تونس.. الفقر والتسرب المدرسي يفاقمان "عمالة الأطفال" في رمضان
تونس.. الفقر والتسرب المدرسي يفاقمان "عمالة الأطفال" في رمضانتونس.. الفقر والتسرب المدرسي يفاقمان "عمالة الأطفال" في رمضان

تونس.. الفقر والتسرب المدرسي يفاقمان "عمالة الأطفال" في رمضان

شهدت عمالة الأطفال في تونس "انتعاشًا" منذ دخول شهر رمضان، إذ لم يعد الأمر محصورًا في الأرياف والمدن الصغرى، بل زحف حتى شوارع الولايات الكبرى والعاصمة التونسية.

ورصد مراسل موقع "إرم نيوز" مظاهر ازدهار عمالة الأطفال، التي تمتد لكل الأعمال تقريبًا، حيث ينتشر الأطفال في البيع والشراء والتجارة، وفي ورش العمل اليدوي وفضاءات الإنتاج الزراعي وغيرها.

ويُعزي الخبراء هذه الظاهرة أساسًا إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس، في ظل تراكم الديون الخارجية، ووصول نسبة التضخم إلى 7.9% حسب المعطيات الرسمية.

وبات أيّ فرد داخل النسيج الاجتماعي مطالب بالإنتاج وتحقيق القيمة المضافة، وهي حاجة سحبت معها الأطفال إلى الاشتغال جنبًا إلى جنب مع الكبار، حتى بلغ عدد الناشطين اقتصاديًا منهم 215.700 أي 9.5%  من مجموع الأطفال في تونس بين سن 5 و17 سنة، وفق تقرير المسح الوطني لعمالة الأطفال في تونس الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 2017، عن المعهد الوطني للاحصاء.

التجارة والزراعة 

وقدرت نسبة الأطفال العاملين في مجالات التجارة والبيع، والقطاعات المتعلقة بالمواد الاستهلاكية والغذائية، من مجمل الأنشطة الاقتصادية التي يزاولها الأطفال 82.4%،  ليكون شهر رمضان موعدًا موسميًا لعمالة الأطفال.

يقول الطفل ربيع السلطاني (12 عامًا) إنّ "ظروف عائلته الصعبة دفعته إلى الخروج إلى العمل في مجال الألبسة المستعملة بأسواق العاصمة".

وأضاف، لـ"ارم نيوز"، أنه "يأخذ من صاحب المتجر الذي يعمل عنده في منطقة باب الخضراء بتونس، الملابس سيئة الجودة ليعرضها هو بمفرده على أرصفة شوارع سيدي عبد السلام والحلفاوين وغيرها".

وأشار السلطاني إلى أنّ "العمل في رمضان يكون أفضل، ذلك أن الناس يتعاطفون مع صغر سنه، وهذه نقطة إيجابية تجعله يجني نقودًا إضافية".

التسرب من المدارس

 ويوضح مراقبون أن "السبب الثاني يتمثل في تفاقم استغلال الأطفال، هو ارتفاع عدد الأطفال المنقطعين عن الدراسة، ممن لا يجدون أمامهم سوى أبواب العمل"، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة التسرّب المدرسي في حدود الـ100 ألف سنويًا، وقد ارتفعت في السنوات الأخيرة من 1.2% إلى 10%  أغلبهم من الذكور.

وذكر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن عوامل الانقطاع أربعة، يتمثل أولها في المدرسة نفسها بنسبة 71%، ثانيها في الظروف المادية والفقر بنسبة 12.3%، وثالثها في المشاكل العائلية بنسبة 8.14% ، ورابعها في الأزمات الصحية بنسبة5.25%.

الفقر والتهميش 

إلى ذلك تظهر أعلى نسب الانقطاع عن الدراسة في المناطق الداخلية والأرياف، حيث يتفاقم الفقر والبطالة بولايات مثل القصرين والقيروان وسيدي بوزيد، وتتصدر عمالة الأطفال الفلاحية سلّم المهن المستقطبة للأطفال بنسبة 48%.

 ومثال ذلك الطفل أحمد الجلاصي (13 سنة)، الذي تحدث لـ'إرم نيوز" عن نزوحه سنويًا مع عائلته، من الشراردة بولاية القيروان نحو ولاية نابل لجمع محاصيل الطماطم في شهر رمضان، إذ عدم وجوب الصيام على الأطفال يجعلهم مطالبين بالعمل أكثر من الآباء والإخوة الكبار، وعرضة لتحمل مسؤولية أكبر في هذا الشهر.

وترتفع عمالة الأطفال في المناطق الريفية حيث تتجاوز الـ20%  حسب المسح الوطني وتتجاوز 22%  بالشمال الغربي التونسي.

ويعد الشمال الغربي أكثر مصدّر لعمالة المعيلات القاصرات بنسبة 11.7% التي يبلغ معدلها من عمالة الأطفال 6.4% إجمالًا و9.4% من مجمل الفتيات القاصرات العاملات.

ويؤكد المسح الوطني أن غالبية الأطفال الناشطين اقتصاديًا هم أعوان عاملون لا يتقاضون أجرًا، جراء تردي الأوضاع الاجتماعية للعائلات وارتفاع نسبة الفقر التي تتجاوز 15.2% مع وصول الفقر المدقع إلى حوالي3%.

 وقود المهن الشاقة

ولكن المسح الوطني لعمالة الأطفال، الذي أجري في رمضان الماضي، يؤكد أن الأمر يتجاوز الاستغلال إلى الانتهاك، ليقع 3.2% من الأطفال تحت سن الثانية عشرة في قبضة المهن الخطرة، التي تحتل 79.9% من عمالة الأطفال.

ويعمل في تونس أكثر من 38 ألف طفل في مهن خطرة، وأكثر من 100 ألف في محيط صحي خطر، بينما يعمل في الليل أكثر من 9 آلاف طفل، وقرابة 7 آلاف يعملون لساعات طويلة و18.5 آلف يعملون على آلات ومعدات ثقيلة.

ويرتفع خطر عمالة الأطفال الخطرة في الأوساط الريفية، حيث تتمكن هذه الظاهرة بـ11.9% من الأطفال مقابل 2.9% بالمدن، في حين تحتل الفئة العمرية من الأطفال بين 16 و17 سنة النسبة الأكبر من هذا النوع من العمالة بـ14.3، تليها الفئة العمرية 13-15 بـ5.2%.

تسول الأطفال

من جهته، أكد رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الطفل، معز الشريف، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "وضع الطفل في تونس لا يشهد تحسنًا مطلقًا، في ظل غياب العمل الميداني والأنشطة التحسيسية الشاملة لاحتواء ظاهرة الاستغلال".

وأرجع الشريف هذا الغياب إلى "سياسة الحكومة التي تتجاهل هذا الملف الحسّاس وتقتصر فيه على الجانب النظري والقانوني فيما يغيب التطبيق والإصلاح".

وأشار إلى أنه في شهر رمضان "يتكثّف استغلال الأطفال في أنشطة التسول، خاصة حول المساجد وفي الأسواق، حيث يتم استعمال الأطفال كأداة لاستمالة قلوب الصائمين للتصدق ودفع المال للأطفال".

وشدّد على أن "مثل هذه السلوكيات هي تثبيت لاستغلال الأطفال واستخدامهم في أوضاع مهينة وغير لائقة، ما من شأنه أن يؤبد أوضاعهم الصعبة وينتهك خصوصية الطفل فيهم".

وقال إنه "من يسعى إلى مساعدة الأطفال وانتشالهم من مآزق الاستغلال والاضطهاد الاقتصادي، ينبغي أن يمر بالمؤسسات المختصة والجمعية المقننة".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com