محاكمة الرئيس الكيني تكشف تناقض المجتمع الدولي
محاكمة الرئيس الكيني تكشف تناقض المجتمع الدوليمحاكمة الرئيس الكيني تكشف تناقض المجتمع الدولي

محاكمة الرئيس الكيني تكشف تناقض المجتمع الدولي

صفحة حالكة السواد، لا صفحة مشرقة، فتحت بمثول الرئيس الكيني أمام محكمة الجنايات الدولية، وهي كذلك على صعيدين ومستويين.

الأول: لأنها تكشف كيف يكيل المجتمع الدولي بمكيالين، إذ تتم محاكمة الرئيس الكيني بتهم قتل ألف مواطن فقط، وتشريد 600 ألف مواطن، فيما لم تتحرك محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة الرئيس السوري بشار الأسد الذي قتل ربع مليون مواطن حتى الآن، وشرد 11 مليون مواطن، ثمانية منهم داخل سوريا، وثلاثة خارج سوريا.

الثاني: لأنها تكشف كيف يتم تسييس جرائم الحكام، والتلاعب بالقانون الدولي، من قبل المحكمة، كما من قبل الرئيس المتهم، سواء بسواء.

من قرأ عناوين الأخبار المتعلقة بمحاكمة الرئيس الكيني اوهورو كينياتا، دون قراءة التفاصيل، أصيب برعشة نشوة، إذ ها هو أول الرؤساء الظالمين، قد وقف أخيرا داخل قفص الاتهام، أمام محكمة الجنايات الدولية، فاتحا أبواب المحكمة أمام مثول الكثيرين من رؤساء دول العالم الثالث لينالوا ما يستحقونه من جزاء، جراء الظلم والتنكيل الذي ينزلونه بشعوبهم.

غير أن حقيقة الأمر شديدة المخالفة لهذه الرؤية الرغائبية، شديدة الابتعاد عن الواقع.

وعودة إلى الأسد، فإن ما يحول دون محاكمته، وإحالته لمحكمة الجنايات الدولية يتمثل في ثلاثة عوامل رئيسة، تكشف العجز والقصور في نظام المحكمة، وإعلان روما الذي انبثقت عنه:

أولا: عدم مصادقة النظام السوري على إعلان روما.

ثانيا: عدم اعتراف النظام السوري باختصاص المحكمة بمحاكمة رئيسه.

ثالثا: عدم اتخاذ مجلس الأمن الدولي قرارا بإحالة جرائم النظام السوري لهذه المحكمة، لعدم رغبة الدول دائمة العضوية بذلك حتى الآن، إذ لا فرق بين مواقف واشنطن، وباريس، ولندن، وموسكو، وبكين، في هذه المسألة بالذات "كلهم في الهم شرق".

والعوامل الثلاث السابقة، منصوص على ضرورة توفرها في إعلان روما القاصر.

أما الرئيس الكيني، فهو الذي قرر المثول أمام المحكمة من أجل أن "يمسخر" المحكمة وإعلان روما المنشئ لها.

أول فصول مهزلة محاكمة كينياتا تمثلت في إعلان فوتا بنسودا المدعية العامة، لدى المحكمة، عدم كفاية الأدلة فيما يتعلق بالرئيس الكيني.

وهو اعتراف يدعو للتساؤل الفوري: لم طلبت إذا مثوله أمام المحكمة؟!.

هل فعلت ذلك بهدف منحه براءة من الاتهامات الشعبية، التي يصرخ بها دم ضحاياه، وتبرير استمرار حكمه الدكتاتوري..؟!.

أما كينياتا فقد مثل أمام المحكمة، ليس فقط لـ "يمسخرها".. إنما كذلك من أجل إعطاء دروس لبقية دكتاتوريي العالم، في كيفية "مسخرة" هذه المحكمة.

فهو ابتداء رفض مخاطبة المحكمة، تاركا هذه المهمة لمحاميه "ستيفن كاي" الذي أبلغ المحكمة أن موكله "لن يتوجه إلى القضاة"، قائلا: "سأجيب على الأسئلة باسمه، اختار عدم التحدث".

فيما كشفت المدعية العامة بدورها أنه:

أولا: تم ترهيب الشهود، فانسحب سبعة منهم.

ثانيا: أن نيروبي لا تتعاون في التحقيق حيث أنها ترفض تسليم حسابات مصرفية أو لائحة أرقام هاتفية من شأنها إثبات مسؤولية كينياتا عن الجرائم التي ارتكبت.

ثالثا: سمح للمتهم بعرض مسرحية من مسرحيات الدكتاتوريين، حيث اكتظت قاعة المحكمة، بأنصار الدكتاتور يهتفون ببراءته.

وما دام الدكتاتور احتاط لإجراءات المحكمة، وأفسد قدرتها على إدانته مسبقا، فها هي المحكمة تقرر إثبات قدرتها على الفعل بطلب المدعية العامة معاقبة الشعب الكيني، أي معاقبة الضحية، بطلب فرض عقوبات على كينيا.

فيما يأبى الإتحاد الإفريقي أن لا يلعب دورا هو الآخر في هذه المهزلة، فهو يطلب "سحب التهم الموجهة إلى كينياتا" ويتهم المحكمة بملاحقة الأفارقة فقط"، متجاهلا أن إفريقيا هي أهم معاقل الدكتاتورية في العالم حتى الآن.

وكانت القمة الإفريقية الطارئة الأخيرة دعت محكمة الجنايات الدولية إلى إرجاء ملاحقاتها بحق مسؤولين أفارقة خلال ممارستهم مهامهم، وذلك بموجب المادة 16 من إعلان روما التي تمنح مجلس الأمن الدولي تعليق أي تحقيق أو ملاحقة لمدة سنة قابلة للتجديد سنويا بصورة تلقائية، لأي مسؤول أو رئيس دولة خشية عدم تمكنه من ممارسة صلاحياته الدستورية في بلده.

وسبق لوزير خارجية إثيوبيا أن أعرب عن الأسف لمواصلة المحكمة الدولية العمل "غير آبهة تماما بالانشغالات التي عبرنا عنها".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com