قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف بلدة "كفرشوبا" جنوبي لبنان
لم يشكّل فوز اليمين المتطرف في انتخابات إقليمية جرت في ولايتي تورينغن وسكسونيا، الواقعتين شرق ألمانيا، مفاجأة للخبراء والمراقبين، في ضوء حالة الاستقطاب السياسي الحاد التي تعيشها البلاد على وقع التباينات حيال قضايا عدة على رأسها ملف "الهجرة واللجوء".
ورغم أن فوز "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف جاء متوقعا وخصوصا أن الانتخابات أعقبت حادثة دموية راح ضحيتها ثلاثة أشخاص طعنا على يد شاب سوري ينتمي لداعش، في مدينة زولينغن، غرب ألمانيا، غير أن ذلك لا ينزع عنها صفة "الزلزال السياسي"، بحسب خبراء، ولا يلغي "المخاوف والقلق" حيال مستقبل بلاد يميزها التعدد والتنوع، فضلا عن قيم التسامح والتعايش والديمقراطية.
وما يجعل من هذا الفوز "زلزالا" بالمعنى السياسي هو أن ثمة ارتدادات منتظرة قد تتجلى في الانتخابات العامة في ألمانيا بعد نحو سنة من الآن.
وتصدر حزب "البديل" النتائج في تورينغن إحدى أصغر المقاطعات في البلاد حاصدا 33,1 بالمئة من الأصوات، وتقدّم على حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ (حزب المستشارة السابقة أنجيلا ميركل) الذي نال 24,3 بالمئة من الأصوات.
وفي ساكسونيا، تقدّم حزب "الاتحاد الديموقراطي المسيحي" بفارق بسيط؛ إذ نال 31,7 بالمئة من الأصوات، وحل حزب "البديل من أجل ألمانيا" ثانيا (31,4 بالمئة) بنتيجة متقاربة.
ومن المرجح أن تتكرر هذه النتائج أو ما يقاربها في انتخابات ولاية براندنبيرغ، شرق ألمانيا، بعد نحو أسبوعين.
ويشكل فوز حزب "البديل من أجل ألمانيا" في تورينغن سابقة في البلاد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، حتى لو كان من غير المرجح أن يتولى السلطة الإقليمية مع رفض كل الأحزاب الأخرى عقد أي تحالف معه.
يشار إلى أن تورينغن كانت أول مقاطعة فاز فيها النازيون عام 1932.
ولقي حزب "البديل من أجل ألمانيا" قبولا شعبيا في المقاطعتين الواقعتين في شرق البلاد بخطاباته المناهضة للهجرة، ومن خلال الدعوة إلى وضع حد لشحنات الأسلحة التي ترسلها برلين إلى كييف، وهو موقف يحظى بشعبية واسعة في هذه المناطق من جمهورية ألمانيا الديموقراطية التي كانت موالية للاتحاد السوفييتي السابق، قبل انهيار هذا الأخير، وتوحيد شطري ألمانيا، مطلع تسعينيات القرن الماضي.
علاوة على ذلك، سعى زعماء حزب "البديل من أجل ألمانيا" إلى استغلال الغضب والصدمة التي أحدثها هجوم زولينغن، والذي جاء بمثابة "دعم" لحملته الانتخابية.
وللمفارقة، أظهرت النتائج تعرض الائتلاف الحاكم أي الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" بزعامة المستشار أولاف شولتس، وحزب "الخضر" والحزب "الديمقراطي الحر" (ليبيراليون) لنكسة كبيرة قبل عام من الانتخابات التشريعية العامة التي ستُجرى خريف 2025، وهو ما يعني أن احتمال عودة الائتلاف إلى تشكيل الحكومة المقبلة مستبعد تماما.
ودفعت النتائج المستشار أولاف شولتس الاثنين إلى المطالبة باستبعاد اليمين المتطرف من أي ائتلافات حكومية وبناء "جدار حماية" ضده.
واعتبر شولتس أن "حزب البديل يلحق الضرر بألمانيا. إنه يضعف الاقتصاد ويقسم المجتمع ويدمر سمعة بلادنا".
وهذه النتيجة المدوية لم تقتصر على ألمانيا فحسب، بل تكرر صعود أحزاب اليمين في أكثر من بلد أوروبي لتعبر عن مزاج الناخب الأوروبي بشكل عام الذي ضجر من الأحزاب التقليدية وبات يميل إلى النهج الراديكالي في ملفات عدة كالهجرة، مثلا، والسياسات الاقتصادية المتعثرة.
وقد أظهرت انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في حزيران/يونيو الفائت خريطة صعود اليمين، فإلى جانب حزب البديل الألماني، الذي حقق نتيجة قياسية في الانتخابات الأوروبية بحصوله على 15,9 بالمئة من الأصوات، ارتفع في فرنسا رصيد اليمين المتطرف، بعد أن نال "التجمع الوطني" بقيادة مارين لوبان نسبة عالية من الأصوات، وفاز حزب إخوة إيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني بالانتخابات في إيطاليا، وضاعف حزب الحرية النمساوي عدد نوابه في البرلمان الأوروبي.
ومن المعروف أن كل هذه الأحزاب تتبنى خطابًا قوميًا متطرفًا ومعاديًا للمهاجرين والأقليات، مما يثير مخاوف جدية بشأن مستقبل الديمقراطية والتعددية في أوروبا.
ويرى خبراء أن صعود اليمين، على هذا النحو المتسارع، يهدد مستقبل الاتحاد الأوروبي، خصوصا أن أيديولوجية هذه الأحزاب تعارض فكرة التكامل الأوروبي، وترغب في الانسحاب من الاتحاد أو تقليص صلاحياته، بل وتفكيك الاتحاد بأكمله.
ويضيف الخبراء أن صعود حزب البديل وأمثاله في دول أوروبية، يكشف أن ما يعتبر من التابوهات والمحظورات حتى وقت قريب، أصبح خطابا مقبولا ومتاحا في الحملات الانتخابية، فلم يعد الجهر بالعداء للمهاجرين ومحاربة الإسلام مثلا من المحرمات، كما أن الهجوم على لون وثقافة ومعتقدات جزء من مكون النسيج المجتمعي الأوروبي، أصبح أمرا قابلا للنقاش.
وما يثير القلق حيال هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة، هو أن صعودها لم يعد مجرد انفعال آني حيال هذا الحدث أو ذاك، بل أصبحت أفكاره وطروحاته مقبولة لدى الجيل الشاب.
تأسس حزب البديل من أجل ألمانيا في 2013 كمجموعة مناهضة للمشروع الأوروبي قبل أن يتحول إلى حزب معادٍ للهجرة بعد أزمة الهجرة في 2015 وجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية التي فاقمت تكاليف المعيشة ورفعت الأسعار.
يطرح حزب الديل في أدبياته أن "أغلبية السكان الأوروبيين البيض، قد أصبحوا معرضين للخطر بسبب تنامي قدوم المهاجرين من المسلمين وأصحاب البشرة السمراء إلى القارة.
ونظرية المؤامرة القائمة في هذا الطرح تفيد، وفقا لسياسة الحزب، أن الدول والشركات تشجع على إنقاص أعداد الأوروبيين البيض من خلال رفع معدلات الهجرة لمجرد الحفاظ على مصالح الرأسمالية العالمية، بمعنى أن اللاجئين القادمين هم في النهاية سيكونون عمالا في المصانع والمعامل التي تحتاج للأيدي العاملة.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث في عام 2023 أن نسبة كبيرة من الأوروبيين يعتقدون أن الهجرة تشكل تهديدًا لهويتهم الوطنية.
وتبعا لذلك، يطالب حزب البديل بتقييد الهجرة وعدم السماح بعمليات لم الشمل العائلي للمهاجرين الموجودين في ألمانيا والعمل على ترحيل المهاجرين الذين لم يستوفوا الشروط أو الذين ارتكبوا جرائم.
ويطالب الحزب كذلك بمنع ارتداء الحجاب في المدارس العامة والجامعات، وحظر النقاب كلياً في الأماكن العامة، ومنع المآذن وصوت الأذان، ومنع تدريس الإسلام في المؤسسات الحكومية. كما يتبنى برنامج الحزب نزع الجنسية الألمانية من المجرمين من أصول أجنبية.
وفي الملف الروسي الذي بات يحتل أولوية في أروقة مؤسسات الاتحاد الأوروبي، يطالب الحزب برفع العقوبات عن روسيا، وتعميق التعاون الاقتصادي معها، وقف دعم كييف بالأسلحة والدخول في مفاوضات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويشكل صعود تيار اليمين المتطرف تهديداً للنظام السياسي الديمقراطي في ألمانيا، نظراً لميول اليمين إلى التخندق خلف الدولة القومية والتوجه إلى الانغلاق مع العالم، وتشديد الإجراءات ضد اللاجئين والمهاجرين، فضلا عن مخاطر لها علاقة بالنظام الديمقراطي والحريات.
وقد حذرت وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية من أن التطرف اليميني يشكل أكبر تهديد للديمقراطية في البلاد.
ومثل هذه المخاوف تثار حاليا في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وفي الفضاء العام في انتظار الانتخابات التشريعية المقبلة في خريف 2025 والتي قد يحقق فيها حزب "البديل" انتصارا ساحقا، تغير بشكل جذري، الوجه السياسي المعتدل لألمانيا.