الإعلام المصري.. بوق للسلطة أم عين عليها!
الإعلام المصري.. بوق للسلطة أم عين عليها!الإعلام المصري.. بوق للسلطة أم عين عليها!

الإعلام المصري.. بوق للسلطة أم عين عليها!

ما بين "سحرة فرعون" التي وصف بها مرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، العاملين في مجال الإعلام، وعبارة "وبعدين معاكم" التي وجهها الرئيس السيسي في آخر خطاباته للإعلاميين المشاركين في أسبوع شباب الجامعات بالسويس، يتأرجح الإعلام المصري بين المعارضة المطلقة والتأييد المطلق، بعيدا عن دوره الرقابي ووفقاً للمصلحة الشخصية لوسائل الإعلام وملاكها أو العاملين بها.

و ما شهدته الدولة المصرية من تبدل وتغير في مواقف الإعلاميين خلال السنوات التالية لثورة 25 يناير، يكشف بعض جوانب الفساد في الإعلام، الذي بات تحت سيطرة كاملة لملاكه من رجال الأعمال، حيث يستخدمونه تارة في تصفية حساباتهم مع الآخرين، وتارة أخرى كوسيلة ضغط على النظام السياسي للحصول على مكاسب أكبر.

إفساد الحياة السياسية

يواصل الإعلام المصري توجيه الرأي العام في الاتجاه الذي يراه يخدم مصالحه، أو مصالح من ارتبط معهم ملاك الصحف والقنوات والمسؤولين بـ"بيزنس أكبر" ومصالح شخصية، بعيداً عن المهنية والمصدقية، وفق خبراء إعلاميين تحدثوا لشبكة إرم الإخبارية.

فالإعلام القائم بات "مدفوع الأجر"، هذا ما أكده الباحث في شؤون الإعلام محمد الشهاوي، والذي أكد أن ذلك كله وراء ضبابية المشهد الذي يعيشه المصريون الآن.

الشهاوي أكد أن إفساد الحياة السياسية حدث ببث معلومات وأخبار تسهم في تشويش رجل الشارع وتتركه حائرا دون إجابة شافية، فما يسمعه من الإعلامي ذاك، يؤكد عكسه آخر، لتصل الأمور إلي عزوف المواطنين عن متابعة أغلب البرامج والصحف باعتبار أنها "كاذبة".

وأضاف الباحث في شؤون الإعلام: "بعد ثورة 25 يناير 2011، انقسم الإعلام إلي نصفين، الأول يؤيد المجلس العسكري المسؤول عن إدارة البلاد آنذاك بشكل مطلق، بل إنه غض الطرف عن تجاوزات وقعت في تلك الفترة، بحثا عن نصيب ودور أكبر في الجمهورية الجديدة. فيما ذهب النصف الآخر إلي المعارضة الجزئية، بحسب الموقف والحالة، لتنتهي الفترة الانتقالية بانتخابات رئاسية بين رجل نظام حسني مبارك الفريق أحمد شفيق، ورجل الإخوان محمد مرسي".

وانتهت الجولات التي شهدت استقطابا إعلاميا حادا من أتباع كلا الطرفين، بإعلان فوز مرسي برئاسة الجمهورية، ليرتدي الإعلام ثوب الدولة الدينية لفترة، ثم يعود ليتغير مرة أخرى، ويبدأ حملة شرسة ضد محمد مرسي، دفعت مرشد جماعة الإخوان لوصف الإعلاميين بـ"سحرة فرعون"، نظرا لقدرتهم على تغيير الرأي العام بأكمله من النقيض إلي النقيض".

وفي إطار رصده لمنحنى الصعود والهبوط في التوجه الإعلامي، قال الشهاوي: "مع إخفاق نظام الإخوان في حكم البلاد، ارتفعت وتيرة الهجوم الإعلامي على الجماعة، لتظهر صحف وبرامج ومواقع إخبارية خصصت بالكامل لإسقاط نظام الإخوان، مستغلة أخطاءه وسقطاته".

الهجوم الإعلامي الموجه بلغ ذروته مع بدء الحشد للتظاهر في 30 يونيو، حيث علت وتيرة الهجوم بشكل غير مبرر، وكأن أيادي خفية تحرك وسائل الإعلام، حتى سقط نظام الإخوان بثورة انطلقت في الميادين تطالب بإنهاء حكم الإخوان، لتدخل القوات المسلحة على خط الأزمة، محاولة تدارك الأمور قبل انفلاتها.

ظل الإعلام رافعا سلاحه في وجه نظام الإخوان، حتى أزاحه عن المشهد، مواصلاً هوايته في تعظيم دور عدة أطراف فاعلة في أحداث 30 يونيو، ليبدأ مرحلة من التهدئة خلال فترة حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور، ظلت خلالها وسائل الإعلام تشيد بخطوات وقرارات الرئيس الانتقالي، في حين بدأ إعلام جماعة الإخوان لعب الدور ذاته الذي لعبه إعلام رجال الأعمال في السابق، بمحاولة تشويه النظام القائم، وإبراز سلبياته، وإن كان تأثيره ضعيفا للغاية أمام الآلة الإعلامية لرجال أعمال مبارك.

وتضيف الدكتورة ليلى عبدالمجيد، العميد السابق لكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن الإعلام ليس المتهم الوحيد في إفساد أو تشويش الحياة السياسية، قائلة: "الإعلام هو عامل مساعد، ولكنه ليس العامل الوحيد، كما إنه لا يصح أن يتحول لشماعة يعلق عليها الآخرون كل أزماتهم، أو أن يعتبره البعض عصا سحرية ستحل كافة المشكلات.

ونبهت إلى أن الإعلام في بعض الأحيان يصنع من الشخص العادي ديكتاتورا، خاصة من السياسيين. مستشهدة بنموذج حسني مبارك الذي كان قد بدأ حكمه كشخص طبيعي، وتحول مع الوقت وبفعل الإعلام إلي ما يشبه "الإله"، مضيفة أن الإعلام يؤثر بالسلب فيمن توجد لديه قابلية لذلك.

وترى عبدالمجيد أن الدستور الجديد أحتوى على مادة تحدد مدة الرئاسة، التي تقتصر على دورتين فقط، وهي مدة تمنع تحوّل الرئيس إلي مرتبة أعلى من مرتبة البشر، وهو ما سيخلق قناعة داخلية لدى الإعلاميين بأن الرئيس ليس باقيا لفترات طويلة كما في السابق.

تبدل المواقف

مع إعلان المشير عبدالفتاح السيسي "وقتها" ترشحه لرئاسة الجمهورية، بات على الإعلام إعادة ترتيب أوراقه، لكن الإعلاميين أدركوا التغيير في الخريطة السياسية، ما يستوجب عليهم أن يفتحوا مساحة أكبر للتأييد، تمكنهم من فهم عقلية الرئيس القادم.

وبعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، بإعلان فوز السيسي برئاسة الجمهورية، كان الإعلام قد فهم دوره دون توجيهات تذكر من النظام الجديد.

اختفت المانشيتات النارية من أغلب الصحف، وسودت شاشات بعض القنوات، فيما تغيرت خريطة برامج أغلب القنوات بالكامل، وقام ملاك وسائل إعلام أخرى بتسريح عدد من الإعلاميين الخارجين عن السيطرة، فيما تحول غالبية الإعلاميين إلي المهادنة والسير في الظل، بشكل يكاد يشبه الاختفاء التام من المشهد، فقد أدركوا أن تجاوزاتهم السابقة لم يعد لها مكان، فهناك نظام جديد يبني نفسه ولم يعد مرحبا بهم.

ظل الإعلاميون كبندول الساعة، يوم تأييد، وآخر شبه معارضة، لترتجف أقلامهم وتتحجر ألسنتهم فما سيقولونه قد يكتب نهايتهم إعلاميا، خاصة في ظل شعبية كبيرة يتمتع بها النظام الحالي، زادت مع فتحه ملفات فساد المسؤولين ورجال الأعمال وعدد كبير من الصحفيين والإعلاميين.

من جانبها، تقول الدكتورة ليلى عبدالمجيد عميدة كلية إعلام جامعة القاهرة سابقا، إن تغيير الإعلامي لرأيه يكون مقبولا لو أن هناك معلومات جديدة طرأت دفعته لإعادة تكوين رأي جديد بخصوص أمر ما، فهذا بمثابة تغيير الموقف بشكل موضوعي وفقا لحقائق جديدة، لكن أن يكون التغيير بهدف نفاق السلطة أو شخص ما لتحقيق مصالح شخصية فهذا أمر غير أخلاقي.

وأشارت عبدالمجيد، إلي إنه لا يليق بإعلامي تغيير مواقفه من أجل مكاسب شخصية، كما أن المواطن العادي لديه من الذكاء ما يجعله يفرق بين أصحاب المصالح الخاصة، والإعلاميين الشرفاء.

 التورط في الفساد

قضايا الفساد، ومنها قضية الفساد الكبرى بوزارة الزراعة، جعلت الإعلاميين يتحسسون رقابهم، فعدد لا بأس به وردت أسماؤهم في تحقيقات الجهات الرقابية.

كما لعب آخرون دورا في تسهيل وصول وسطاء الرشوة للمسؤولين، ما بات يشير إلي قرب المعركة المؤجلة بين النظام والإعلام، خاصة بعد تنبيهات وإشارات كثيرة أرسلها رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي لهم في عدة مناسبات، طلب فيها منهم الالتزام بميثاق الشرف الصحفي والإعلامي، والاطلاع بدورهم فيما تشهده البلاد من حروب داخلية وخارجية، تستدعي تضافر جهودهم للذود عن البلاد لا تخريبها.

وعلى ما يبدو، فإن الإعلام لم يستوعب تلك الإشارات المرسلة له خلال عام كامل، ما دفع الرئيس للتأكيد في افتتاح أسبوع شباب الجامعات بجامعة قناة السويس، على أن الإعلام جزء رئيسي في الحرب على الإرهاب التي تخوضها مصر، مختتما رسالته لهم بعبارة "وبعدين فيكم".

وفي هذا الصدد، أكد الدكتور مروان يونس خبير الإعلام السياسي، أن الظاهرة العامة، هي تغيير بعض الإعلاميين مواقفهم لتحقيق مكاسب شخصية، وأنه مع الوقت يكتشف الناس أن بعض الإعلاميين باعوا ضميرهم الإعلامي لتحقيق هدف شخصي، ونحتاج إلي أحكام قضائية قاطعة وكلام موثق حول الاتهامات التي توجه لبعضهم، حتى لا نتهم الناس بالباطل.

يونس أكد أن تناول بعض الإعلاميين لمعلومات مضللة، بات وسيلة للتكسب، فهو يحقق رواجا، خاصة في محيط الصحف الإلكترونية، التي تبحث عن زيادة عدد زوار موقعها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com