ما قصة حقل "البوري" النفطي الذي أغضب الليبيين من قيس سعيد؟
أعاد الرئيس التونسي قيس سعيّد، إحياء نزاع قديم حول حقل البوري النفطي، بين بلاده وليبيا، عندما أكد أن تونس "لم تحصل إلا على الفتات القليل منه"، مشيرًا إلى أنه كان يمكن أن يؤمّن كل حاجيات بلاده وأكثر.
ورغم اعتراف سعيد برفض الجانب التونسي في السابق مقترح تقسيم الحقل إلى نصفين، فإنه جدد المطالبة بتقاسمه من جديد.
الجدل الذي أثاره الرئيس التونسي حسم قضائيا قبل 37 عاما.. فما قصة وجذور هذا الخلاف حول الجرف القاري؟
ما الذي قصده سعيد؟
لا يعرف على وجه التحديد دوافع الرئيس التونسي قيس سعيد من إثارة الموضوع في هذه الظرفية، وما إذا كان ربطه بين حقل البوري النفطي واستغلال المناطق البحرية المشتركة مقصودا أم مجرد صدفة، باعتبار أن محكمة دولية قضت بحق ليبيا في الأول عام 1985، بينما توجد اتفاقية شراكة مسبقة تحكم عمل المناطق البحرية المشتركة بين تونس وليبيا وبموجبها أنشئت شركة معنية بهذا الأمر عام 1988.
التصريح الذي أغضب الليبيين، وصفه محمد عون، وزير النفط في حكومة الدبيبة بأنه "يحمل مغالطات"، مذكرا بأن قرار محكمة العدل الدولية الصادر شهر فبراير عام 1982، حدد بوضوح الخط البحري الفاصل بين تونس وليبيا، وبالتالي "لا يمكن الحديث عن حقل البوري، لأنه يقع بعيدا عن خط التقسيم"، وفق قوله.
وأعاد الوزير الليبي، في تعليقه على تصريح الرئيس التونسي، التذكير بأن البلدين قاما بإنشاء شركة ليبية تونسية عام 1988، و"قد أعطيت قطعا بحرية مشتركة، يقع جزء منها داخل حدود المياه الاقتصادية لليبيا والآخر داخل حدود المياه الاقتصادية لتونس، وهذه الشركة تعمل إلى الآن ومقرها يقع تونس، وبالتالي ربما يقصد الرئيس التونسي هذه الشركة، لكن حقل البوري بالتأكيد لا يمكن أن يكون مشتركا ولا علاقة له بالأمر".
وأضاف محمد عون، بأن "الحقل مشترك بين مؤسسة النفط الليبية (83%) وإيني الايطالية بنسبة (17%)، بموجب الاتفاقية القائمة منذ يناير 2008"، ولم تعلن مؤسسة النفط الليبية في "ذلك الوقت عن أي تنازل معين لدولة تونس بهذا الخصوص، باعتبار أن هذا الأمر يحتاج توقيع اتفاقيات رسمية.. وهذه مهمة الحكومة الليبية وهذا لم يحدث أساسا، حتى يتكلم الرئيس التونسي عن موضوع التقاسم"، بحسب تعبيره.
مسار التقاضي
بعد أن دب الخلاف في سبعينيات القرن الماضي بين ليبيا وتونس حول حقل البوري النفطي، وفشلهما في تسوية المشكلة وديا، شكل التقاضي الدولي مرحلة حاسمة، فبعد العديد من الجولات، صوتت محكمة العدل الدولية في لاهاي بأغلبية 10 أصوات مقابل 4 أصوات، لصالح ليبيا، لتصدِر في الـ24 من شباط/ فبراير 1982، قرارا نهائيا ورسميا يؤكد السيادة الكاملة لليبيا على الجرف القاري، دون إعطاء أي نصيب لتونس.
غير أن تونس استأنفت الحكم، مطالبة محكمة العدل الدولية في لاهاي بإعادة النظر في الحكم قصدَ تعديله، لكن المحكمة قضت في الـ10 من كانون الأول/ ديسمبر 1985 برفض الدعوى القضائية التونسية، وتقبلت الأخيرة الحكم للمرة الثانية، وسلمت بسيادة ليبيا نفطيا على المنطقة.
حقائق وأرقام
يقع حقل البوري في البحر المتوسط على بعد نحو 120 كيلومترا شمال الساحل الليبي، حيث اكتُشف عام 1976 وبدأ إنتاجه في عام 1988، في حين يقدر إنتاجه الحالي بنحو 30 ألف برميل نفط يوميًا، وتديره شركة "مليتة" للنفط والغاز بالمشاركة مع شركة "إيني" الإيطالية.
ويُعَد حقل البوري النفطي الأكبر من نوعه في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ويقع في أعماق مائية تتراوح بين 145 مترًا و183 مترًا ويتكون من 38 بئرًا.
ووفق موقع "أوفشور تكنولوجيا"، فقد استعاد حقل البوري للنفط التقليدي 91.60% من إجمالي الاحتياطيات القابلة للإنتاج، وبلغ في عام 1995 ذروة الإنتاج بنحو 150 ألف برميل يوميًّا من النفط الخام والمكثفات
بالإضافة إلى ذلك، تشير المعطيات إلى أن الحقل يمثل حاليًّا ما يقرب من 2% من الإنتاج اليومي لليبيا. وفي العام 2021، أعلنت شركة مليتة للنفط والغاز، عن تضاعف إنتاج حقل البوري النفطي بنحو 3 مرات، بعد عمليات ناجحة لزيادة قدرته الإنتاجية.
وبناء على الافتراضات الاقتصادية، سيستمر الإنتاج حتى يصل الحقل إلى حده الاقتصادي في عام 2034.

ووفق المعلومات، يضم الحقل أيضًا، واحدة من أكبر منصات النفط في البحر الأبيض المتوسط، وهي منصة "دي بي 4"، التي ترسو بشكل دائم في سفينة التخزين والتفريغ العائمة للحقل بسعة تخزين تقارب 1.5 مليون برميل، جنبًا إلى جنب مع منصة الأقمار الصناعية الخاصة بها.
وتستطيع المنصة إنتاج 150.000 برميل يوميًّا للتصدير.