موريتانيا.. الخلافات بشأن "ولاية ثالثة" للرئيس تُقسم الأغلبية
موريتانيا.. الخلافات بشأن "ولاية ثالثة" للرئيس تُقسم الأغلبيةموريتانيا.. الخلافات بشأن "ولاية ثالثة" للرئيس تُقسم الأغلبية

موريتانيا.. الخلافات بشأن "ولاية ثالثة" للرئيس تُقسم الأغلبية

تأجج مجددًا، في الساعات القليلة الماضية، الجدل في موريتانيا بشأن ترشح الرئيس، محمد ولد عبدالعزيز، لولاية  رئاسية ثالثة في الانتخابات المقررة أواسط العام الجاري.

ورغم أنَّ موضوع المأمورية الثالثة للرئيس ظل مثار جدلٍ في المشهد السياسي منذ بدء العد العكسي للولاية الثانية للرئيس، إلا أنَّ اللافت في الفترة الراهنة هي أنها أبانت عن خلافاتٍ حادة داخل الأغلبية الرئاسية نفسها وجاءت إثرَ تأكيد الرئيس، أكثر من مرة، نيته عدم الترشح وإعلانه أنه سيدعم مرشحًا معينًا في الاستحقاق الرئاسي، حتى إنَّ الأوساط السياسية والإعلامية تتداول أسماءَ بعينها على أنَّ مرشح الرئيس ''المنتظر'' سيُختار من ضمنها.

وعكس هذا الاتجاه، عقدت مجموعةٌ من نواب حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، حزب الرئيس ولد عبدالعزيز، في البرلمان اجتماعًا، أمس الجمعة، وأعلنوا أنَّهم شرعوا في جمع التوقيعات لعريضةٍ تنادي بكتابة دستورٍ جديد للبلاد، ولم يتردد بعضهم- مثل النائب عن مقاطعة المذرذرة، الداه صهيب- في التصريح لوكالات أنباء عالمية بأن الهدف من التعديل هو كسر الموانع الدستورية لتقدم الرئيس لمأمورية ثالثة، وبذلك يحيل النائب على المادتين 26 و28 المتعلقتين بعدد ومدة المأموريات الرئاسية، والمادة 99 المحصنة لهما من أي تعديل.

سياق خاص

لا بد من الإشارة إلى أنَّ ''مبادرة'' نواب الأغلبية تأتي في سياقٍ خاص أبرز ميزاته، وفق مراقبين، إشارة الرئيس ولد عبدالعزيز، في مقابلةٍ مع إذاعة فرنسا الدولية، أواخر السنة المنقضية، أنَّ الدستور لا يمنعه من التقدم لمأمورية ثالثة بعد أن يُغادر السلطة في 2019.

وفُسَّر هذا ''الاستدراك'' غير المسبوق في تناول الرئيس للموضوع، على أنَّه تعبير عن إرادةٍ راسخة في العودة إلى السلطة عكس ما كانت تصريحاتٌ سابقة توحي به؛ فقد كان الرئيس يؤكد دائمًا أنَّه مغادر في 2019، والمقتضيات الدستورية في هذا الباب تؤكد أنَّ ''الرئيس ينتخب لخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة''.

وفي الأشهر والأسابيع الأخيرة، تواترت ''المبادرات'' المؤيدة لبقاء الرئيس في السلطة بمباركة أو على الأقل سكوت السلطات، إذ لم يُمنع الترخيص عن أي نشاط سياسي يصب في هذا الاتجاه، وبالمقابل مُنع نشاط واحد على الأقل يدعو إلى احترام الدستور وعدم المس بالمواد المقيَّدة لعدد ومدة المأموريات الرئاسية.

وفي أتون هذه المبادرات، دعا الحزب الحاكم إلى ''مسيرة وطنية ضد الكراهية'' سارت في التاسع من هذا الشهر، وكان لافتًا حرص الرئيس على قيادتها بنفسه، كما كان لافتًا انخراط الحكومة في التعبئة لها إلى حد أُعلن يومها يوم عطلةٍ معوضة للموظفين، رغم غياب أي سببٍ سياقي (واقعة، تصريح....) يَشي بتهديد الوحدة الوطنية وانتشارِ خطاب الكراهية من جهة محددة، وإن كانت أطرافٌ في الأغلبية تبررُ تنظيم المسيرة بانتشار رسائل صوتية، تداولها رواد شبكات التواصل الاجتماعي، تتوعد فئاتٍ مجتمعية معينة وتُنذر بقيام مواجهة اثنية بين العرب البيض ''البيظان'' والسود ''لحراطين''؛ بسبب انتشار الغبن وتراكم ''المظالم التاريخية'' للعبيد والعبيد السابقين.

وكانت هذه الجهات تُبدي خشيتها من استغلال المسيرة للدعوة لمأمورية ثالثة، وهو ما لم يحصل في نهاية المطاف.

من سيخلف الرئيس؟؟

برز هذا التساؤل منذ انتصاف المأمورية الثانية، وكانت التكهنات، في المراحل الأولى، لا تتردد في الإشارة إلى قائد أركان الجيوش السابق، ووزير الدفاع الحالي، والصديق المقرب للرئيس، الفريق محمد ولد الغزواني، كخليفةٍ أوحد للرئيس، إلا أنَّ الأشهر الأخيرة كشفت أنَّ الأمر ليس بهذه البساطة، فمنذ الانتخابات التشريعية أيلول/ سبتمبر الماضي، برز العقيد المتقاعد، ورئيس الجمعية الوطنية، الشيخ ولد بايه كخليفةٍ محتمل للرئيس.

وقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات صوتية للرجل يتحدث فيها عن علاقته بالرئيس وعن متانة صداقتهما وقربه منه.

 ويبدو من تلك التسجيلات أنَّها موجهة لفاعلين سياسيين في ولاية تيرس زمور، معقل الرجل والذي فاز بمقعده في البرلمان بصعوبةٍ بالغة.

وترى قراءاتٌ سياسية لمتابعين أنَّ النواة الصلبة للنظام منقسمة بشأن فكرة ''الاستخلاف'' نفسها، وفي الشخص الذي سيقع عليه الاختيار.

فالجنرال الغزواني، يحظى، وفق هؤلاء، باحترام كبير ودعم واسع في المؤسسة العسكرية نظرًا لإنجازاته الهامة في بناء القوة العسكرية للجيش وتجنبه لخوض المعترك السياسي، بشكل مباشر على الأقل، وهو ما جعل منه شخصية ''توافق'' داخل الأغلبية بمختلف تياراتها، كما أنَّ المعارضة تنظر إليه بعين ''الاطمئنان''، أو هذا على الأقل ما يُستشف من تجنبها للرجل في انتقادها للنظام ورموزه.

وبالمقابل، يدفع قسم آخر من النواة الصلبة للنظام، يمثله المحيط الاجتماعي (القبلي والجهوي) للرئيس بالعقيد المتقاعد، الشيخ ولد بايه، ويعتبرون أنَّ بقاء الرئيس ولد عبدالعزيز في دائرة الفعل السياسي المؤثر يمر حتمًا باختيارِ شخصية تنتمي لمحيطه القريب، ولا تتوفر على دعم المؤسسة العسكرية القوية، والتي لعبت دائمًا دورًا مرجحًا في صراع القوى ومراكز النفوذ.

وهنا لا بد من الإشارة إلى تأكيد الرئيس ولد عبدالعزيز الدائم على ''استمرار النهج''، وهي عبارة غامضة؛ إذ في غيابِ أي محددات إيديولوجية وسياسية للنظام السياسي، فالتأويل الأقرب إلى الواقع هو أنَّ ما يعنيه الرئيس هو بقاؤه في دائرة الفعل والتأثير السياسي بشكلٍ فعال وإن لم يكن مباشرًا.

وقد عبَّرت عن وجهة النظر هذه مقالات وتدوينات لكتاب وشخصيات، في الأغلبية بعضها يشغل مناصب سامية في الجهازين التنفيذي والتشريعي.

وربما يدفع هذا الانقسام في النواة الصلبة للنظام الرئيس إلى تغليب خيارِ البقاء في السلطة كحلٍ وسط.

مكسب هام

لا تنفك المعارضة وطيفٌ من شخصيات وساسة ونواب الأغلبية في التأكيد على أهمية مغادرة الرئيس صونًا لمبدأ التناوب السياسي، الذي لا يختلفُ اثنان على أنَّه أهم مكسبٍ دستوري تحقق في البلد منذ الاستقلال، إذ ظل إشكال التناوب السياسي في موريتانيا مزمنًا على غرار كثير من بلدان إفريقيا.

ويُخشى من تبعات الرجوع عنه على استقرار البلد، سيما أنَّ موريتانيا تصنف أكثر الدول العربية انقلابات عسكرية.

ويسود اعتقاد بأنَّ تراجع شبح الانقلابات في العشرية الماضية مرده إلى الأمل في التجسيد العملي للتناوب السلمي، الذي أُقر دستوريًا خلال المرحلة الانتقالية اللاحقة على الإطاحة بمعاوية ولد الطايع (2005-2007)، والتي كان ولد عبد العزيز أحد مهندسيها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com