الخلود والتوريث.. تذمر في المغرب من ظاهرة التشبث بالمناصب
الخلود والتوريث.. تذمر في المغرب من ظاهرة التشبث بالمناصبالخلود والتوريث.. تذمر في المغرب من ظاهرة التشبث بالمناصب

الخلود والتوريث.. تذمر في المغرب من ظاهرة التشبث بالمناصب

تثير ظاهرة التشبث بكرسي المنصب، أو ما يعرف بالزعامات الخالدة، جدلًا واسعًا بالمغرب، حيث تهيمن شخصيات كبيرة في السن على قيادة الأحزاب والنقابات والمؤسسات الكبرى.

ويعاب على هذه القيادات تشبثها بمناصبها وعدم  الاستجابة لدعوات التجديد وإشراك الشباب في تدبير الشأن العام، وأخذ مشعل القيادة من الشيوخ الذين ظلوا لسنوات جاثمين على كراسي القيادة بمبرر اختيارات الجماهير وتغليب المصلحة العامة.

ويرى مراقبون أن التشبث بالمناصب ينم عن احتكار للسلطة واستمرار لسياسة تدفق الريع والامتيازات التي ينعم بها القياديون، إضافة إلى وجود قاعدة محيطة بهم تقطع الطريق أمام أي مبادرة لتجديد دماء التنظيمات السياسية والنقابية خوفًا على مصالحها، فيما يدافع القياديون عن حصة أتباعهم في ضمان المناصب، في إطار سياسة "تقسيم التركة فيما بيننا".

ويقول رشيد لزرق، الباحث في العلوم السياسية في تصريح لـ"إرم نيوز": "إن المجتمع المغربي لم يتكرس فيه بعد منطق المؤسسات التي تقوم على التداول حول السلطة والمسؤولية، فالتشبت بالسلطة ومقاومة التجديد والتغيير تكاد تكون وجودية لدى البعض، كونهم وصلوا إلى المناصب بناء على الصدفة، ومنحت لهم مكانة داخل المجتمع جعلتهم أصحاب نفود وحظوة وتشريف، وما يرافق ذلك من امتيازات مادية ورمزية".

زعماء النقابات.. قيادات خالدة

في واقعة تكرس استمرار سياسة توريث الزعامات والتشبث بكراسي السلطة، أعيد –نهاية الأسبوع الماضي-  انتخاب أحد شيوخ القيادات النقابية على رأس أحد أكبر النقابات العمالية في المغرب، يتعلق الأمر بالميلودي مخاريق، الأمين العام لنقابة الاتحاد المغربي للشغل الذي استطاع الحصول على فرصة أخرى لقيادة النقابة لولاية ثالثة.

ورغم تجاوزه سن الإحالة على المعاش، ومطالب تشبيب القيادات النقابية، إلا أن المسؤول النقابي وجد نفسه في مواجهة نفسه، حيث لم يتقدم أي مرشح في مواجهة زعيم النقابة الأكثر حضورًا في المغرب، وانتخب وحيدًا  بالإجماع لولاية ثالثة.

ويرى الباحث في علم الاجتماع السياسي الحسين العمراي في حديث لموقع "إرم نيوز": "يبدو أن المرض أو الموت وحدهما من يفرقان شيوخ الكراسي عن مناصبهم، ذلك أن الكثير من الشخصيات التي بصمت تاريخ المغرب استطاعت البقاء في مناصبها إلى غاية إصابتهم بالمرض والعجز عن القيام بمهامهم، لكنها توكل مهامها لأشخاص من نفس الدائرة".

في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي  انتخب عبد قادر الزاير على رأس ثاني أكبر نقابة في المغرب، خلفًا للزعيم التاريخي لنقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل محمد نوبير الأموي اليساري، التي ترك منصبه مجبرًا بعدما تقدم به العمر وأنهكه المرض.

لكن ذلك لم يكن لقيادة شابة، بل سلم المشعل لنائبه السبعيني في التنظيم النقابي عبد القادر الزاير الذي اضطلع بزمام قيادة النقابة بعد أن توارى الأموي عن الأنظار بسبب المرض.

ورغم الانتقادات التي وجهت للنقابة التي تشكل فاعلًا أساسيًا في الدفاع عن ملايين المشتغلين في القطاع العام والخاص، حول تغييب العناصر الشابة في قيادتها، إلا أن ذلك لم يأخذ بعين الاعتبار واستمر الوضع كما هو عليه.

العنصر.. شيخ السياسيين المغاربة

أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، خلف السياسي المغربي امحند العنصر نفسه على رأس حزب الحركة الشعبية، ليحصل على لقب شيخ زعماء الأحزاب المغربية، حيث ظل في منصبه لأزيد من 32 سنة، بعد تسلمه لمشعل القيادة من خاله المحجوبي أحرضان الزعيم التاريخي ومؤسس الحزب عام 1986، ليستمر العنصر في منصبه رغم كبر سنه الذي جاوز 77 عامًا، كما حافظ على نفس النهج في حزب السنبلة الذي لم يتغير خطابه أو برنامجه ليضمن بذلك مكانه في الحكومات المتعاقبة بالمغرب.

ورغم تقدمه في السن إلا أن زعيم حزب السنبلة لم يجد حرجًا في الترشح لقيادة الحزب والتباري على مناصب كبرى في الدولة، متعللًا بأن تقديم ترشحه لانتخابات قيادة الحزب كان بطلب من أعضاء الحزب.

ويعتبر العنصر أحد أقدم الشخصيات السياسية التي لا زالت تتشبث بكرسييها، فعلى مدار أربعة عقود من التحاقه بالعمل السياسي، عايش العنصر 12 حكومة تقلد في بعضها مناصب هامة آخرها وزيرا للداخلية في الحكومة السابقة، إضافة إلى معايشته لسبعة برلمانات، ويشغل حاليًا منصب رئيس جهة فاس مكناس.

بنكيران.. محاولة العودة

لم يستسغ زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربية السابق إعفاءه من تشكيل الحكومة وإحالته على التقاعد السياسي بمعاش مريح لا يدخر فيه جهدًا، فالرجل حاول جاهدًا أن يظفر بولاية ثالثة على رأس الأمانة العامة لحزبه، بعدما ظل لسنوات يردد لأزمة الديمقراطية والكفاف عن حب السلطة والمناصب، وينتقد تشبث الحكام والشخصيات السياسية بمناصبها.

لكن خيارات إخوانه في الحزب ضربت حلمه في الاستمرار على رأس قيادة الحزب الإسلامي عرض الحائط بعدما فشل أنصاره في فرض تعديل القانون الأساس للحزب مما يمكنه من الحصول على فرصة ثالثة في قيادة الحزب، تلاها بعد ذلك عزله من مختلف المناصب القيادية داخل هيئات حزبه ما عدا عضويته في الحزب، وهو ما يحاول استثماره لإعلان استعداده للعودة إلى المشهد السياسي في غياب بديل له.

ويحاول بنكيران العودة من بعيد للحياة السياسية خاصة مع بدء الصراع حول الانتخابات التشريعية المقبلة في المغرب، إذ يواظب الزعيم الإخواني على حضور الجنائز وتقديم المواعظ، ومخاطبة المغاربة عبر تقنية البث المباشر عبر فسيبوك ليدافع عن نفسه وحزبه، ويدلي بدلوه في مختلف القضايا الرائجة في المغرب.

ثقافة الريع والزبونية

ويضيف رشيد لزرق في تصريحه لـ "إرم نيوز" أن منطق انتخاب الزعماء لا يكون مبنيًا على مبدأ المحاسبة وتقييم حصيلة ولايتهم ومنجزاتهم على رأس الهيئة وما حققوه لصالح أتباعم، بقدر ما يحكمه تدخل الشخصيات النافذة في الكواليس في عملية الاختيار وفرض الزعامات لضمان استمرار استفادتهم من كعكة الريع.

ويعتقد لزرق أن "التشبث بالكرسي يحرم المؤسسات من مبدأ التداول حول السلطة، ويعرقل المجال أمام الكفاءات والكوادر الشابة، فثقافة اللامسؤولية والإفلات من المساءلة، وعدم الاستجابة لمنطق التداول على السلطة، ولو بالاستقالة، من أهم خصائص السلطة في الواقع الذي نعيش فيه، بسبب غياب ثقافة مؤسسات الدولة ودولة القانون وسيادة منطق الزبونية".

من جهته يرى العمراوي أن "استشراء الريع والزبونية والمحسوبية وتوزيع الامتيازات بين أعضاء الهيئات السياسية أو النقابية، والتحالفات التي تجري في الكواليس عبر تقديم وجوه معتادة لمناصب المسؤولية، كلها مؤشرات تدل على غياب منطق التداول وتغييب الديمقراطية الداخلية، وهو ما يفسر عجز النقابات والأحزاب عن إقناع المغاربة بالانخراط فيها".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com