بعد فشل الرهان على ترامب.. ما خيارات السياسة الخارجية الروسية؟
بعد فشل الرهان على ترامب.. ما خيارات السياسة الخارجية الروسية؟بعد فشل الرهان على ترامب.. ما خيارات السياسة الخارجية الروسية؟

بعد فشل الرهان على ترامب.. ما خيارات السياسة الخارجية الروسية؟

ظلت روسيا لفترة طويلة تعتبر دونالد ترامب الورقة الرابحة في استراتيجيتها لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.

إلا أن موسكو أصبحت توشك على اعتباره جذوة انطفأت نارها بعد مرور 14 شهرًا على توليه منصب الرئيس الأمريكي وذلك لعجزه عن تحقيق ما وعد به من تحسين العلاقات.

وكان ترامب قد اعتمد -على مضضٍ- عقوبات جديدة على موسكو في الصيف الماضي بسبب اتهامات عن تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية العام 2016. وفي الأسبوع الماضي أيَّد طرد 60 دبلوماسيًا روسيًا، وإغلاق القنصلية الروسية في سياتل بسبب تسميم جاسوس روسي سابق في بريطانيا.

وبعد الرهان على ترامب هوت العلاقات بين روسيا والغرب إلى أدنى مستوياتها، حتى أن الحديث بدأ يتردد عن حرب باردة جديدة. وأصبحت الخيارات أمام الرئيس فلاديمير بوتين لتغيير استراتيجيته، والاعتماد بدرجة أقل على ترامب، وقدرته على التأثير في آراء من حوله إزاء روسيا، محدودة للغاية وهو يستعد لبدء فترة ولاية جديدة.

بدائل

ومن هذه الخيارات القليلة موضع الاستكشاف محاولة توسيع الانقسامات في صفوف الغرب باستمالة فرنسا، وألمانيا، أو التقارب مع الصين والهند، غير أن موسكو لا تزال ترى العلاقة مع واشنطن محورية للسياسة الخارجية الروسية.

وقال سيرجي نارشكين رئيس المخابرات الخارجية الروسية يوم الأربعاء:"إن واشنطن أصبحت تركز فقط على محاربة خطر روسي مزعوم لا وجود له".

وأضاف:"وبلغ ذلك أبعادًا، واكتسب خواص منافية للعقل، حتى أصبح من الممكن الحديث عن عودة أيام الحرب الباردة السوداء".

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع قال سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي إن الوضع الحالي أسوأ منه خلال الحرب الباردة بين الشرق والغرب بعد الحرب العالمية الثانية.

وأضاف:"آنذاك تم الحفاظ على بعض القواعد والمظاهر، أما الآن فشركاؤنا الغربيون كما أرى الأمر ... ضربوا بكل الأصول عرض الحائط".

وشهدت الحرب الباردة وقوف الاتحاد السوفييتي في مواجهة الولايات المتحدة، وظل شبح الحرب النووية مخيمًا على العالم حتى انهيار الاتحاد السوفييتي العام 1991

لكن تلك المواجهة ظلت محكومة بمعاهدات الحد من التسلح والقمم بين قادة القوتين العظميين، وقواعد الاشتباك غير الرسمية.

أما المواجهة الجديدة التي يصعب التنبؤ بتحولاتها، فقد شبهها كونستانتين كوساتشيف رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي بأنها "حرب بلا قواعد".

ويقول كوساتشيف إن خطر حدوث خطأ في الاتصالات، أو الحسابات، أو تصاعد الموقف فجأة إلى حرب ساخنة أكبر مما كان عليه خلال الحرب الباردة الأصلية.

موسكو مستاءة من واشنطن

يقول محللون وأفراد على صلة وثيقة بأصحاب القرار في روسيا إن قرار ترامب تعيين مايك بومبيو وجون بولتون، اللذين تعتبرهما موسكو من أكثر الصقور تشددًا تجاه روسيا، في منصبين رفيعين في رسم السياسة الخارجية الشهر الماضي أثار الاستياء في موسكو.

وتقول هذه المصادر إنه فيما يتعلق بالولايات المتحدة فإن موسكو غير مستعدة لتغيير مسارها، أو تقديم تنازلات، أو إطلاق مبادرات جديدة.

ويقول المقربون من أصحاب القرار إن روسيا ستستمر في التواصل إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لذلك، لكنها سترد بالمثل إذا واجهت المزيد من التصرفات العدائية، مثل طرد المزيد من الدبلوماسيين.

وقال أندريه كورتونوف الذي يرأس مركز أبحاث تربطه صلة وثيقة بوزارة الخارجية الروسية:"كل ما بوسعنا أن نفعله هو إبقاء الأبواب مفتوحة أمام التفاوض والتريث لنرى ما سيحدث، وهذه هي وجهة النظر السائدة".

وبصفة خاصة تبقي موسكو الباب مفتوحًا أمام قمة محتملة بين ترامب وبوتين كان ترامب قد اقترحها، كما أنها تحرص على إجراء محادثات أمريكية - روسية حول تحقيق الاستقرار الاستراتيجي النووي لتفادي سباق تسلح باهظ الكلفة.

لكن أسوأ السيناريوهات يتمثل في سقوط العلاقات في دوامة لا قرار لها.

وقال فيودور لوكيانوف خبير السياسة الخارجية المقرب من الكرملين في صحيفة "روسيسكايا جازيتا" بعد قرارات طرد الدبلوماسيين الأمريكيين الأسبوع الماضي:"واشنطن هي من يرفع لواء حرب باردة جديدة".

وأضاف لوكيانوف الذي نبه النخبة الروسية إلى ضرورة التأهب لعقوبات مالية شاملة على غرار العقوبات على إيران:"لا طائل من وراء الأمل في تحسّن العلاقات، أو حدوث أي تقدم في أي مجال في المستقبل المنظور".

المحور الألماني الفرنسي

قال كورتونوف إنه رغم أن تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة يعتبر احتمالًا بعيدًا، فإن تحسين العلاقات مع فرنسا، وألمانيا، يعتبر محققًا "لفرص أهم للاستثمار السياسي".

وقد أشاد ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين "بالموقف البنّاء" الذي اتّخذته فرنسا بعد أن أكدت باريس أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزور روسيا في أيار/ مايو رغم التوترات.

وأثنى أليكسي بوشكوف عضو مجلس الاتحاد المتخصص في السياسة الخارجية بقرار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعم خط أنابيب الغاز الروسي المقترح نورد ستريم 2.

وسيربط هذا الخط بين ألمانيا وروسيا رغم المخاوف من دول أخرى من أعضاء الاتحاد الأوروبي تخشى أن يضر بأمن الطاقة في الاتحاد.

وقال لوكيانوف إن على موسكو إن تعمد إلى تدعيم علاقاتها مع بكين ودلهي، لأن لهما "حرية المناورة" على المسرح العالمي، وليستا عرضة للتأثر بالضغوط الغربية على روسيا.

وتعتقد موسكو أن الورقة الرابحة الوحيدة التي تملكها إزاء واشنطن هي ترامب الذي بدا في عيون الروس أنه يمارس لعبة تقسيم الأدوار، فيطلق لروسيا بصيصًا من الأمل في الوقت الذي يتشدد فيه الكونغرس وإدارته مع موسكو.

وترى روسيا أن ترامب رهينة المؤسسة السياسية الأمريكية التي تتهمها بتقليص المساحة التي يمكنه المناورة فيها بالتركيز على التحقيق الخاص في إمكانية تواطؤ مستشاريه مع موسكو، وما تقول روسيا إنها اتهامات زائفة بشأن تدخلها في السياسة الأمريكية. وقد تكشف شعور روسيا بخيبة الأمل في ترامب على مراحل.

فقد استقبلت موسكو بالاستياء قرار ترامب شن هجوم صاروخي على قاعدة جوية سورية، وإسقاط قنبلة ضخمة في أفغانستان في هجوم على متشددين إسلاميين، والتمسك بسياسات ترجع إلى عهد الرئيس باراك أوباما بسبب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا، وتشدد التصريحات حتى وقت قريب فيما يتعلق بكوريا الشمالية.

خيبة وخلافات تتصاعد

وبدأت الفرحة الأولية بفوزه في الانتخابات تتبدد ليحل محلها شعور الحيرة حين قرر الرجل الذي يأمل الروس أن يضع نهاية للعقوبات الأمريكية إعادة فرض العقوبات مرغمًا.

وكان قراره تأييد طرد 60 دبلوماسيًا روسيًا بسبب قضية تسميم الجاسوس الروسي نقطة متدنية جديدة.

وقال ديمتري ترينين الضابط السابق برتبة كولونيل في الجيش الروسي، ومدير مركز كارنيجي موسكو عن هذا القرار:"على نحو متزايد تقل أهمية الدبلوماسية في العلاقات بين روسيا، والولايات المتحدة".

وأضاف:"يبدو أن الوقت هو وقت الضرب، والرد، والإعداد لمعركة".

واعتبرت صحيفة إلكترونية روسية تعد مقربة من إدارة الرئاسة الروسية موافقة ترامب على قرارات الطرد فألا سيئًا لعلاقته مع بوتين.

وقالت الصحيفة فزجلياد:"إذا لم تكن 14 شهرًا بعد تولّي ترامب منصبه قد أتاحت له حرية المناورة فمن الصعب للغاية التعويل على حصوله عليها فيما تبقى من فترته الرئاسية".

وقد تلقت موسكو بصيصًا من الأمل من مكالمة ترامب الهاتفية التي هنأ فيها بوتين بإعادة انتخابه، وما ردَّده عن قمة بين الجانبين في المكالمة ذاتها، وبيانه الذي صدر يوم الثلاثاء والذي قال فيه إنه سيكون "شيئًا عظيمًا" إذا ربطته "علاقة جيدة جدًا" ببوتين.

وقال كورتونوف:"من الناحية النظرية يمكن للمرء أن يتخيل أنه إذا استطاع الرئيس ترامب بطريقة ما أن يخلص نفسه من مزاعم التواطؤ مع روسيا ... فربما يخرج من القفص، ويمارس القليل من الحكم الذاتي في إعادة بناء تلك العلاقة". وأضاف:"لكن هذه الآمال في غاية الضآلة".

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com