صحف عالمية: مخاوف من أزمة عالمية جديدة.. وهل ستوجه الصين "صفعة" لأمريكا في أوكرانيا؟
ناقشت صحف عالمية صادرة اليوم الثلاثاء، ما اعتبرته "خطوة صينية جديدة" ربما تساهم في تحقيق السلام بأوكرانيا، وذلك بعد تقارير أفادت بأن الزعيم الصيني يعتزم محادثة نظيره الأوكراني للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، في خطوة قد تعزز من نفوذ بكين على الساحة الدولية، وسط تآكل الدور الأمريكي.
كما تطرقت الصحف للأوضاع الميدانية للحرب الروسية الأوكرانية، وقالت إن طرفي النزاع يستعدان لحملات جديدة خلال الربيع بعد شتاء دامٍ تعرض فيه الجانبان لخسائر فادحة، وسط تقارير تكشف أن المحكمة الجنائية الدولية تستعد لاتخاذ إجراءات حاسمة بحق أشخاص روس مدانين بـ"جرائم حرب" مزعومة.
وعن السيناريو الأكثر تخوفاً في الوقت الحالي، ناقشت الصحف تقارير "قاتمة" تحذر من "أزمة مالية عالمية" جديدة على غرار "أزمة 2008"، بعد انهيار بنكين أمريكيين الأسبوع الماضي.
"صفعة" صينية جديدة لأمريكا في أوكرانيا
بعد تداول أنباء حول اعتزام الرئيس الصيني شي جين بينغ، محادثة نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، تساءلت تقارير أمريكية حول ما إذا كانت بكين ستوجه ما وصفته بـ"صفعة" جديدة للولايات المتحدة بعد توسطها في اتفاق تاريخي لإعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران قبل أيام قليلة.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أوردت، أمس، أن الزعيم الصيني يخطط لمحادثة زيلينسكي على الأرجح بعد زيارة مرتقبة لموسكو الأسبوع المقبل للقاء نظيره الروسي، فلاديمير بوتين. ونقلت عن مصادر مطلعة أن الاجتماعات تعكس جهود بكين للعب دور أكثر فاعلية في التوسط لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وقالت الصحيفة الأمريكية، نقلاً عن مصادر طلبت عدم الكشف عن هويتها، إن شي يخطط أيضاً لزيارة دول أوروبية أخرى كجزء من رحلته إلى روسيا، رغم أن خط سير رحلته الكاملة لم يتم تأكيده بعد.
واعتبرت أن إجراء محادثة مباشرة مع زيلينسكي سيكون بمثابة خطوة مهمة في جهود بكين للعب دور صانع السلام في أوكرانيا، قوبلت حتى الآن بالشكوك في أوروبا، وقالت إن الخطوة ستعزز أيضًا أوراق اعتماد بكين كوسيط قوي عالمي بعد أن سهلت اختراقا دبلوماسيا كبيرا بين الرياض وطهران.

ونددت الصحيفة ضمنياً بنهج الولايات المتحدة تجاه الأزمة الأوكرانية، وقالت إن "الطفرة الدبلوماسية الجديدة" لبكين تعكس قناعة من جانب شي و"الحزب الشيوعي" الحاكم بأن الصين يمكن أن تقدم بديلاً للنموذج الذي تقوده واشنطن للعلاقات الدولية "من خلال الاعتماد على العلاقات التجارية بدلاً من القوة العسكرية للتأثير على قرارات الدول الأخرى".
علاوة على ذلك، رأت الصحيفة أن توسع "النفوذ الدبلوماسي" لبكين قد يوفر لها "نفوذاً محتملاً" ضد ما أدان به الزعيم الصيني الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، عندما صرح "علناً" بأن واشنطن "تقود حملة على غرار الحرب الباردة لاحتواء، وتطويق، وقمع الصين".
وأوضحت الصحيفة أن نشاط شي (69 عاماً) المرتقب سيكون الرحلة الخارجية الأولى له بعد أن حصل على فترة ثالثة غير مسبوقة كرئيس للصين، مشيرة إلى أن ذلك يأتي أيضاً في الوقت الذي يسعى فيه الزعيم الصيني إلى "تلميع مكانته كرجل دولة عالمي والإبحار في المنافسة المتصاعدة مع الولايات المتحدة وحلفائها".
وأبلغت مصادر مطلعة الصحيفة أن نشاط شي الخارجي يهدف جزئيًا إلى الاستفادة من الزخم الناتج عن الصفقة السعودية الإيرانية، الموقعة في بكين، والتي كانت بمثابة نهاية سبع سنوات من القطيعة بين البلدين، وبداية فصل جديد من الدبلوماسية والحوار البناء في المنطقة.
ورأت الصحيفة أن تحقيق اختراق في أوكرانيا سيكون مهمة أكثر صعوبة من الاتفاق السعودي الإيراني، خاصة أن طرفي النزاع يعتقدان أنه لا يزال هناك الكثير مما يجب القيام به في ساحة المعركة، كما لم يظهر أي منهما نية لوقف القتال.
استعدادات روسية أوكرانية لحملة حاسمة
ميدانياً، ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن روسيا وأوكرانيا تستعدان لحملة ربيعية "حاسمة" بعد شتاء دموي تكبد فيه كل طرف خسائر فادحة، خاصة في معركة باخموت بشرق البلاد، وذلك في وقت تستعد فيه المحكمة الجنائية الدولية لاتخاذ خطوات "جريئة" ضد الروس.
وقالت الصحيفة إن كييف تأمل في تحقيق اختراق ملموس مع تدفق الأسلحة الغربية، لكنها رأت أن المعركة حول باخموت قد تستنزف احتياطياتها، وأضافت أن طرفي النزاع تعرضا لخسائر فادحة جراء المعارك الشتوية عبر مختلف الجبهات، مشيرة إلى أنهما يأملان في أن يغير الربيع مسار الحرب.
وتابعت الصحيفة أنه بعد أشهر من الدفاع عن مدينة باخموت الشرقية، يقوم الجيش الأوكراني بتدريب عشرات الآلاف من القوات الجديدة، بما في ذلك في المعسكرات التي تديرها الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيون في الخارج، تمهيداً لهجوم الربيع المزعوم.
وأشارت الصحيفة إلى أن كييف ستتلقى أيضًا تدفقًا كبيرًا من الأسلحة الثقيلة الغربية الصنع، بما في ذلك دبابات قتال رئيسية ومركبات مدرعة ثقيلة، لتجديد المعدات التي فقدتها على مدار عام من الحرب، وذلك على الرغم من تداول تقارير حول عدم قدرة الغرب على تلبية مطالب أوكرانيا.
وقالت "الغارديان" إن أوكرانيا تشعر بضغط متزايد لإظهار النتائج في ساحة المعركة، حيث يدرك القادة الأوكرانيون أن "نجاح أو فشل" هجوم الربيع سيحدد "موقف كييف" في أي مفاوضات قد يفرضها شركاء أوكرانيا الغربيون في نهاية المطاف.

ونقلت عن النائب البريطاني روبرت سيلي، رئيس "المجموعة البرلمانية الأوكرانية"، قوله: "هذا الصيف مهم للغاية بالنسبة للأوكرانيين. إذا لم يتمكنوا من إحراز تقدم بحلول نهايته، فإن الأصوات في الغرب إما أن تدعو إلى تسوية تفاوضية، أو تجادل بأنه لا ينبغي لنا أن ندعم أوكرانيا على الإطلاق".
ويأتي ذلك في وقت أفادت فيه صحيفة "نيويورك تايمز" بأن المحكمة الجنائية الدولية تعتزم فتح قضايا "جرائم الحرب" المزعومة ضد روسيا، حيث تتهم القضايا المعروضة موسكو باختطاف أطفال أوكرانيين واستهداف البنية التحتية المدنية "عمداً".
وأبلغ مسؤولون غربيون الصحيفة الأمريكية أن المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها لاهاي، تعتزم فتح قضيتي جرائم حرب مرتبطتين بالغزو الروسي لأوكرانيا، وأنها ستطلب "أوامر اعتقال بحق عدة أشخاص روس". وتمثل هذه القضايا أول اتهامات دولية يتم رفعها منذ بدء النزاع، وتأتي بعد شهور من العمل من قبل فرق تحقيق خاصة.
وأوضح المسؤولون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، أنه يجب على المدعي العام للمحكمة، كريم خان، أولاً تقديم اتهاماته إلى لجنة من قضاة ما قبل المحاكمة "الذين سيقررون ما إذا كان قد تم الوفاء بالمعايير القانونية لإصدار أوامر الاعتقال، أو ما إذا كان المحققون بحاجة إلى مزيد من الأدلة".
وقالت المصادر إنه من الممكن توجيه الاتهام إلى الزعيم الروسي شخصياً، موضحين أن المحكمة "لا تعترف بالحصانة لرئيس دولة في قضايا تتعلق بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية." ومع ذلك، صرح محللون للصحيفة بأن احتمالية المحاكمة "لا تزال ضئيلة، حيث لا تستطيع المحكمة سماع القضايا غيابيًا، ومن غير المرجح أن تسلم روسيا مسؤوليها".
شبيهة لـ2008.. تحذيرات من "أزمة عالمية" جديدة
على صعيد آخر، سلطت مجلة "نيوزويك" الأمريكية الضوء على القلق الذي يخيم على العالم بعد انهيار بنكين أمريكيين، وسط تقارير أكثر قتامة تحذر من تكرار أزمة مشابهة لتلك التي شهدها العام 2008. ونقلت عن خبير اقتصادي بارز أن انهيار بنكي "سيليكون فالي" و"سيغنتشر" قد يؤدي إلى "عدوى عالمية" مع تداعيات كارثية.
وقال نورييل روبيني، وهو أحد الخبراء الذين كانوا قد توقعوا أزمة 2008، إن هناك مؤسسة مالية أوروبية – لم يسمها - قد تعاني من تداعيات إغلاق المصرفين. وأضاف الخبير للمجلة: "إذا حدث شيء مع هذه المؤسسة، فسيكون ذلك أكثر أهمية من الناحية المنهجية. نحن هنا نتحدث عن مؤسسات لديها أصول بتريليونات الدولارات، وليست 400 مليار دولار مثل بنك سيليكون فالي".
وأوضح روبيني، في حديثه مع المجلة، أن "فوضى" إغلاق المصرفين الأمريكيين لم تقتصر فقط على الولايات المتحدة، لكنها ستصل إلى أسواق أخرى، وخاصة الأوروبية. وأضاف أنه على سبيل المثال، أغلقت الأسواق الأوروبية أمس، الاثنين، على "انخفاض كبير" مع تراجع أسهم البنوك بنسبة 5.65%، وهي أكبر نسبة انخفاض منذ أكثر من عام.
وتأتي التوقعات المثيرة للقلق بعد أن عانى مصرف "سيليكون فالي" من ثاني أكبر فشل بنكي في التاريخ الأمريكي الأسبوع الماضي. وكجزء من التداعيات، تم إغلاق مصرف "سيغنتشر" في نيويورك بعد يومين من قبل السلطات التي تخشى أن يؤدي إبقاء البنك مفتوحًا إلى تهديد استقرار النظام المالي.

وقال روبيني، الذي شغل منصب كبير المستشارين السابق لوكيل وزارة الخزانة للشؤون الدولية أثناء إدارة باراك أوباما، إن تداعيات إغلاق البنكين تنذر بـ"عدوى عالمية" محتملة. وأضاف: "على سبيل المثال، انخفضت الأسهم الأوروبية على الفور، على الرغم من أنه ليست لها علاقة بانهيار سيليكون فالي".
وذكرت "نيوزويك" أنه في حين أن التحذيرات السابقة يمكن أن تتحول إلى شيء "كارثي"، فإن روبيني أوضح أن مجموعة صغيرة فقط من البنوك الصغيرة والمتوسطة هي المعرضة للخطر – على الأقل في الوقت الحالي - وليس النظام المصرفي بأكمله والبنوك الشهيرة مثل مصرفي "بنك أمريكا" و"جي بي مورغان تشيس".
وقال روبيني إن البنوك التي تواجه انهيارًا محتملاً "هي بنوك إقليمية تفتقر إلى قاعدة كبيرة من المودعين ولديها الكثير من الأوراق المالية التي فقدت قيمتها وسيتم القضاء على رأس مالها إذا بيعت هذه الأوراق المالية بسعر السوق".
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات الأمريكية سارعت لإنقاذ الأزمة في أعقاب انهيار "سيليكون فالي". وبينما أصر بايدن على أنه "لن يتحمل دافعو الضرائب أية خسائر"، أشار روبيني إلى أن إنشاء برنامج تمويل مصرفي جديد - وهو الذي أقامه "الاحتياطي الفيدرالي" للمساعدة في استمرار تدفق الأموال - سيتم تمويله من أموال دافعي الضرائب.