جيل الانترنت يقود "انتفاضة السكاكين" في فلسطين
جيل الانترنت يقود "انتفاضة السكاكين" في فلسطينجيل الانترنت يقود "انتفاضة السكاكين" في فلسطين

جيل الانترنت يقود "انتفاضة السكاكين" في فلسطين

القدس المحتلة ـ تطلي الفتيات الفلسطينيات اللائي يساعدن في نقل الحجارة إلى الخطوط الأمامية ليلقيها المحتجون في رام الله على الجنود الإسرائيليين أظافرهن بألوان براقة ويرتدين سراويل الجينز الضيقة ويحملن أحدث الهواتف المحمولة في حقائب اليد الأنيقة التي يحملنها.

قالت طالبة في الثانوية العامة تلبس جلبابا وملثمة بالكوفية الفلسطينية وهي تقف إلى جانب شباب يلقون الحجارة "أهلي ما بعرفوا إني هون."

وفي رام الله دارت الاشتباكات بصفة يومية وكأنها شعائر دينية بين الفلسطينيين وجنود الاحتلال على مدار الأسبوعين الماضيين مع اجتياح موجة متصاعدة من العنف مختلف أنحاء إسرائيل والقدس والضفة الغربية المحتلة.

وأدت أعمال إلقاء الحجارة والطعن وإطلاق النار - التي أسفرت عن مقتل سبعة إسرائيليين واستشهاد 27 فلسطينيا من بينهم تسعة قيل إنهم مهاجمون وثمانية أطفال - إلى مقارنات مع الانتفاضتين الفلسطينيتين السابقتين في الثمانينات وفي مطلع الألفية الثالثة رغم أن العنف لم يصل بعد إلى مستوى يعادل ما حدث فيهما.

لكن ما يميز الموجة الحالية من الاضطرابات عن سابقاتها هو أن هجمات الطعن بالسكاكين والهجمات على رجال الشرطة يشنها في الغالب شبان وشابات تحت العشرين دون أي روابط سياسية أو تنسيق من قوى عليا.

وقالت طالبة الثانوي في رام الله من خلف اللثام وهي تنقل الحجارة للشبان في الصف الأمامي "أنا جيت هون بعد ما شفت في التلفزيون شو بصير بالاقصى وكيف بقتلوا الشباب."

وردد آخرون أغلبهم من طلبة جامعة بيرزيت القريبة جاءوا للمشاركة في إلقاء الحجارة بعد انتهاء يومهم الدراسي عبارات شبيهة بما قالته الطالبة عن المسجد الأقصى الذي أصبح محور غضب الفلسطينيين الذين تبددت آمالهم في السلام وانتهاء الاحتلال.

قال طالب في كلية العلوم الإدارية كان ملثما بالكوفية الفلسطينية ويستخدم المقلاع في إلقاء الحجارة على القوات الإسرائيلية على بعد حوالي 200 متر لرويترز "بدنا الاحتلال ينتهي وبدنا الانتهاكات ضد الاقصى تنتهي واحنا بنضرب حجار لانو هذا السلاح اللي في ايدينا."

انتفاضة الفيسبوك

وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المهاجمين الذين بدأوا باستخدام السكاكين في هجمات متفرقة وإن كانت شبه يومية هذا الشهر بأنهم "ذئاب منفردة". وهؤلاء المهاجمين أشعلت غضبهم رسائل على موقع فيسبوك تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي مما يجعل من المستحيل تقريبا التنبوء بمن سيوجه الضربة التالية.

وكتب مهند حلبي طالب الحقوق صاحب التسعة عشر عاما من رام الله على صفحته على فيسبوك يقول قبل ساعات من إقدامه على قتل إسرائيليين اثنين طعنا في القدس القديمة:

"كلمة جميلة أيها الرئيس لكن عذرا نحن لا نعرف قدس شرقية وغربية فقط نعرف أن لنا قدس واحدة غير مقسمة وكل بقعة فيها مقدسة. وعذرا يا رئيس فما يحدث لنساء الاقصى والاقصى لن توقفه الطرق السلمية. فما تربينا على الذل. والدفاع عن حرمة الاقصى ونسائه هو شرفنا وعرضنا والدفاع عنه بأي شكل ووسيلة يعتبر قانوني. أشكر جهدك حضرة الرئيس."

وفي هجوم وقع يوم الاثنين قالت الشرطة إن فلسطينيين أولهما يبلغ من العمر 13 عاما والثاني قريبه البالغ من العمر 15 عاما طعنا صبيين إسرائيليين في مستوطنة شمالي القدس. وقتل أحد المهاجمين بالرصاص وصدمت سيارة الآخر فأصيب بجروح.

وبعض المهاجمين في سن صغيرة لم يكونوا قد ولدوا حتى عندما تفجرت الانتفاضة السابقة في سبتمبر ايلول عام 2000. فهم جيل تربى على إخفاق المساعي لإحلال السلام في الشرق الأوسط ويملؤه الغضب من قياداته كما أنه بدأ يفقد إيمانه بإمكانية قيام دولة فلسطينية.

وفي غياب أي مفاوضات ترمي لتحقيق حل الدولتين لتسوية الصراع بعد انهيار أحدث جولة من المباحثات مع إسرائيل في ابريل نيسان عام 2014 أصبح المسجد الأقصى رمزا وطنيا يتجاوز مغزاه الديني عند كل المسلمين.

واكتست الجدران في غزة برسومات للمسجد وقبة الصخرة الذهبية.

ويقدس اليهود الحرم أيضا ويسمونه جبل المعبد ويقولون إنه موقع معبدين قديمين وأقدس مكان في الديانة اليهودية.

ويغذي مشاعر الغضب بسبب الأقصى إدراك الكثير من الفلسطينيين أن السلطات أعطت جماعات يهودية قدرا أكبر من الحرية في زيارة الحرم وإن هذه الجماعات تحاول الصلاة هناك رغم منع الصلاة فيه لغير المسلمين منذ القرن الثاني عشر.

وقال نتنياهو مرارا إنه ليس لديه النية في تغيير الوضع القائم لكن تطميناته لم تفعل شيئا يذكر لتهدئة الغضب الفلسطيني. وينتشر كل حديث يتردد عن انتهاك جديد على وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة ليتجدد الغضب.

ويبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (80 عاما) فوجيء بطبيعة أحداث العنف المتفاوتة وارتباطها بجيل الإنترنت. ورغم أنه استخدم عبارات تقليدية تشيد "بالشهداء" الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية فإن مصادر تقول إنه حث وسائل الإعلام الفلسطينية أيضا على الامتناع عن تمجيد الهجمات وإعادة بث لقطات الفيديو لحوادث العنف.

التاريخ يعيد نفسه 

وبأعمال الرشق بالحجارة تمثل دورة العنف الحالي تكرارا للانتفاضة الفلسطينية الأولى التي دارت أحداثها من 1987 إلى 1993 قبل التوصل لاتفاقات أوسلو للسلام التي جلبت بعض الهدوء للمنطقة. لكن التركيز على الأقصى يجعل اضطرابات اليوم أكثر شبها بالانتفاضة الثانية التي أطلق عليها انتفاضة الأقصى.

وبدأت الاضطرابات في أعقاب زيارة زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذلك أرييل شارون للحرم عام 2000 وانتهت بعد ذلك بخمس سنوات بعد حملة من التفجيرات الانتحارية في مقاه وحافلات سقط فيها ألف إسرائيلي وثلاثة آلاف فلسطيني قتلى.

ومنذ عام 2003 قامت إسرائيل ببناء جدار من الصلب والخرسانة ليعزل معظم الضفة الغربية عن إسرائيل والقدس الشرقية. وفي حين أن آلاف الفلسطينيين يعبرون هذا الحاجز يوميا للذهاب إلى أعمالهم فإن عمليات الفحص والتفتيش شائعة ومن الصعب تهريب سيارة ملغومة أو أي أسلحة كبيرة أخرى.

ونتيجة لذلك أصبح معظم الهجمات الآن يتم بسكاكين ومفكات يسهل إخفاؤها. ورغم وجود مؤشرات على تحول في الأساليب ومن ذلك حادث إطلاق نار يوم الثلاثاء وحادث آخر وقع يوم الأحد يشتبه أنه كان لتفجير سيارة ملغومة فإن وسائل الإعلام الفلسطينية تشير إليها على أنها انتفاضة السكاكين.

وكثير من المهاجمين في الهجمات الأخيرة من سكان القدس الشرقية الذين يمكنهم التنقل دون قيود لأن إسرائيل تعتبر ذلك الجزء من المدينة جزءا لا يتجزأ من أراضيها.

ولم يطرأ تغير على عاملين آخرين أولهما أن الإسرائيليين أصبحوا يعيشون مرة أخرى في خوف وفزع والثاني أن الفلسطينيين يئسوا فيما يبدو لفشل مساعي السلام ولإحساسهم أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية وبناء المستوطنات لن ينتهي.

وقالت حنان عشراوي الناشطة الفلسطينية المخضرمة وهي من كبار أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية "المفاوضات لم تحقق شيئا ولا طائل من ورائها. القيادة الفلسطينية فقدت التأييد. والناخبون الفلسطينيون يشعرون بإحباط شديد. وحدث فقدان للأمل."

ورغم ذلك فإن بعض الفلسطينيين يتساءلون عما ستؤول إليه موجة العنف الحالية، والتصعيد الإسرائيلي الذي يضيق الخناق على الفلسطينيين بشتى السبل.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com