تركيا تكابر رغم فشل سياساتها في الشرق الأوسط
تركيا تكابر رغم فشل سياساتها في الشرق الأوسطتركيا تكابر رغم فشل سياساتها في الشرق الأوسط

تركيا تكابر رغم فشل سياساتها في الشرق الأوسط

أنقرة - لا يبدي رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أي أسف عن سياسة خارجية تسببت في عزلة بلاده بل يشعر بالإحباط لرفض الغرب الاستماع لنصائحه في سوريا والعراق وما زال غير مستوعب لانهيار جماعة الاخوان المسلمين.

ويخبو حلم داود أوغلو بشرق أوسط يحكمه الإسلام السياسي تكون جماعة الاخوان وتركيا في قلبه فيما تهدد الفوضى في سوريا والعراق حدود بلاده ولا تزال علاقاتها الدبلوماسية مع مصر أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان سيئة.

ويبدو أن رهان تركيا على السقوط السريع للرئيس السوري بشار الأسد ودعمها الصريح للرئيس المصري المعزول محمد مرسي لا يعدو كونه حسابات خاطئة تعرقل تطلعها لأن تكون قوة عظمى على المستوى الإقليمي.

فالأسد لا يزال في السلطة كما تجازف الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية بدعمه دون قصد. أما دعم أنقرة المستمر للإخوان فقد وسّع من هوة الخلاف مع دول عربية خليجية.

لكن داود أوغلو الذي ظل لسنوات يضع السياسة الخارجية لتركيا أولا بصفته مستشارا للحكومة ثم وزيرا للخارجية لم يظهر أي بادرة على تغيير المسار منذ أن تولى رئاسة الحكومة قبل أكثر من شهر.

بل إنه يلقي ببعض اللوم في صعود الدولة الإسلامية على قصر نظر المجتمع الدولي ويرفض المزاعم بأن فشل تركيا في السيطرة على حدودها لعب دورا رئيسيا.

وقال في اجتماع للمنتدى الاقتصادي العالمي في اسطنبول هذا الأسبوع "هز الزلزال العالم الغربي والولايات المتحدة للتو وهم يتخذون الآن الإجراءات الاحترازية. ظللنا نحذر العالم منذ سنوات."

وأضاف في إشارة إلى خطر الدولة الإسلامية "تدفع تركيا والمنطقة الثمن ويقدم الآخرون المواعظ بشأن ما ينبغي علينا فعله. هذا ليس عدلا وغير مقبول."

في غمار كل هذا جاء قرار أنقرة دعم الاخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى أثناء احتجاجات الربيع العربي المطالبة بالديمقراطية ليضعها على طرف نقيض مع قوى راسخة أثبتت أنها أكثر مرونة مما توقعه صانعو السياسة الأتراك.

وفي حين رأى داود أوغلو في انتخاب مرسي فجرا لعصر جديد تمحى فيه الهياكل القومية العربية القديمة فإن دولا كالسعودية رأت في جماعة الإخوان تهديدا لوجودها وبدأت في قمع نشاطاتها.

وحتى السلطات القطرية الحليفة التقليدية لأنقرة بدعمها لجماعة الإخوان رضخت للضغوط الإقليمية التي تطالبها بوقف دعم الإسلاميين وطردت سبعة من كبار قيادات الإخوان هذا الشهر.

وسارعت تركيا بعرض أن تكون ملاذا لهم.

وقال آرون شتاين الزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن "لا أرى سبيلا -في ظل هذا المناخ- يمكن من خلاله أن يكون لتركيا علاقات وثيقة مع قوى كبرى في المنطقة باستثناء قطر.

"يرسم هذا صورة لتركيا منعزلة بشدة دون بادرة على تغيير وشيك للمسار. إنهم يزيدون الرهان."

* "فكر استشراقي"

خضعت علاقات تركيا مع حلفائها الغربيين الذين يرون فيها شريكا مهما وحصنا لحلف شمال الأطلسي من جهة الجنوب الشرقي للاختبار بعد تردد أنقرة حتى الان في لعب دور رئيسي في تحالف عسكري تقوده الولايات المتحدة ضد الدولة الاسلامية.

ومن المقرر أن يوافق البرلمان التركي هذا الأسبوع على تفويض بعمل عسكري عبر الحدود في العراق وسوريا. لكن أنقرة ما زالت مترددة خشية أن تسفر الضربات الجوية وحدها عن تفاقم انعدام الاستقرار على أعتابها.

وتكافح تركيا بالفعل لاستيعاب نحو 1.5 مليون لاجئ من الحرب الأهلية السورية كما سقطت قذائف مورتر طائشة مرارا في أراضيها مما دفع أنقرة إلى تعزيز المواقع العسكرية على طول الحدود.

ويعبّر مسؤولون أتراك منذ وقت طويل عن خيبة أملهم فيما يعتبرونه تجاهلا للغرب لتحذيراتهم من أن استمرار الأسد في السلطة والسياسات الطائفية لرئيس الوزراء العراقي الشيعي السابق نوري المالكي تجعل الاستقرار الاقليمي في خطر وتنثر بذور الفكر الأصولي السني.لكن تركيا أساءت قياس مدى استعداد المجتمع الدولي للتدخل.

وعندما كان الرئيس التركي رجب طيب أرودغان رئيسا للوزراء زار البيت الأبيض في مايو ايار 2013 وعقد العزم على دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما للتدخل عسكريا بشكل يضعف الأسد إلى الحد الذي يجبره على ترك السلطة.

وأشار المسؤولون الأتراك إلى حملة القصف الجوي التي شنّها حلف شمال الاطلسي طوال 11 أسبوعا على صربيا عام 1999 خلال حرب كوسوفو.

وقال داود أوغلو يوم الاثنين "دعمت الولايات المتحدة وأوروبا رياح التغيير في البلقان وكنا متأكدين من أنهم سيدعمون رياح التغيير في الشرق الأوسط.

"سأكون صريحا للغاية.. هناك فكر استشراقي. في العالم الخارجي يقولون: إنهم مسلمون وهم يحتاجون بالفعل إلى زعيم مستبد ولا تسير الأمور على أي نحو آخر. في هذا شكل من أشكال العنصرية المستترة."

واستعرض داود أوغلو ركائز سياساته في كتابه "العمق الاستراتيجي" الصادر عام 2001. وبتركيزه على تصالح تركيا مع ماضيها وإحياء العلاقات الإقليمية المهملة منذ فترة طويلة وصف البعض فكر داود أوغلو بأنه "عثمانية جديدة" وهو اتهام يرفضه بشدة.

وبعدما أصبح وزيرا للخارجية التركية في 2009 تكثفت جهوده لرأب الصدوع في إطار سياسة نالت الثناء حينها وقامت على أساس "لا مشاكل مع الجيران" لكن انتفاضات الربيع العربي والحرب في العراق وسوريا جعلت هذه الجهود تذوي وأسفرت عن انتقادات بأن تركيا السنية لها أجندة طائفية.

"عزلة جديرة بالاحترام"

يقول سابان كارداس الأستاذ في العلاقات الدولية بجامعة الاقتصاد والتكنولوجيا في أنقرة : إن دعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين بصفتها حركة شعبية ورغم الضرر الذي يلحقه هذا الدعم بالعلاقات الإقليمية يأتي في إطار سياسة خارجية "أخلاقية" أصبحت علامة مميزة لداود أوغلو.

وقال كارداس "من غير المرجح أن تغير تركيا موقفها القائم على المباديء تجاه الإخوان المسلمين قريبا. لذا فإن نفس الآليات (المتوترة) قد تستمر لفترة."

وقال إبراهيم كالين وهو من كبار مستشاري أردوغان العام الماضي إنه إذا انفردت تركيا بموقفها في الشرق الأوسط فإنها ستكون "عزلة جديرة بالاحترام" ورغبة في الالتزام بقيمها ومبادئها حتى اذا رفض حلفاؤها.

لكن بهلول اوزكان الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة مرمرة باسطنبول والذي تتلمذ على يد داود أوغلو يختلف مع هذا الرأي. ويرى أوزكان أنه بعيدا عن المباديء تهدف استراتيجية رئيس الوزراء إلى تصدير النموذج التركي للإسلام السياسي وتعزيز التضامن السني لتوسيع نفوذ تركيا.

وكتب اوزكان في عدد شهر يوليو تموز من دورية سرفايفال الصادرة عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية يقول "لا تنطوي العزلة على أي نبل وبدلا من الدفاع عن حقوق الإنسان أو الحريات الفردية تطبق تركيا سياسة خارجية توسعية لأسباب أيديولوجية."

وأيا كان الدافع فإنها استراتيجية يعتزم داود أوغلو الاستمرار فيها على ما يبدو.

وقبل أربع سنوات قال داود اوغلو في ثقة إنه "لا تسقط ورقة شجر في الشرق الأوسط دون علمنا" في إشارة إلى نفوذ تركيا المتنامي في المنطقة لكن هذا قد يبدو الآن كبرياء ما قبل السقوط. ومع ذلك يظل موقف داود أوغلو ثابتا.

وقال رئيس الوزراء التركي في اجتماع اسطنبول هذا الأسبوع "هناك دول لديها رؤية للمنطقة التي تعيش فيها وللعالم. ستكون (تلك الدول) النجوم الصاعدة.

"وهناك دول تملك القدرة على الحكم لكنها تفتقر إلى الرؤية. ستبقى كما هي وستتراجع في الوقت المناسب .. تركيا من الفئة الأولى."

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com