محمد الطراد... سوري صنع ثروة ومجداً في فرنسا من لا شيء
محمد الطراد... سوري صنع ثروة ومجداً في فرنسا من لا شيءمحمد الطراد... سوري صنع ثروة ومجداً في فرنسا من لا شيء

محمد الطراد... سوري صنع ثروة ومجداً في فرنسا من لا شيء

وصل محمد الطراد إلى فرنسا وعمره 17 عاما قادما من ظروف بائسة في مسقط رأسه قرب الرقة السورية، لا يتقن كلمة فرنسية واحدة، لكن تجربته ملهمة فقد أصبح كاتبا ومليارديرا شهيرا يعمل تحت إمرته آلاف الموظفين.

يقول الطراد: "أنا صُنِعت هنا في فرنسا، وأنا مدين بكل شيء لهذا البلد. من دون فرنسا لكُنت الآن في سوريا، أو على طرقات الهجرة، أو على متن باخرة، أو متسلقا الله علم ماذا؟ أنا مدين بكل شيء لهذا البلد، لذلك عليّ أن أدفع الثمن، علي أن أخدم هذا البلد. انطلقت من لاشيء، وعملت شيئا أعتقد أنه شيء كبير... شيء مؤهّل اليوم لأن يستمر".

ويرى الطراد أن شخصيته ربما تكون مضطربة، نظرا لأن البدايات لم تكن سهله، ولا شك أنها تركت آثارها على نفسه.

ويقول الطراد إن اضطرابه يعود إلى الطفولة وإلى الخوف الذي عاشه في طفولته عندما كان أخوه البكر يتعرض للضرب المبرح من قبل والده.

اغتصبت والدته مرتين

 ويوضح أن اضطرابه مردّه أيضا إلى وضع والدته التي اغتُصِبت مرتين وهي في الثانية عشرة من عمرها، وهي عازبة، فماتت بعد ذلك من فرط الحزن الذي أصابها. "لقد تألمت والدتي كثيرا لِما كان يتعرّض له أخي من قسوة على يد والدي. "هناك إذن تراكمات في داخلي: الآلام التي ظلت راسخة في نفسي. كانت والدتي تكابد بلا انقطاع هذا الوضع المأساوي، ناهيك عن أن والدي لم يُرد أن يحتفظ بي فأرسلني عند جدتي".

هذه الصدمة هي التي صنعت من هذا الرجل قوة، وصنعت كتابا عنوانه "بدوي"، الذي يتناول حياة البدو الذين كانوا أقرب إلى ما يشبه المنبوذين. فهؤلاء، كما يصفهم الكاتب الطراد أشبه بالغجر البوهيميين الذين نراهم في كثير من مناطق العالم.

في هذه الرواية يحكي الطراد، المقاول الملياردير، قصة طفل تحدوه إرادة حديدية، ويكافح للتخلص من مصيره كراع غنم، ومن أجل التخلص من أميته، لكي يصبح أحسن طالب في صفه، ولكي يحصل على منحة تنقله إلى فرنسا، وهو في السابعة عشرة من عمره، ولا يعرف كلمة واحدة من اللغة الفرنسية. "كانت صدمة، وربما خيبة ما لبثت أن تحوّلت إلى عقدة. وقد قلت لنفسي أني لن أتعلم هذه اللغة يوما. وفي الاقتصاد رغبتُ في أن أكون الأفضل، وأنا اليوم الأفضل فعلا من بين أبناء جيلي".

ونشر السيد الطراد ثلاث روايات، صدرت عن دار "آكت سود" الفرنسية، وهي روايات موفقة بالنسبة لرجل يشكو من عدم إتقانه للغة الفرنسية.

البدايات في عالم الأعمال

وعندما يتحدث عن بداياته في عالم الأعمال الذي دخله عام 1985، بشرائِه شركة متواضعة للسقالات يقول الطراد في اعتزاز إنه "لم يخسر شيئا رغم أن الشركة لا تُصنّع السقالات، وإنما تقوم بجمعها وبيعها للزبائن".  "وقد حاولت الحصول على مبلغ 30 ألف فرنك فرنسي - بقيمة ذلك الوقت - لكن مدير البنك رفض لي الطلب. لكن الرفض لم يثنني عن طموحي فظللت مصرا على النجاح، وواصلت طريق بعزم وإصرار".

ويقول أحد مساعديه من المدراء في الشركة إنه "رجل يختلف عن باقي الشخصيات، لأنه صاحب رؤى بعيدة المدى، بحكم خبرته وثقافته المتعددة. فهو يحدد استراتيجيتة وأهدافه بدقة متناهية، لأنه يملك ثقافة وحسّ التفاصيل التي لا يملكها الآخرون. وهو يعرف كيف ينقل كل هذه المواهب إلى الأخرين، بحكم تجاربه المتعددة. ولذلك تُعتبر تجربته إثراء للآخرين. وهو فضلا عن ذلك شخص حازم، ولكنه في المقابل يتعامل مع الجميع باحترام كامل، وبنفس القدر من المساواة بينهم على اختلاف مستوياتهم وموقعهم في السلم الإداري".

وفي كتاب ثان صادر بالفرنسية والانجليزية يتحدث الطراد عن القيم التي تحكم مؤسسته مجموعة طراد العالمية، وهي مطروحة في شكل ميثاق ينظم المجموعة التي تضم 17 ألف موظف.

مقر مجموعة الطراد العالمية. يقع في الحديقة العائلية التي توجد بها فيلا واسعة، وفي هذه الفيلا يسكن مع زوجته وابنتيه. وعن والدها تقول إحداهما أن والدها "رغم تواجده جسديا في البيت إلا أن ذهنه مشتت وموزع باستمرار بين شؤون المؤسسة ودراسة رياضة الرغبي، والكتابة الأدبية. فعقله في حالة غليان دائمة".

في غرفة الأكل عُلقت صورة رئيس مجموعة الطراد العالمية، وهي مشكّلة من صور موظفيه، وعبارة عن هدية بمناسبه تكريسه في يونيو الماضي في موناكو بلقب أحسن مقاول عامل لهذه السنة. "إني أعتبره فوزا شخصيا وفوزا لفرنسا أيضا. كان انفعالا لا ينسى، وكان عندي أقوى مما كنت سأشعر به لو التقيت بباراك أوباما. كان الموقف مؤثرا جدا".

ومن رموز هذا الفوز وقوف سيارتين رياضيتن عند مدخل البيت في كراج زجاجي. وعن هاتين السيارتين يقول الطراد "السيارتان انتقيتهما للناحية الجمالية فقط، أنا لا أحب السرعة، ولا استعملهما كثيرا".

انظروا إليّ ، لقد بدأت من الصفر"

ومن اهتمامات رئيس مجموعة الطراد العالمية رياضة الرغبي. تقول رئيسة جمعية "العمل ضد الإقصاء" في مونبلييه، السيدة كلير رارت، وهي مقاولة جمعها بالسيد الطراد، الملياردير، نضالهما المشترك من أجل تكافؤ الفرص بين المقاولين "أنا معجبة بأعمال هذا الشخص، وفضلا عن ذلك فنحن نلتقي في القيم التي نحملها، ومنها القيم الاجتماعية والمساواة في الفرص.

وتضيف أن هذا الرجل لا يتوقف عن التردد على المداس ليلتقي بالأطفال ويشجعهم على العمل، ولكي يقول لهم "انظروا إليّ ، لقد بدأت من الصفر. وانظروا إلى أين وصلت الآن". فعندما نتيح لشاب أن يلتقي لقاء مباشرا بشخص مثل السيد الطراد فإن هذا اللقاء سوف يؤثر على هذا الشاب مدى الحياة، ولن يعيش عالة على أحد. لهذا الجانب الإنساني فيه وقْع عميق على نفسي، ليقيني أن قليلا من المقاولين يملكون هذا الحس الإنساني الإستثنائي. أمثال هذا الرجال ندرة نادرة".

وفي هذا السياق يقول السيد الطراد "المهاجر يجب على السياسيين أن يقرؤوه جيدا، فالمهاجر مواطن فرنسي ويجب قراءته ومعرفة ما نتظره منه. فهذا المهاجر يُقدّم لفرنسا ما لم تقدمه فرنسا إليه".

أما الفضاءات التي صنعت ثراء الملياردير السوري القادم من الرقة فهي أنه قبل ثلاثين عاما اشترى أولى شركاته للسقالات. لكن لم يبق اليوم من مجموعة طراد العالمية سوى 29% من أعمالها في فرنسا. فإلى جانب السقالات والصيانة فهي ترتكز الآن على الصيانة الصناعية على المستوى العالمي.

كما أن الطموح العالمي هو الذي يحث ويحرك هذا الرجل الذي يقف على رأس نادي الرغبي في مدينة مونبلييه. ففي لقاء فريق مونبلييه المحلي الثاني في الترتيب مع فريق كليرمون الأول في الرتبة يقول هذا الرجل الذي يؤمن بأنه لا يكفي الاقتناع بموهبته الفطرية في الأعمال "هذه اللقاءات الرياضية تثير التوتر لدى كل الناس، وهذا أمر طبيعي. أنا لا أُظهِر توتري، لكنني أديرُه في صمت، لأنه إذا لم نسيطر على التوتر ولاحظه أعضاء الفريق فسيكون لذلك تأثير سلبي عليهم، وقد ينعكس ذلك سلبا على النتائج".

تقول فريديريك لوبيل التي أنجزت هذا التحقيق لإذاعة فرنسا الدولية "rfi" مع الملياردير السوري محمد الطراد "التقيتُه قبل هجمات باريس يوم 13 نوفمبر. فهو رجل لا يهوى إعطاء الدروس، وهو ليس رجلا سياسيا، لكنه كمقاول نُحس أن لديه أشياء كثيرة يريد أن يقدّمها للآخرين، حول أوضاع الضواحي، وغياب الآفاق بالنسبة للشباب الذين أقصتهم فرص العمل، والذين يصبحون أكثر عرضة للانجراف نحو الأصولية. وقد عيّنه الرئيس فرنسوان هولاند على رأس وكالة فرنسا للمقاولين، بغرض خلق مؤسسات في هذه المناطق المهمله".

وتخلص فريديريك لوبيل إلى القول أن "محمد الطراد الملياردير، رغم أعبائه الكثيرة، رجل سهل المعاشرة. فهو على رأس مؤسسة عالمية تشغل 17 ألف عامل، فكل من يتصل بالشركة هاتفيا سيجد على الطرف الآخر السيد محمد الطراد شخصيا، ومعه مباشرة يتم الاتفاق حول تفاصيل الموعد. وهذا ما يبهر الصحافيين".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com