هل يستطيع الأوروبيون كبح جماح اليمين المتطرف الزاحف نحو السلطة؟
هل يستطيع الأوروبيون كبح جماح اليمين المتطرف الزاحف نحو السلطة؟هل يستطيع الأوروبيون كبح جماح اليمين المتطرف الزاحف نحو السلطة؟

هل يستطيع الأوروبيون كبح جماح اليمين المتطرف الزاحف نحو السلطة؟

أثار الصعود الصاروخي لليمين القومي المتطرف في أكثر من دولة أوروبية في العقد الأخير أسئلة عديدة حول مستقبل القارة العجوز، واحتمالية تهديد القيم التي لطالما تفاخرت بها بعد الحرب العالمية الثانية، بوصفها رمزًا للحرية والرخاء وضرب هذه القيم في مقتل.

وأشارت صحيفة "ذي تيليغراف" البريطانية في تقرير مطوّل إلى أن الاتحاد الأوروبي يجد نفسه تحت وطأة هجوم من ثورة شعبية جديدة، مع تبقي ما يقل عن عام على خروج بريطانيا الرسمي من الاتحاد الأوروبي، فيما يُعرف بـ"بريكست"، ومع الهجمات على الديمقراطية أصبح مستقبل أوروبا على المحك.

وكشفت الصحيفة عما بات يُعرف بـ"أوروبا الأخرى" أحادية الثقافة والمحافظة وذات الجذور المسيحية العميقة، والتي افترضت أوروبا الليبرالية والعلمانية ومتعددة الثقافات بأنها ستتلاشى بهدوء، بعد انهيار الإمبراطورية السوفيتية وتصويت الدول التابعة للإمبراطورية على الانضمام للاتحاد الأوروبي في عام 2014، والتي ظهرت معالمها في قرية في بولندا كنموذج مصغر عما يمكن أن تؤول له الأوضاع في أوروبا.

رياح الشرق الرجعية تهب من بولندا

هذه القرية البولندية يمكن وصفها بأنها إحدى أكثر القرى المحافظة في بولندا، بحسب وصف الصحيفة، وهي مكونة من مجموعة من المنازل ذات الارتفاع المنخفض تبعد 100 ميل عن شمال شرق العاصمة وارسو، حيث يُلاحظ أنه حتى المتجر وصالون تصفيف شعر يضم مقعدين فقط يعلقان صليبًا فوق الباب.

استقر الناس في قرية "كوبلين- بورزيمي" منذ القرن الرابع عشر، لكن هذه القرية في الشرق القديم من بولندا اكتسبت شهرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، عندما صوتت بشكل ساحق لحزب العدالة والقانون القومي المحافظ في بولندا (PiS) أكثر من أي مكان آخر في البلاد، بحسب ما ذكرته الصحيفة.

وأكدت الصحيفة أن نحو 85% من سكان القرية كانوا قد أدلوا بأصواتهم لصالح الحزب الذي وعدهم بمزيجٍ من تقديم المساعدات المالية للفقراء، والدفاع غير المعذور عن " التراث المسيحي البالغ من العمر ألف سنة" لبولندا ضد المد المتصاعد لليبرالية والهجرة غير الخاضعة للرقابة.

وبحسب تعبير الصحيفة، "لم يتلاشَ" تاريخ المنطقة كما أملت أوروبا الليبرالية، بحسب تنبؤ فرانسيس فوكوياما، بل على النقيض، تمت إعادة إيقاظ أوروبا على مدار العقد الأخير مع ميل إلى الانتقام.

وأشارت الصحيفة للحوادث البارزة التي شهدها العقد الأخير والتي بدأت أولًا بالأزمة المالية العالمية عام 2008، ثم أزمة الديون في منطقة اليورو عام 2011 وأخيرًا أزمة المهاجرين في عام 2015، وعملت جميعها على تحطيم المشروع الأوروبي، وإعادة فتح الصدع الأيديولوجي القديم الذي يهدد الآن بشق الاتحاد من الشرق إلى الغرب.

وبيّنت الصحيفة في تقريرها أن الحكومة البولندية تخضع الآن لتحقيق رسمي في بروكسل لفشلها في الحفاظ على "سيادة القانون"، وسط  قيام فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري، بالاستمتاع بدوره كمشجع لنوع جديد من "الديمقراطية غير الليبرالية" التي تدافع عن أوروبا المسيحية من "غزو" المسلمين .

وبحسب تعبير الصحيفة، فإنه مع انتشار الشعوبية المناهضة للهجرة الآن شمالًا إلى السويد وجنوبًا إلى إيطاليا، ومع عدم إظهار وارسو أو بودابست أية إشارات بالتراجع، فإن النصف الغربي من الاتحاد الأوروبي يتساءل الآن علنًا: ماذا سنفعل بهذه الدول المضطربة؟

الانقسام الهائل حول الهجرة

يؤكد التقرير أن الخطوط الطويلة من الرجال والنساء والأطفال المتدفقين من الشرق الأوسط وأفريقيا عبر غرب البلقان في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، وتجمعهم في محطة كيليتي للسكك الحديدية في بودابست، هو ما أعاد فتح الفجوة بين الشرق والغرب في أوروبا أكثر مما فعلته الأزمة المالية.

بالنسبة للقادة القوميين مثل أوربان، وياروسلاف كازينسكي في بولندا وروبرت فيتسو في سلوفاكيا، كان المهاجرون أداة سياسية ملائمة صيغت لتمثل دليلًا ماديًا على ما يهدد بالفصل بين الأوروبيتَين.

بالنسبة للمقيمين في أماكن كهذه، لم يكن ترحيب أنغيلا ميركل باللاجئين السوريين هو ما صدمهم وأقلقهم، بل الافتراضات الليبرالية المؤمنة بتعدد الثقافات التي ارتكز عليها ذلك القرار.

يقول فويتشوف موكوسكي، عمدة كوبيلين- بورزيمي، الذي يضم مكتبه الواسع صليبًا أيضًا: "بالنسبة لنا، كان مما يصعب تصديقه أن تفتح ألمانيا الحدود لأناس مختلفين تمامًا، من إفريقيا أو سوريا والعراق، ماذا كانوا يتوقعون أن يحدث؟ أن يختلط الناس معًا؟ نحن نعلم أن هؤلاء الناس لا يريدون الاختلاط ".

ووجهة النظر هذه مشتركة على نطاق واسع في جميع أنحاء أوروبا الشرقية والوسطى، بحسب تعبير بوجدان زيلينسكي، وهو رئيس المقاطعة لحزب العدالة والقانون المحلي، الذي يجادل بأنه يجب على الاتحاد الأوروبي تقبل أن دولًا مثل بولندا والمجر لديها تجارب مختلفة جذريًا حول التعددية الثقافية عن تلك للغرب.

وذكرت الصحيفة أنه عندما حاولت القوى الغربية فرض حصص هجرة على الشرق في عام 2015، سمح التمرد من وارسو وبودابست للسياسيين بتسليط الضوء على الاختلافات حول مسائل أخرى مرتبطة بالقيم، بما في ذلك زواج المثليين والإجهاض، وحتى تعريف الديمقراطية نفسها.

وكشفت الصحيفة عن أنه بعيدًا عن المناطق الحضرية الليبرالية في بولندا، يوجد أيضًا شعور بأنه عندما يتعلق الأمر بالقيم، تغيّرت قواعد اللعبة منذ الضم للاتحاد الأوروبي، في عام 2004، عندما صوتت بولندا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كانت قرية كوبلين- بورزيمي واحدةً من ثلاث مناطق فقط صوتت لصالح البقاء خارج الاتحاد الأوروبي خوفًا من "التنازل عن الهوية الوطنية البولندية المميزة".

وكجزء من أوراق انضمامها، وقعت بولندا على المادة 2 من معاهدة الاتحاد الأوروبي الذي يلزم أعضاء الاتحاد الأوروبي باحترام الديمقراطية و"سيادة القانون" ومفاهيم مثل "التعددية"، و"عدم التمييز"، و"التسامح"، لكن سؤال الالتزام بهذه المعايير لا يزال مفتوحًا.

وذكرت الصحيفة أن الدبلوماسيين المجريين يتحدثون الآن بصراحة عن تطوير "نموذج هنغاري للديمقراطية"، وهي المرحلة الأخيرة في "الثورة الثقافية المضادة" التي وعد بها أوربان في عام 2016، بينما يسعى حزب العدالة والقانون في بولندا إلى مراجعة الدستور صراحةً؛ من أجل "حماية" بولندا من "التقدم الليبرالي".

 ما الذي يجب فعله؟

أشارت الصحيفة إلى أن السؤال الذي يواجه الأعضاء المؤسسين للمشروع الأوروبي الآن هو كيفية التعامل مع هذه الديمقراطيات الشرقية "غير الليبرالية" التي بدأت رسائلها، خاصة حول الهجرة، تُسمع أصداؤها على نطاق أوسع عبر الاتحاد، كصعود حزب الحرية "النمساوي اليميني المتطرف، وحزب "ديمقراطيو السويد" اليميني المتطرف، وفي إيطاليا وألمانيا التي حقق "حزب البديل" اليميني المتشدد فيها مكاسب كبيرة في الانتخابات البرلمانية في العام الماضي.

ونوّهت الصحيفة البريطانية إلى أن أوروبا الغربية القديمة تواجه الآن ثلاثة خيارات عند التعامل مع المعارضة من الشرق، فإما أن "تواجهه" بشكل مباشر وصريح، أو تتطلع إلى "استيعابه"، أو بإمكانها أن تحاول "التحقق" من تأثيرهم المتنامي ومن ثم محاولة كسب الوقت، لكنها لفتت لمعارضة رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر للمواجهة، لأنها ستؤدي بحسبه إلى الترويج للانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي وليس إصلاحه، مقابل الميل للاحتواء والتعامل اللين مع هؤلاء.

ومن الخيارات المتاحة هي التقدم بالمزيد من القضايا القانونية ضد السياسات التي تخرق قانون الاتحاد الأوروبي، إلا أن مثل هذه القضايا تستغرق وقتًا طويلًا لتنظيمها ويكون تأثيرها محدودًا في كثير من الأحيان، حيث يمكن للحكومات دفع غرامات أو ببساطة إيجاد طرق قانونية بديلة لتحقيق الهدف نفسه.

كما أن الخيار الثالث يتمثل باقتراح أكثر قسوة تدعمه بعض دول أوروبا الغربية والمتمثل في ربط دفع الاتحاد الأوروبي المال بالسلوك الجيد والامتثال لـ"سيادة القانون"، لكن الخوف من أنها ستأتي بنتائج عكسية، حيث ستسلم أمثال أوربان وكازينسكي ذخيرة سياسية لإثارة المشاعر القومية.

ويؤكد التقرير أنه لن تتم تسوية تلك المعركة مع اليمين المتطرف في جولة واحدة، وأن المعركة بالنهاية ستحدد قدرة الاتحاد الأوروبي الأوسع على تحقيق الرخاء والأمن في مواجهة للتهديدات من الهجرة والتدخل الروسي والتحالف عبر الأطلسي المتداعي.

وترى الباحثة في مركز "تينيو" الاستخباري الأمريكي أن الرؤية غير الليبرالية لدول وسط وشرق أوروبا في حالة صعود، وتشير إلى أن المواجهة المباشرة بين الشرق والغرب من المرجح أن تغذي عقلية الاضطهاد التي تدعم الشرق.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com