هل دقَّ "التوبيخ الملكي" آخر مسمار في نعش "إخوان" المغرب؟
أغضب موقف الأمانة العامة لحزب "العدالة والتنمية" المغربي تجاه استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية، القصر الملكي، ووضع قائد الحزب الإسلامي عبدالإله بنكيران في ورطة غير مسبوقة مع أعلى سلطة في البلاد.
وانتقد الديوان الملكي، الإثنين، بيانًا صدر قبل أيام عن حزب "العدالة والتنمية" بشأن العلاقات بين المملكة وإسرائيل، مؤكدًا أنه يتضمن "تجاوزات غير مسؤولة ومغالطات خطيرة".
وأصدرت الأمانة العامة لحزب "العدالة والتنمية"، قبل أيام، بيانًا قالت فيه إنها "تستهجن المواقف الأخيرة لوزير الخارجية المغربي الذي يبدو فيها وكأنه يدافع عن الكيان الصهيوني في بعض اللقاءات الأفريقية والأوروبية".
ويرى مراقبون أن "العدالة والتنمية" بقيادة أمينه العام فقد بوصلته السياسية، وأضحى يتلون مثل الحرباء، ويدلي بمواقف خطيرة بشأن السياسة الخارجية للبلاد".
وقالت مصادر حزبية لـ"إرم نيوز"، إن الأمانة العامة لحزب "العدالة والتنمية" تعيش على صفيح ساخن، مؤكدة أن بلاغ الديوان الملكي أربك الحزب الإسلامي والذي سيجتمع خلال هذا الأسبوع لتدارس الموضوع.
خروج عن الإجماع الوطني
واعتبر مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الإستراتيجية عبدالفتاح الفاتحي، أن هذا السقوط المدوي لحزب "العدالة والتنمية" يعزله عن الإجماع الوطني، ويضع أمينه العام عبدالإله بنكيران في ورطة حقيقية قد تكون لها تداعيات كبيرة على ما تبقى من كاريزما الحزب، بعدما غادر سفينته العديد من القادة.
ورأى الفاتحي في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن حزب "العدالة التنمية" تجاوز مقتضيات وأحكام الفصل 55 من الدستور الذي يحفظ للملك مجاله المحفوظ فيما يتعلق بإبرام المعاهدات الدولية، وذلك يفقد الحزب بريقه السياسي، ويصبح حزبًا غير موثوق في ممارساته السياسية.
وأكد أن بيان الحزب الإسلامي "صيغ بأسلوب يستهدف تجييشًا عبر دغدغة المشاعر والعواطف"، مشددًا على أنه قد "لجأ إلى المزايدات على مقومات التماسك في البلاد".
ويعتقد أن بلاغ الديوان الملكي "يُنبّه إلى خطورة ما أقدم عليه حزب العدالة والتنمية من ردة وخروج عن الإجماع الوطني، وبذلك يتم عزله أخلاقيًا عن الحياة السياسية".
وبيّن الفاتحي أن توقيع الاتفاق الثلاثي بين (المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية) تم خلال ترأس حزب العدالة والتنمية للحكومة في شخص سعد العثماني، وهو ما يجعل الحزب في حالة شرود عن الإجماع الوطني.
واستطرد الخبير المختص في الشؤون السياسية والإستراتيجية: "حزب العدالة والتنمية دشن حملة تشكيك في وطنية ونزاهة المؤسسات ومسؤولي السياسة الخارجية، عبر مغالطات تتعلق بربط الأحداث الأخيرة بفلسطين المحتلة، والتوقيع على اتفاق أبراهام".
ولفت إلى أن المملكة لم تغير موقفها الثابت والراسخ قيد أنملة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وخلص إلى أن "التقدير السياسي يبنى على استشرافات كبرى في ظل تغييرات دولية رهيبة وعبر استشارات مختلف القوى الحية الوطنية، فإن ما يتخذ من قرارات في السياسة الخارجية، المجالُ المحفوظ للملك، يستلزم إسنادًا ودعمًا من مختلف مكونات المجتمع حرصًا على استمرار اللحمة الوطنية".
رسائل القصر لبنكيران
من جهته، قال الكاتب الصحفي المغربي مصطفى الفن، إن بلاغ الديوان الملكي، فيه الكثير من الوضوح والصرامة والحزم في مجال محفوظ للملك، وهو السياسة الخارجية للبلد.
وأضاف الفن في منشور عبر حسابه الرسمي على "الفيسبوك": "لا أعتقد أن هذا البلاغ الناري وغير المسبوق موجه إلى حزب العدالة والتنمية أو إلى مناضليه ومسؤوليه وقواعده، شخصيًا أستبعد ذلك كليًا".
وتابع: "أعتقد أن بلاغ الديوان الملكي هو موجه ربما وبالتحديد إلى الأمين العام للحزب بنكيران، لأن الدولة تعرف جيدًا من يدبر حاليًا شؤون الحزب بطريقة شبه فردية وبمنسوب عالٍ من الأبوية".
وزاد: "يحصل كل هذا رغم أن الحزب في شخص بنكيران وفي شخص العثماني دبر الشأن العام من موقع الحكومة ومن موقع الجماعات الترابية لأكثر من 10 سنوات".
ومضى يقول: "كما أن الدولة تعرف جيدًا أن الكثير من عقلاء الحزب انسحبوا في صمت أو تواروا إلى الخلف أو لم يعودوا يحضرون اجتماعات الأمانة العامة".
ورأى الفن أن "بنكيران أعطى كثيرًا للحزب، وربما لعب دورًا سياسيًا ببعد وطني في مرحلة مضت"، وزاد متسائلًا: "لكن هل ما زال بنكيران جزءًا من الجواب على المرحلة القادمة في مسيرة الحزب السياسية؟".
وأردف: "الجواب عن هذا السؤال شأن داخلي يهم قواعد الحزب ومناضليه.. لكن الذي جرى به العمل مع بنكيران ومع منطق بنكيران هو أنه كان لا يتسامح مع أي مسؤول أو مناضل في الحزب غضبت عليه الجهات العليا".
واستطرد: "بل إن بنكيران كان، والحالة هذه، لا يتردد في دفع هذا المسؤول الحزبي المغضوب عليه إما إلى تقديم استقالته وإما إلى تجميد عضويته أو طرده من الحزب".
وأضاف الكاتب الصحفي: "بنكيران تعامل بهذا المنطق مع أحمد الريسوني ومع عبد العزيز أفتاتي حتى دون الرجوع إلى مؤسسات الحزب أو الحركة.. فهل يقدم بنكيران استقالته من الحزب بنفس المنطق بعد هذه الغضبة الملكية على شخصه؟".