكهنات طويلة الأمد، بأن كبار حزب "العدالة والتنمية" يستعدون للانشقاق وتكوين حزب جديد.

ومن المتوقع أن يكون زعيم هذا الحزب المنشق أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء السابق، حيث أشار أحد المصادر إلى أن "أوغلو كان يخطط للقيام بمثل هذه الخطوة في الأشهر المقبلة، لكنه واجه صعوبة في توحيد جهوده مع غول بسبب النزاعات الشخصية".

وكان شعور الإحباط لدى أوغلو، واضحًا في منشور مطول له على صفحته في "فيسبوك"، أعرب فيه عن "أسفه لخسائر حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية"، منتقدًا في الوقت ذاته "دائرة تعتبر نفسها أعلى من الهيئات الحاكمة لحزبنا وتحاول إدارته كبنية موازية".

بالعودة إلى كمال أوزتورك، المتحدث السابق باسم أردوغان، فإنه يعتقد أن "هناك حركات سياسية جديدة ستتشكل هذا العام، لكنه شكك في حصول غول أو أوغلو على أي دعم عام يُذكر"، بينما أعرب عن "قلقه بشأن النجم الصاعد ورئيس بلدية إسطنبول الجديد، إمام أوغلو، الذي تمكن من الوصول إلى ناخبي حزب العدالة والتنمية من خلال الوعد بالشمولية والمساءلة، على عكس حزب الشعب الجمهوري العلماني، وكما فعل أردوغان في السابق".

لهذا السبب يخشى منتقدو استراتيجية حزب "العدالة والتنمية"، من أن تؤدي إعادة التصويت إلى جعل الأمور أسوأ بالنسبة للحزب.

وبالاستماع لأحد المصادر، وهو مستشار سياسي سابق، فإن "الحزب سيجد صعوبة في زيادة حصته من الأصوات، كما سيواجه أيضًا اضطرابات اقتصادية أكبر، فمع ارتفاع معدل البطالة بين الشباب إلى 25 %، وانخفاض سعر العملة وارتفاع مستويات التضخم، آخر ما تحتاج إليه الأسواق المالية هو فترة انتخابات جديدة".

ويواجه المجلس الانتخابي الأعلى الآن، قرارًا بالغ الأهمية، لأنه "إذا ألغى هذه الانتخابات، فسوف يدمر مصداقيته تمامًا، وسيفقد الناس ثقتهم في الانتخابات، وهذه ستكون نقطة تحول مطلقة في تاريخ الديمقراطية التركية، وستعرضه لضغوط سياسية كبيرة، لكن من المتوقع أن يكون حزب العدالة والتنمية قد أدرك الآن خطر إعادة الانتخابات، وفي الواقع، هناك بعض الدلائل على أن أردوغان نفسه بدأ يغير أسلوبه".

ففي بيان يتناقض مع هجماته السابقة على نتائج الانتخابات، قال الرئيس التركي، "حان الوقت للمصافحة والعودة للتركيز على تحسين الاقتصاد والأمن".

وأردوغان يفهم جيدًا التأثير المحتمل لذلك على قبضته المستقبلية على السلطة، حيث ورد أنه قال سابقًا، "إذا خسرنا إسطنبول، خسرنا تركيا".

ويعلمنا التاريخ الانتخابي التركي، أن السيطرة على البلديات هي مفتاح النجاح في الانتخابات الوطنية اللاحقة، فقبل كل شيء، يطلب الناخبون خدمات محلية فعالة وفوائد اقتصادية، وهما حجرا الزاوية في نجاح حزب العدالة والتنمية.

إزاء ذلك، أفاد أوزتورك، بأن "الطريقة الوحيدة للفوز بالانتخابات الوطنية في عام 2023، هي الوفاء بالوعود الأساسية التي قدمها أردوغان في عام 2001"، لافتًا إلى أنه "يجب على حزب العدالة والتنمية أن يعود إلى أصله، ليتمتع بالحنين إلى الماضي، ويعود إلى الميدان، ويستمع لصوت الشوارع كما كان الحال سابقًا".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com