"ما بعد الحرب".. إعادة تخيل النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط الجديد
"ما بعد الحرب".. إعادة تخيل النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط الجديد"ما بعد الحرب".. إعادة تخيل النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط الجديد

"ما بعد الحرب".. إعادة تخيل النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط الجديد

واشنطن- يتزايد الحديث على الساحة السياسية الدولية مؤخراً عن تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط بعد فشل الحروب التي شنتها القوات الأمريكية ضد العراق وأفغانستان على مدار العقد الماضي، وما تكبدته الخزانة الأمريكية من مليارات في كلا الحربين أدى إلى عجز الموازنة الأمريكية.

وفى هذا الإطار، يأتي كتاب "ما بعد الحرب: إعادة تخيل النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط الجديد"، لــ ديفيد رود كأول كتاب يدعو بشكل أساسي إلى إعادة صياغة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ليكشف كيف بددت واشنطن مليارات الدولارات مع المتعاقدين معها في العراق وأفغانستان متناسية حلفائها الحقيقيين في الحرب على الإرهاب، مشيراً إلى فشل القوات الأمريكية في استخدام الأسلحة غير العسكرية "القوة الناعمة".

وتجدر الإشارة إلى أن ديفيد رود أعد هذا الكتاب بعد خبرة 10 سنوات من العمل كمراسل في صحيفة نيويورك تايمز ورويترز، كما حصل على جائزة بوليتزر مرتين في الصحافة.

وتقوم الأطروحة الأساسية للكتاب على دعوة الإدارة الأمريكية لاعتماد السياسة الخارجية على الأدوات المدنية، وأن مساعدة أصحاب المشاريع من المسلمين ربما يكون ذات قيمة كبيرة.

الإستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الشرق الأوسط

وهنا قسم الكاتب تقييمه لسياسات واشنطن إلى مرحلتين:

المرحلة الأولى: ما بعد 11 سبتمبر

اهتم الكتاب بالسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وخاصة ما بعد 11 سبتمبر، ويكشف رود الفشل المنهجي للسياسة الأمريكية في أفغانستان والعراق وباكستان مما أدى إلى تدهور العلاقات الأمريكية مع دول منطقة الشرق الأوسط.

وينتقد سياسة الاعتماد بدرجة كبيرة على توظيف المتعاقدين العسكريين للقيام بأنشطة ينبغي أن يضطلع بها الجيش والاستخبارات والأذرع الدبلوماسية للإدارة الأمريكية التي أصبحت تعتمد عليها بسبب انخفاض التمويل وصعوبة الاستجابة للاحتياجات المحددة المطروحة جراء ممارسات التوظيف الغامضة التي تتبعها الحكومة حالياً.

وينتقد رود سياسة الإدارة الأمريكية بين عامي 2001-2010، فبينما خفض الكونغرس موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بنسبة 30%، فإنه في نفس الفترة ضاعف ميزانية الوكالة، وكانت النتيجة أن أصبحت السياسة الخارجية من قبل متعاقد، وفجأة تطلب الأمر إنفاق الكثير لجلب الديمقراطية والازدهار في أفغانستان والعراق، ما يعني أنه بدلاً من الاعتماد على موظفين فيدراليين تم اللجوء إلى المتعاقدين لإنجاز مهام السياسة الخارجية الأمريكية، وهو أمر يستنكره الكاتب، موضحاً كيف أن الاعتماد على الشركات الخاصة والمتعاقدين فاقم العجز الأمريكي في ممارسة النفوذ، ومضيفاً أنه ينبغي على واشنطن وقف المساعدات، وذكر أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية كانت تنفق 340 مليون دولا شهرياً في أفغانستان.

وكشف رود التناقض العميق بين تجربة واشنطن الطويلة في خفض الأدوات المدنية للقوة الأمريكية، ومحاولتها ما بعد 11 سبتمبر لاستخدام نفس تلك الأدوات لإعادة تشكيل الشرق الأوسط الكبير. ووجه نقداً للمؤسسات الأمريكية في الخارج، فبالرغم من أنه ضد الحرب إلا أنه يدعم اللجوء إلى القوة الناعمة، وشن حملة مالية ودبلوماسية لكسب تأييد الشرق الأوسط.

المرحلة الثانية: ما بعد الربيع العربي

استعرض رود خلال هذه المرحلة النتائج التي توصل إليها في استقصاءات ما بعد الربيع العربي، ووجد أن هناك رغبة كبيرة في الحصول على التكنولوجيا الأمريكية والتجارة والتعليم.

ويوضح كيف فشلت الجهود الأمريكية في دعم المسلمين المعتدلين منذ أحداث 11 سبتمبر، مشيراً إلى أن الإسلاميين المعتدلين فقط وليس الأمريكيين هم من لديهم القدرة على القضاء على التشدد.

وهاجم رود إستراتيجية إدارة أوباما خلال العالم الماضي في سوريا، ووصفها بـ"الفاشلة"، وطالب ببذل الجهود لتسليح المعارضين ضد نظام بشار الأسد، واستغلال الفرص الإستراتيجية لإضعاف إيران وحزب الله، كما هاجم سياسة الإدارة الأمريكية في التعامل مع هجمات بنغازي على القنصلية الأمريكية هناك، ومقتل السفير الأمريكي هناك وعدد من المواطنين الأمريكيين.

ويرى رود أن أقوى سلاح طويل الأمد يمكن استخدامه ضد الجهاديين هو العرب المعتدلين وجنوب آسيا وليس الجنود الأمريكيين.

ويشدد على ضرورة تعزيز واشنطن لعلاقاتها مع تلك الجماعات، الذين هم الحلفاء الحقيقيين في المنطقة، على حد قوله.

وذكر أن إدارة أوباما بالفعل تتجه في هذا المسار، بسبب تعزيز علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين خلال فترة حكمهم لمصر.

مخاطر صعود الدور التركي في المنطقة على حساب الأمريكي

حذر رود من مخاطر تأثير الثقافة التركية والاقتصاد التركي على العالم العربي، مشيراً إلى أنه عندما يتعلق الأمر بدفع الديمقراطية والرخاء في الشرق الأوسط ربما يكون لتركيا بقيادة رجب طيب أردوغان مصداقية كبيرة أكثر من تلك التي تتمتع بها الولايات المتحدة في المنطقة ذاتها، ما يعني أن أي تغيير في ديناميات الشرق الأوسط لن يأتي إلا من داخله، ولن يكون للولايات المتحدة دور كبير في تحديد ملامحه، بسبب الغياب الكبير للدبلوماسية الأمريكية، وانعدام مصداقيتها لدى شعوب المنطقة.

وقدم رود في نهاية كتابه عدد من التوصيات، تتمثل فيما يلي:

أولا: ضرورة دعم الجماعات المعتدلة، التي تشارك الولايات المتحدة في الاستثمار في الأعمال التجارية والبرامج الإبداعية، والامتناع عن غزو أي بلد مسلم في جميع أنحاء العالم.

ثانيا: دعوة الولايات المتحدة إلى تقليص طموحاتها العسكرية، والتركيز على دعم المعتدلين والجيل الصاعد من العرب والمسلمين، والاستجابة لاحتياجات المعتدلين في المنطقة، ودعم التعليم والاستثمارات الخاصة، ومشاريع القطاعين العام والخاص القائمة على الابتكار.

ثالثاً: تقديم دعم اقتصادي أكثر من الجهود العسكرية، متوقعاً أن تحقق تلك الإستراتيجية مكاسب أكثر مما نتج عن غزو العراق وأفغانستان.

رابعا: زيادة الحضور الأمريكي في المنطقة، سواء من خلال الدبلوماسية أو غيرها لدعم الديمقراطية والاستقرار في المنطقة، بسبب تراجع الثقة في الولايات المتحدة، ورغبة بعض الأمريكيين أن تنفذ خطة مارشال الثانية في المنطقة لمكافحة الفقر وحكامها الطغاة، على الرغم من نقص التمويل والشرعية الأمريكية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com