هل كان بيد فرنسا منع هجوم ستراسبورغ؟
هل كان بيد فرنسا منع هجوم ستراسبورغ؟هل كان بيد فرنسا منع هجوم ستراسبورغ؟

هل كان بيد فرنسا منع هجوم ستراسبورغ؟

طرح ارتكاب مدرج على قوائم الأمن الفرنسي لهجوم ستراسبورغ ليلة الثلاثاء الماضي، الذي قتل فيه 3 أشخاص وأصيب آخرون، التساؤل حول إمكانية منع هذا الاعتداء قبل وقوعه.

ولم يكن الشاب المغربي شريف شيكات الذي نفذ الهجوم مجهولًا لأجهزة الأمن، حيث أعلن في الساعات الأولى أنه أحد المراقبين ضمن العناصر المتشددة المصنفة خطرًا على أمن الدولة.

لكن فرنسا التي تعيش بين ضرورة التوفيق بين ضمان الأمن العام وأمن الدولة، وتطبيق مبدأ احترام حقوق الإنسان؛ لم يكن بوسعها اعتقال أو توقيف الإرهابي شيكات، حتى لا تفقد باريس لقب عاصمة الحريات.

ورغم أن أغلب منفذي اعتداءات السنوات الأخيرة معروفون لدى أجهزة الأمن، وبعضهم أصحاب سوابق عدلية، إلا أن توقيفهم- بشكل وقائي- تعترضه معوقات تشريعية وقانونية جمة.

تصطدم التدابير المتخذة إزاءَ الأشخاص المصنفين خطرًا على أمن الدولة (ويُشار إليهم في السجلات الأمنية بــالملف س) بالمبادئ الحقوقية والدستورية الأساسية لفرنسا.

هل يحقُ سجن أو إبعاد كل المصنفين في خانة (s) من فرنسا؟

هذا السؤال طرحته صحيفة ''لوفيغارو'' الفرنسية، على الخبير في القانون الدستوري، دومينيك شانيولو، في مارس الماضي، فأبرز في رده أنَّ خيار الإبعاد يظل ''محصورًا في سياقٍ استثنائي يجعله عسير التنفيذ. فمثلًا لا يمكن إبعاد القصر أو أشخاص أجانب يوجدون في فرنسا منذ أكثر من 10 سنوات، أو شخص متزوج من فرنسية يتولى معها إعالة أطفالهما''

وقبل إجابة هذا الخبير، سبق لكل من الوزير الأول السابق، مانويل فالس، وزعيمة الحركة الوطنية اليمينية المتطرفة، مارين لوبين، أن اقترحا حظر ''السلفية'' رغم أن المختصين في القانون متفقون على أن المجلس الدستوري لن يساوم في أمر حرية التدين المضمونة بنص المادة العاشرة من إعلان حقوق الإنسان والمادة الثانية من دستور 1958.

فالسلفية -تقول الصحيفة- رغم انحرافاتها المتعددة والمتسمة بالعنف والفئوية، فإنها تشكل تيارًا مهمًا في الإسلام المعاصر، وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ بعض أشهر القضاة لا ينفكون يبرزون حقيقة أن قواعد القانون الجنائي لا تهتم بالمرتكزات الإيديولوجية للمخالفات.

وإذا كانت التعديلات على قانون محاربة الإرهاب، التي أُقرت في 2017، تُسهل إجراءات غلقِ المساجد، فإن الحسم في دستوريته تتوقف على قرار سيتخذه المجلس بخصوصه هذا الأسبوع.

الانحياز للحريات على حساب الأمن

وفي خضم هذا الجدل، يبرز موقف اليمين التقليدي، بقيادة النائب في الجمعية لوران فوكيز، الذي يقول بإمكانية ''إخضاع المصنفين خطرًا على أمن الدولة (ملف س) الأكثر خطورة للتوقيف الإداري''، ويتبنى فالس أيضًا هذه الرؤية؛ إذ يقترح تفحص الإشكالات المرتبطة بهذه الفرضية.

لكن مواقف المختصين في القانون الدستوري، شأنهم شأن القضاة المختصين في شؤون الإرهاب، يبدون متحفظين على مثل هذه الإجراءات إلى أبعد الحدود، وقد علق أحد القضاة على عليها بالقول '' إن مثل هذا الإجراء لا يمكن أن يصمد في وجه المبادئ الدستورية والتقاليد الفرنسية في مجال حقوق الإنسان''.

ويؤكد أستاذ القانون الدستوري والقانون العام بجامعة باريس، بول كاسيا، أن الاعتقال الإداري يضرب في الصميم مبدأين أساسيين هما؛ حرية التنقل، وقرينة البراءة.

ويخلص الأستاذ كاسيا إلى أنَّ المجلس الدستوري قد يجد أن الاعتقال الإداري مبالغ فيه؛ وبالتالي يُفضل الانحياز إلى الحريات والحقوق الفردية على حساب الأمن والنظام العام ويحظر هذا الإجراء.

وفي مستوى آخر من تدليله، يؤكد الأستاذ كاسيا أن سلب الحرية لا يمكن التقرير بشأنه إلا بأمر من القضاء، والأحكام القضائية عادة لا تتناول مددًت قصيرة جدًا تُعد بالأيام.

الاعتقال الوقائي.. استدعاء التاريخ

يرى المختص في القانون الدستوري، ديدييه مو، أن هذا النوع من الاعتقال لا يُطبق إلا على الأجانب في وضعية غير قانونية وبهدف ترحيلهم، ويذكر بأنَّ الاعتقال ''الوقائي'' له سابقة سيئة في تاريخ فرنسا؛ إذ اقترن بممارسات نظام ''فيشي''، الذي تحالف مع النازية بعد هزيمة فرنسا في الحرب العالمية الثانية ضد معارضيه وأفراد المقاومة الفرنسية.

ويعتبر الأستاذ، مو، أنَّ اللجوء إلى تصنيف أشخاص في خانة ''الملف س'' دافعه غياب أي قرينة تسمح بوضعهم رهن الاعتقال الاحتياطي، ولو توفرت هذه القرينة لعدنا إلى النطاق التقليدي لتطبيق الإجراءات الجنائية.

ويبرز رأي آخر لأحد القضاة سبق له أن تولى قضايا هامة تتصل بمحاربة الإرهاب؛ يرى أنَّ أنصار الاعتقال الإداري المسكونين بالهاجس الأمني لا يفكرون إلا في صلاحيات القضاء الإداري والسلطة العسكرية، وهذا مجافٍ للواقع القانوني بفرنسا في الوقت الراهن.

كما أنه أمرٌ بالغ الخطورة سيما أنَّ القوانين الأخيرة المتعلقة بالاستخبارات تكاد تلامس خطوط الفصل بين السلطة الإدارية والسلطة القضائية، وبالتالي فالأجدر تركيز النقاش حول موضوع التهمة القانونية.

والواقع أنَّ تهمة ''جمعية أشرار على صلة بمخطط إرهابي''، الشائعة في قضايا الإرهاب، إنما أُبدعت لقطع الطريق على وقوع اعتداءات وعدم انتظار ارتكاب الفعل الإرهابي كي تتصرف السلطات القضائية التي تتفردُ بامتلاكها السلطة القسرية؛ أي سلطة سلب الحرية.

ويُفسر هذا التدليل دعم عدد من القضاة المختصين في قضايا الإرهاب  إنشاء نيابةٍ وطنية مختصة في الإرهاب يرون أنها ضرورية كي تعيد السلطة القضائية بسط يدها على الموضوع، على أن يتم ذلك في تناغم مع عمل أجهزة الاستخبارات والأمن.

ويرى أصحاب هذا الرأي وجوب تسمية مدعٍ عام على مستوى دولة فرنسا يتمتع بإنابات قضائية في مختلف محاكم فرنسا، وله علاقات وطيدة بمصالح الاستخبارات والشرطة والدرك، وهو أمر سيمكن من متابعة أكثرَ دقة وآنية للمصنفين في خانة ''عنصر مهدد لأمن الدولة''، بـفروعها الستة عشر، والمقدر عددهم بنحو 20 ألف شخص، عكس الواقع اليوم.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com