في الذكرى الـ 46 لتوليه الحكم.. هل يُعيّن السلطان قابوس رئيسًا للوزراء؟
في الذكرى الـ 46 لتوليه الحكم.. هل يُعيّن السلطان قابوس رئيسًا للوزراء؟في الذكرى الـ 46 لتوليه الحكم.. هل يُعيّن السلطان قابوس رئيسًا للوزراء؟

في الذكرى الـ 46 لتوليه الحكم.. هل يُعيّن السلطان قابوس رئيسًا للوزراء؟

 تحتفل سلطنة عُمان، اليوم السبت، بالذكرى السنوية الـ46 لتولي السلطان قابوس الحكم، فيما وصف بانقلاب على والده السلطان سعيد بن تيمور في 23 يوليو 1970.

وحتى اللحظة التي أعلن فيها التغيير بإزاحة السلطان سعيد وتولي ابنه الحكم، لم يكن العُمانيون يعرفون بوجود ابن للسلطان سعيد الذي حكم عُمان على مدى 37 عاما بقبضة من حديد وأغلق البلاد عن محيطها العربي والدولي. لكن الأخبار سريعا ما انتشرت في ربوع البلد العربي الذي يعاني العوز والعزلة والصراعات السياسية والعسكرية، عن بدء عهد جديد يقوده سلطان شاب في الثلاثين من العمر، وأن هذا السلطان الشاب كان رهن الإقامة الجبرية في قصر والده في ظفار عاصمة الجزء الجنوبي من البلاد، وأن عُمان دخلت يوم 23 يوليو 1970 مرحلة جديدة من تاريخها الطويل، علامتها الأبرز الخروج من العزلة والعودة إلى خارطة العالم مجددا كدولة ذات ماض سياسي وحضاري وثقافي كبير.

لكن تدشين هذه المرحلة الجديدة لم يكن أمرا يسيرا على الحاكم الجديد لاعتبارات عديدة؛ فعلى المستوى السياسي كانت البلاد تعيش حربا في الجنوب تقودها ما كان يُعرف بالجبهة الشعبية لتحرير عُمان، تهدد بتقويض حكم أسرة آل بوسعيد المستمر منذ أكثر من ثلاثمئة عام وإقامة حكم اشتراكي مناهض للرأسمالية الغربية، وتابع لما كان يعرف بالكتلة الشيوعية أو فصل المنطقة الجنوبية عن جسد الوطن الأم عُمان.

وبموازاة الحرب في الجنوب، كانت بقايا حكم الإمامة الإباضية تنازع سلطة سعيد بن تيمور النفوذ على مناطق الداخل وبعض ولايات المنطقة الشرقية مُبقية البلاد على قدر كبير من الفرقة وغياب الوحدة الوطنية.

وعلى المستوى الاقتصادي كانت خزانة الدولة العُمانية في آواخر عهد سعيد بن تيمور شبه فارغة، خاصة أن أعمال التنقيت عن النفط تأخرت بسبب الصراع العسكري في الجنوب وجيوبه في مناطق الشمال.

أما على مستوى التعليم والتنمية البشرية، فكانت البلاد هي الأكثر تأخرا وتخلفا وضعفا في المنطقة العربية، إذ لم يكن في عُمان كلها سوى مدرستين، واحدة في العاصمة مسقط والثانية في عاصمة الجنوب صلالة، أما الخدمات الصحية فكانت محدودة للغاية، ولم تكن متاحة إلا لسكان مسقط والمدن المجاورة لها، وذات المحدوية تنطبق على الطرق والمواصلات شبه المنعدمة ومؤسسات الدولة الغائبة.

وأمام خريطة التحديات الكبرى المتشابكة هذه، كان على السلطان الشاب أن يصوغ برنامج عمله ويعيد ترتيب أولوياته، بما يُثبّت حكمه ويُنهي الصراعات السياسية والعسكرية التي تعيشها بلاده، ويُحول خصوم حكم والده السلطان المعزول إلى أصدقاء، وفي والوقت ذاته بما يحقق رؤيته الشخصية في التعليم والتنمية وإخراج بلاده من العزلة والتخلف ووضعها على طريق التنمية والتحديث والعصرنة التي كانت دول الخليج المجاورة مضت فيه بخطوات واسعة.

فكيف مضت سفينة السلطان قابوس في بحر التحديات والمشكلات المتلاطم ذاك، وكيف نجح الرجل في تحقيق حلمه بإعادة عُمان إلى مكانتها التي فقدتها، وإسعاد الشعب الذي تقطعت به السبل بحثا عن الرزق والعيش الكريم في المنافي والمهاجر المختلفة وإعادته إلى وطنه؟

الخطاب الأول والمصالحة الوطنية

أول خطاب للسلطان قابوس بعد توليه الحكم ألقاه يوم 9 اغسطس 1970 كشف فيه رؤيته والأولويات التي ستقوم عليها سياسة حكمه والآليات التي سيتبعها.

لقد حمل الخطاب مضامين عديدة على الصعد السياسية والتنموية والتعليمية، لكن أهمها كان الدعوة إلى الوحدة الوطنية التي كانت تفتقدها عُمان على مدى أكثر من مئة عام بسبب حروب وصراعات القبائل وفرقاء السياسة، فكان القرار الأول الذي أعلنه قابوس بن سعيد في خطابه الأول ذاك هو تغيير اسم البلاد من سلطنة مسقط وعمان إلى سلطنة عمان في إشارة واضحة إلى إنهاء دعوات إقامة دولة الإمامة "دولة عُمان وعاصمتها نزوى"، بموازة حكم السلاطين في مسقط " سلطنة مسقط"، وفي الوقت ذاته تفويت الفرصة على دعاة الانفصال في الجنوب.

لقد بدا واضحا انشغال السلطان الشاب بمسألة الوحدة الوطنية وإنها الشرط الذي لن تتحقق التنمية بدونه، أو كما قال في خطابه الأول إن تغيير اسم البلاد هو "بداية لعهد جديد متنور ورمز لعزمنا أن يكون شعبنا موحدا في مسيرتنا نحو التقدم، فلا فرق بعد الآن بين الساحل والداخل وبينهما وبين المقاطعة الجنوبية، فالكل شعب واحد مستقبلا ومصيرا".

ثم جاءت خطوته التالية الحاسمة باتجاه تعزيز الوحدة الوطنية وإنهاء حقبة الصراعات الطويلة، بإعلانه المصالحة الوطنية والعفو العام عمن وصفهم بغير الموالين لحكم والده السلطان سعيد بن تيمور، ودعوتهم للعودة والمساهمة في "بناء الوطن"، وهي الخطوة التي أغلقت آخر جيوب دعاة حكم الإمامة الإباضية في داخلية وشرقية عُمان من جهة، ومهدت لتفكك الجبهة الشعبية لتحرير عمان وهزيمتها نهائيا بعد نحو أربع سنوات من بداية حكم السلطان قابوس من جهة ثانية.

وحمل الخطاب الأول رسالة واضحة حين خاطب معارضي حكم السلطان السابق "الذين لم يكونوا موالين لوالدي في الماضي أقول:عفا الله عما سلف .. عفا الله عما سلف".

وكان لعودة المعارضين السياسيين بمن فيهم المنشقين من أعضاء الأسرة الحاكمة دور حاسم في تثبيت حكم السلطان قابوس وفي إنجاح برنامجه في إنهاء عزلة عُمان وبدء مرحلة ما يوصف في الخطاب الإعلامي العماني الرسمي بـ"النهضة المباركة"، وكان أبرز هؤلاء العائدين طارق بن تيمور عم السلطان قابوس، وأحد ابرز معارضي حكم السلطان السابق، الذي كلفه السلطان قابوس بتشكيل أول حكومة كفاءات في تاريخ عمان، وفيصل بن علي آل سعيد أحد أبرز أصوات المعارضة اليسارية العمانية في الخارج والذي أصبح بعد عودته مستشارا مقربا للسلطان قابوس ووزيرا للتراث القومي والثقافة، ويوسف بن علوي بن عبدالله القيادي البارز في الجبهة الشعبية والذي سيصبح بعدها أحد أكثر رجال الحكومة قربا من السلطان ووزيرا للدولة للشؤون الخارجية، حتى الآن.

محطات كبرى ثلاث

وإذا كان التنقيب عن النفط واكتشافه بكميات تجارية والعوائد المالية الكبيرة لعب دورا محوريا في مساعدة حكومة السلطان قابوس على إنجاح برامج التنمية الشاملة خلال الأعوام الـ46 الماضية، فإن رؤية السلطان حيال الوحدة الوطينة وسياسة الباب المفتوح على خصومه السياسيين هما الرافعة التي جعلت من الرجل أكثر من حاكم ناجح بل حولته إلى رمز وطني ليس بمقدور أكثر العمانيين نقدا لبعض سياسات وأخطاء حكومته تصور البلاد في وضع افضل في مرحلة مع بعد حكم السلطان قابوس.

وبعيدا عن الانجازات على مستوى البنية التحتية والتعليم والصحة والطرق، فإن إرث السلطان قابوس يمكن تلخصيه في ثلاث محطات أساسية كبرى:

المحطة الأولى: المصالحة الوطنية التي أطلقها منذ توليه الحكم وتحقيق الوحدة الوطنية عبر إنهائه كافة الصراعات السياسية والعسكرية في الشمال والجنوب وتوحيد البلاد تحت مسمى واحد " سلطنة عمان" وراية حكم واحدة هي راية حكمه.

المحطة الثانية: محاولة الانتقال المبكر إلى حكم دولة المؤسسات عبر إنشاء المجالس التمثيلية، بدءا من إنشاء "مجلس عمان للزراعة والأسماك والصناعة" العام 1979، ثم إنشاء "المجلس الاستشاري للدولة"  العام 1981 الذي حل محل المجلس السابق، بعدها إنشاء "مجلس الشورى" العام 1991 والذي حل محل المجلس الاستشاري للدولة والذي أُخضع لمراحل تطور متدرجة حتى انتهى في صيغته الحالية، صيغة  الانتخاب الحر العام.

المحطة الثالثة: إعلان أول دستور مكتوب في تاريخ عُمان العام 1996 أو ما يعرف بالنظام الأساسي للدولة ثم التعديلات التشريعية الواسعة التي أجريت عليه العام 2011 والتي تضمنت منح مجلس عُمان الذي يتشكل من مجلسي الشوري والدولة الصلاحيات التشريعية والرقابية.

وبهذه الإنجازات على صعيد الوحدة الوطنية وبناء نظام سياسي حديث ومتماسك، يصف العمانيون السلطان قابوس باعتباره واحدا من أبرز أربعة قادة في تاريخ عُمان؛ مؤسس دولة اليعاربة الإمام ناصر بن مرشد الذي نجح في تحرير عمان من الغزو البرتغالي وفي بناء جيش وطني ضارب وتحقيق الوحدة الوطنية، ومؤسسة دولة آل بوسعيد الإمام أحمد بن سعيد الذي نجح في تحرير عمان من الغزو الفارسي وإنهاء حروب القبائل وتحقيق الوحدة الوطنية ثم السلطان سيعد بن سلطان البوسعيدي الذي أنشأ الإمبراطورية العمانية واحتل أجزاء من فارس وشرق أفريقيا، والسلطان قابوس الذي أعاد لعمان مكانتها التاريخية وأنهي عزلتها وحقق الوحدة الوطنية.

المستقبل والتغيير المُنتظر

وإذا كان السلطان قابوس عمل، عبر هذه المحطات الثلاث، على ترسيخ نظام حكم يقوم على الشراكة مع المواطنيين وعلى أساس حكم دولة المؤسسات، فإن الحضور الشخصي للرجل ولما يتمتع به من قبول غير مشروط من قبل معظم قطاعات وشرائح الشعب العماني، ساعد على حماية وحفظ هذا النظام من العثرات التي عرفتها أنظمة حكم مشابهة، فإن السؤال الذي يقلق قطاع عريض من العمانيين اليوم هو عن مستقبل الاستقرار السياسي لعُمان في مرحلة ما بعد حكم السلطان البالغ من العمر 76 عاما والذي قضى نحو ثمانية أشهر في رحلة علاج خارج عمان العام 2015 قبل أن يعود ويعلن عن تماثله للشفاء.

ومع احتفال عمان اليوم بذكرى الثالث والعشرين من يوليو تعود التكهنات، هذه المرة أكثر مما سبق، عن إمكانية إجراء السلطان قابوس تغيير "جذري" في "بنية الحكومة" بحيث يمنح الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها هو ذاته بوصفه رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع وللمالية وللخارجية إلى جانب مناصب أخرى إلى أشخاص آخرين، وربما إلى وجوه شابه من داخل أو خارج أسرة ألبوسعيد الحاكمة.

وكانت العديد من الأصوات قد تعالت مؤخرا تطالب السلطان قابوس بتعيين رئيس للوزراء من خارج الأسرة الحاكمة بحيث يُمكن محاسبته وتحميله مسؤولية أخطاء الحكومة والوزراء.

لكن أحدا لا يمكنه التكهن بالذي يفكر فيه السلطان قابوس أو بما يمكن أن تحمله الأيام القادمة من مفاجآت قد يكون من بينها تعيين رئيس للوزراء أو ترك مسألة "التغيير الجذري في بنيه الحكم" للسلطان الذي سيحمل الراية بعد السلطان قابوس، وليُترك للسلطان الجديد هامشا  لكسب التأييد وتعزيز الشرعية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com