من كتاب "الخوف": هكذا حاول تيلرسون الاعتراض على قمة الرياض‎
من كتاب "الخوف": هكذا حاول تيلرسون الاعتراض على قمة الرياض‎من كتاب "الخوف": هكذا حاول تيلرسون الاعتراض على قمة الرياض‎

من كتاب "الخوف": هكذا حاول تيلرسون الاعتراض على قمة الرياض‎

في الحادي عشر من يوليو/ تموز 2017 وقع وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون في الدوحة مذكرة تفاهم مع وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مجال مكافحة تمويل الإرهاب تشمل التعاون في قضايا الأمن والاستخبارات والمالية.

الاتفاقيّة التي استغرقت مفاوضاتها أربعة أسابيع وجرى التكتم على تفاصيلها، لم يعرف بها مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب ،هربرت مكماستر، إلا من الصحف.

كانت تلك الحادثة حسب ما جاء في كتاب بوب وود وردس "الخوف... ترامب في البيت الأبيض"، الذي صدر قبل أيام، إشارة أخيرة قطعية إلى أن تيلرسون في دبلوماسيته الخليجية ومنها أزمة قطر كان يعمل "منفردًا وبشطط، وفي معزل عن الرئيس ترامب". حسب تقييم مكماستر. (ص 212).

في كتاب "الخوف" توسع وود وردس كثيرًا في تقصي وتسجيل الشواهد عن العلاقة الخاصة بين تيلرسون وقطر وتأييده للتفاهم مع إيران، وقضايا أخرى، جعلت البيت الأبيض في عهد ترامب يبدو وكأنه "مدينة مجانين" تتسم سياستها الخارجية بفقدان الاتساق وبالتناقض في كثير من الأحيان.

حديقة حيوان دون جدران

ويقول كبير موظفي البيت الأبيض في تلك الفترة، راينس بريبوس في تفسير ذلك "عندما تضع أفعى وفأرًا وصقرًا وأرنبًا وسمكة قرش وفقمة في حديقة حيوانات دون جدران، فإن الأوضاع تستحيل إلى فوضى دموية. وهذا ما حصل".

حصة الشرق الأوسط من مشهد مدينة المجانين في البيت الأبيض، كما عرضها الكتاب، كانت متواضعة نسبيًّا بالمقارنة مع القضايا الأخرى المحلية والأمريكية، التي اتسمت بالفوضى وحكَمها الخوف. فترامب، كما ينسب له المؤلف، له مقولة مشهورة: "القوة الحقيقية هي الخوف". وفي هذا النطاق كان الخوف غائبًا في سلطة الرئيس على الذين اختارهم لتسيير شؤون الشرق الأوسط.

وفي الإشارات المتفرقة التي عرض فيها الكتاب لتجربة تيلرسون وعلاقته الخاصة مع قطر لكونه أمضى سنوات طويلة مديرًا تنفيذيًّا لشركة إكسون موبيل (الشريك الأساس للنفط والغاز القطري)، وكذلك دوره بمعالجة "أزمة قطر" مع رباعية دول المقاطعة العربية، يورد المؤلف عدة شواهد ينقل فيها عن كبير موظفي البيت الأبيض كيف أن تيلرسون كان يتصرف منفردًا، خلافًا لقناعات رئيسه ترامب، ونقيضًا أيضًا لإستراتيجية مجلس الأمن القومي وللمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، (ص 213).

محاباة لإيران على حساب العرب السُّنَّة

الشاهد الأول إصراره المتكرّر على الإبقاء على سياسة الرئيس السابق باراك أوباما في الشرق الأوسط والتي كانت تتحالف مع إيران أو تُحابيها على حساب الدول العربية من المذهب السنّي (ص 137).

كان أوباما، ومنذ أيام حملته الانتخابية، لا يخفي قناعاته بأن الاتفاقية النووية مع ايران هي أسوأ اتفاقية وأكثرها جورًا على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

وقد ظل تيلرسون يعمل ويدعو لتجديد هذه الاتفاقية إلى أن خاطبه ترامب بقوله "هذه آخر مرة أريد أن تأتيني وأنت تدعو لتجديد الاتفاقية (ص 136). يومها كما يقول الكتاب أجبره الرئيس أن يعقد مؤتمرًا صحفيًّا يطرح فيه ما يريد ترامب قوله".

وينقل الكاتب عن بريبوس قوله إن "ترامب وصف تيلرسون بأنه متخاذل مع إيران".

ستيف بانون وإستراتيجية الشرق الأوسط

ستيف بانون كبير مستشاري ترامب للشؤون الإستراتيجية، في بداية عهده، كان قاسيًا جدًّا على تيلرسون في انحيازه لنهج التفاهم مع إيران على حساب العرب السُّنَّة.

وفي ديسمبر 2017، كما جاء في كتاب "الخوف" جرى إعداد إستراتيجية أمن وطني من 55 صفحة. فيما يتعلق بالشرق الأوسط بهذه الإستراتيجية للسياسة الخارجية التي يُفترض أن يتولاها تيلرسون، جاء النصُّ على مبدأ "الحفاظ على توازن القوى"، وهو تعبير رأى فيه بانون خرقًا لما تم الاتفاق عليه في قمَّة الرياض مع الدول الخليجية والإسلامية، إذ  تم الاتفاق في القمّة على مبدأ التحالف من أجل كبح طموحات إيران في التمدد بالشرق الأوسط على نحو يهدد السلم الإقليمي والدولي. (ص 292).

وفي الحالتين، علاقة تيلرسون الخاصة مع قطر وتوقيعه معها اتفاقًا لا يعلم به مجلس الأمن القومي، وكذلك إصراره (تيلرسون) على إدامة علاقة التفاهم بين واشنطن وطهران كما كان اعتمدها أوباما، كان وزير الخارجية في إدارة ترامب يُنفّذ أجندة خاصة به وصفها مكامستر مستشار الأمن القومي وأيضًا بريبوس كبير موظفي البيت الأبيض بأنها "شطط شخصي".

السعودية حجر الأساس في الشرق الأوسط

ففي قناعة ترامب، كما يعرضها كتاب وود وردس في أكثر من موقع، أن المملكة العربية السعودية هي حجر أساس في تحقيق الاستقرار بالشرق الأوسط.الاستقرار الذي يأمل معه ترامب أن يسحب  لاحقًا معظم قواته من المنطقة بعد أن يتحقق الانتصار الناجز على المنظمات الإرهابية، مع تجفيف منابعها.

الركن الثاني في إستراتيجية ترامب بالشرق الأوسط، والتي يرى فيها أن السعودية شريك لا يمكن الاستغناء عنه، هو إخراج إيران من العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهو الموضوع الذي انعقد له مؤتمر الرياض 2017، وأرسى أساسيات لعمل مشترك في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية.

تيلرسون يعارض مؤتمر الرياض

ويكشف كتاب "الخوف" أن تيلرسون كان من معارضي فكرة أن تكون السعودية هي المحطة الخارجية الأولى لترامب بعد تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة. ولذلك جرى استبعاده من الاجتماعات الأساسية التي عقدها جاريد كوشنر، مستشار ترامب، مع طواقم البيت الأبيض للاتفاق على ترتيبات قمّة الرياض، وبعدها قمّة ترامب مع قادة السعودية.

وفي الجديد من التفاصيل التي يكشفها كتاب وود وردس، ما يتصل بدور ضابط المخابرات السابق  الكولونيل ديريك هارفي، بإقناع كوشنر ومكماستر وآخرين بأن المملكة العربية السعودية هي الشريك الأساس المفترض في الشرق الأوسط. فقد حصل أنه في شهر فبراير 2017، أي بعد أيام من تنصيب ترامب، زار هارفي (وقد أصبح مديرًا لدائرة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي)، زار جاريد كوشنر في مكتبه الصغير المحاذي للمكتب البيضاوي وعرض عليه نظريته القديمة بأن حزب الله وإيران هما أكبر تحديات الأمن في الشرق الأوسط.

معلومات هارفي كانت تقول، إن لدى حزب الله 48 ألف شخص تحت السلاح في لبنان، بالإضافة إلى 8 آلاف عسكري في سوريا واليمن. هذا فضلًا عن عملاء وسماسرة لحزب الله عددهم بين 30 – 50 شخصًا موزعين بين كولومبيا وفنزويلا وجنوب أفريقيا وموزامبيق وكينيا. وإن حزب الله يتلقى من إيران دعمًا سنويًّا بحوالي بليون دولار فضلًا عن موارد غير محصورة يحصّلها من تهريب المخدرات وتبييض الأموال.

وكانت نظرية هارفي أنه ما لم يتم التحالف مع السعودية ودول الخليج والدول الإسلامية السُّنيَّة لكبح جماح التمدد الإيراني، فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد تجد نفسها في أي وقت أمام انفجار عسكري كبير في المنطقة، تتواجه فيه إيران مع إسرائيل وتضطر فيه الولايات المتحدة لأن تتحمل عبئًا لا تريده.

بداية فكرة قمَّة الرياض

ويروي الكتاب أن هارفي زار ثانية كوشنر، وسمع هناك اقتراحًا بأن تكون الرياض هي المحطة الأولى لترامب، ونقطة انطلاق لإستراتيجية جديدة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وفي ذلك الاجتماع، كما جاء في الكتاب، فقد نقل كوشنر إلى هارفي معلومات قال إنها استخبارية وثيقة، تقول إن الأمير محمد بن سلمان تنتظره مسؤوليات كبيرة في السعودية، وإنه يتمتع برؤية إصلاحية وعزيمة وجرأة، توجب على الإدارة الأمريكية أن تؤيَّده في رؤيته الطموحة للمملكة ولموجبات استقرار الشرق الأوسط الذي ترى واشنطن أن أحد شروطه الأساسية إخراج إيران من اليمن والعراق وسوريا ولبنان. (ص 119).

وفي مارس 2017 ترأس مكماستر الاجتماع الأول لكبار المسؤولين المناط بهم التمهيد لقمَّة الرياض، وأعقبها اجتماعان موسعان مع وفود سعودية ذات اختصاص في القضايا الاستثمارية والاقتصادية والسياسية والعسكرية.

كتاب "الخوف" يروي كيف أن وزير الخارجية تيلرسون لم يتوقف عن إظهار شكوكه في جدوى عقد قمّة الرياض وفي التحالف الإستراتيجي بين الرياض وواشنطن. ولذلك جرى تنحيته من الاجتماعات التمهيدية للقمّة. حتى إذا تفاقمت تصرفاته في الانفراد بأجندة خاصة في عدد من الملفات، أصبحت إقالته مسألة وقت، جرى الإعلان عنها في 2018 بالطريقة المهينة المعروفة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com