صافرات الإنذار تدوي في رأس الناقورة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية

logo
العالم العربي

كيف أقنعت فرنسا واشنطن بالتمديد لـ "اليونيفيل" بلا تعديل؟

كيف أقنعت فرنسا واشنطن بالتمديد لـ "اليونيفيل" بلا تعديل؟
عناصر من اليونيفيل مع جنود وضباط الجيش اللبنانيالمصدر: رويترز
29 أغسطس 2024، 1:37 م

يبدو أن فرنسا "حاملة القلم" في ملف التمديد لقوات اليونيفيل، بحكم علاقتها التاريخية بلبنان، وباعتبارها صاحبة التأثير الأقوى "غربيا" على السياسة اللبنانية، قد لعبت دورا محوريا في إقناع الولايات المتحدة بضرورة التمديد السنوي لقوات "اليونيفيل" العاملة في جنوب لبنان دون أي تعديل على مهامها، كما كان مطروحا من قبل الأمريكيين والإسرائيليين حتى يوم أمس الأربعاء.

 

تمديد بلا شروط

 تنفس "اللبنانيون" الصعداء بعد موافقة مجلس الأمن الدولي على التمديد السنوي لقوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة جنوب لبنان "اليونيفيل"، دون أي شروط تمنح القوة الدولية صلاحية التحرك دون مواكبة الجيش اللبناني، أو التنسيق معه.

واعتادت الحكومة اللبنانية سنويا على مطالبة مجلس الأمن بالتجديد لولاية اليونيفيل، بلا تعديلات على مهامها ومناطق انتشارها منذ عام 1978. لكن في 31 أغسطس/آب 2022، فوجئ لبنان بفرض تعديلات لأول مرة على قرار التمديد، تقضي بمنح القوة الأممية حق القيام بمهامها بصورة مستقلة، وتسيير الدوريات المعلن وغير المعلن عنها، دون مؤازرة أو إبلاغ الجيش اللبناني، لكن دون أن يتوفر إجماع على ذلك بين أعضاء مجلس الأمن.

 إلا أن التجديد لهذا العام كان مشحونا بالأبعاد السياسية والأمنية، نظرا للواقع الحدودي الحساس بين لبنان وإسرائيل، ودور حزب الله العسكري في تلك المنطقة.

وعلى وقع القصف المتبادل بين إسرائيل من جهة وحزب الله من جهة أخرى، منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تشددت العديد من الدول الأعضاء بالمجلس في مسألة ضرورة تعديل مهام اليونيفيل، وعلى رأسها: الولايات المتحدة التي تجد في التعديل ضرورة لتمكين القوة الدولية من تنفيذ مهامها، في ظل تعزيز حزب الله لترسانته العسكرية جنوبا على خلاف ما ينص عليه القرار الدولي 1701. 

فرنسا.. حاملة القلم

 لكن فرنسا، وهي حاملة القلم بملف التمديد لقوات اليونيفيل، كونها الدولة الأكثر تأثيرًا على الساحة اللبنانية تاريخيا وحتى اليوم، كان عليها إقناع الولايات المتحدة بعدم التعديل على القرار في ظل الأوقات التي يعيشها البلد المنقسم على نفسه في الملفات كلها، بدءًا من الأحداث في الجنوب وصولًا إلى الاستحقاق الرئاسي المجمد.

ولا شك في أن مشاركة فرنسا في القوة الدولية بأكثر من 650 جنديا من أصل 10.500 جندي، والمخاطر التي تهددهم جراء أي تعديل غير مرغوب فيه للوضع القائم، فهي الأكثر حرصا على تثبيت الوضع القائم في ظل إصرار حزب الله على رفض التعديلات، بشكل سيهدد جنودها.

وقد عكس ذلك موقف حسن نصر الله، الرافض لصيغة التمديد، مشكّكا بالدور الحيادي لمجلس الأمن "الذي لا يرى خروقات إسرائيل البرية والجوية، ولذلك يريدون اليونيفيل جواسيس عند الإسرائيليين".

كما أن توالي التحذيرات اللبنانية من مخاطر تحرك اليونيفيل دون الجيش، وما قد ينتج عنه من احتكاكات وحوادث مع الأهالي يصب في الخانة نفسها. وذلك بعد تجربة سابقة نتج عنها مقتل جندي أيرلندي وإصابة ثلاثة آخرين من اليونيفيل، في أثناء تنقلهم بسيارة مدرعة في منطقة "العاقبية" جنوب لبنان في 14 ديسمبر/كانون الأول 2022، وهو مؤشر لما يمكن أن ينتظر هذه القوات في حال تم نشرها بمعزل عن إرادة ميليشيا حزب الله.

الموقف اللبناني الرسمي أدى دورا في التمديد لليونيفيل بلا تعديل على الصلاحيات، وقد جاءت جولة وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب في نيويورك، ومساعيه لإقناع دول القرار بضرورة العودة إلى صيغة تعاون اليونيفيل مع الجيش، في هذا السياق. 

وتكشف مصادر لبنانية أن الوزير حذر خلال اجتماعاته من أن إصرار مجلس الأمن على بند تعديل عمل اليونيفيل، سيدفع لبنان إلى إرفاقه ببند موازٍ، لرفع مسؤوليته الرسمية عن أي إشكال يقع بين عناصر اليونيفيل وأهالي القرى الجنوبية". وهو ما يحمل تهديدا مبطنا للقوة الدولية.

ويعتقد مراقبون أن فرنسا "الضليعة" في الساحة اللبنانية، وصاحبة الحضور السياسي و"العسكري"الأبرز، استطاعت إقناع الأمريكيين الذين يتبنون الموقف الإسرائيلي من "اليونيفيل" بأن وجود هذه القوات، بالرغم من كل شيء، وفي ظل "الهدنة الطويلة والهشة" بين لبنان وإسرائيل يشكل حاجة دولية، من منطلق أنه "إذا كانت اليونيفيل لا تمنع الحرب، لكنها تلجم كثيرًا من الاستفزازات التي من شأنها إشعال الحرب وتفجير الوضع بالمنطقة".

اقتناع أمريكي مؤقت.. وخطة بديلة

هذا المنطق ظهر في تعليق نائب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة روبرت وود أمام مجلس الأمن بعد صدور قرار التمديد، حين قال إن "تمديد مهمة اليونيفيل، يدعم هدفنا بتهدئة التصعيد الإقليمي، وهو أمر في الوقت الحالي أكثر أهمية من أي وقت مضى"، وأضاف أنه "من الآن فصاعداً، نحتاج إلى التصدي للطرق التي يعوق بها حزب الله، وجهات ضارة أخرى التنفيذ الكامل للقرار رقم 1701، ويحدّون من قدرة اليونيفيل على تنفيذ عملياتها بحرية، ويهددون قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والسلامة والأمن".

ويبدو أن واشنطن أقنعت حليفتها إسرائيل بأن الوضع الحالي في المنطقة لا يسمح بتمرير قرار التمديد، لكن مراقبين يعتقدون أن واشنطن ستعمل بالمقابل على خطوط أخرى بما يحقق أهداف إسرائيل على المدى الطويل، والتضييق على حزب الله وتحركاته وتهديداته المستمرة لشمال إسرائيل.

وفي هذا الإطار، استبقت واشنطن التمديد لقوات اليونيفيل في مجلس الأمن بمحاولة محاصرة تمدد حزب الله في المنطقة الفاصلة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، بفرض عقوبات على جمعية "أخضر بلا حدود" اللبنانية، باعتبارها تشكّل "غطاء لأنشطة حزب الله على طول الخط الأزرق، حيث لدى الجمعية مواقع يديرها أعضاؤها في عشرات النقاط".

وأوضح بيان لوزارة الخزانة الأمريكية أن هذه المواقع هي غطاء لمخازن تحت الأرض وأنفاق يخزّن فيها حزب الله ذخائر. وأضاف أنّ الحزب يستخدم أيضاً هذه المواقع لتدريب عناصره على الأسلحة وتسيير دوريات.

وتشمل الأفكار قيد الدراسة تعزيز قوة "اليونيفيل" من خلال وجود بعثة ألمانية و/أو فرنسية منفصلة للمراقبة على الأرض، ولكن من غير المرجح أن تؤدي مطالبتهما بالانتشار إلى تهدئة إسرائيل.

 وبدلاً من ذلك، من شبه المؤكد أن يصر الجيش الإسرائيلي على مواصلة الطلعات الاستطلاعية بطائرات بدون طيار فوق جنوب لبنان بعد وقف إطلاق النار، ومن غير المرجح أن يوافق "حزب الله" على هذا الشرط.

ووفقا لخبراء، فإنه حتى لو تم التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، وتراجع "حزب الله" عن التصعيد ردًّا على ذلك، فقد تختار إسرائيل مواصلة المستوى الحالي من عملياتها في جنوب لبنان، إذ تعمل هناك دون قيود تُذكر، وقد يستنتج المسؤولون الإسرائيليون أن السماح للجيش الإسرائيلي بممارسة قواعد الاشتباك الجديدة هذه في جنوب لبنان هو خيار أفضل من وضع ثقتهم في "اليونيفيل" أو الجيش اللبناني لتقييد وحدة "الرضوان" أو حماية سكان المناطق الحدودية.

إغراءات اقتصادية

ويقول باحث أمريكي إنه، بالتزامن مع ذلك، يجب أن تعيد واشنطن التركيز على إيجاد حلول لمشكلة المراقبة في جنوب لبنان. فقد أثبت "حزب الله" أنه سيلجأ إلى الغش في أي اتفاق من شأنه تغيير الوضع الراهن لانتشار قواته هناك، في حين أثبتت قوات "اليونيفيل" عدم فعاليتها منذ إنشائها. 

وفي الوقت نفسه، يجب على واشنطن أن تحاول إشراك سكان جنوب لبنان والاستفادة منهم، حيث لا يجني الكثير منهم فائدة تُذكر من "حزب الله"، أو صراعه الذي لا نهاية له مع إسرائيل، أو عمليات الإخلاء التي عانوا منها لعدة أشهر. وفي هذا الصدد، يوفر وجود قوات "اليونيفيل" ميزتين فعليتين: زيادة النشاط الاقتصادي وتقليل فرص التورط في اشتباكات مسلحة مع إسرائيل.

وإذا أرادت المدن الجنوبية جني هذه الفوائد، وفقا للباحث الأمريكي، فيُتوقع منها أن تطالب بشكل استباقي بمواقع ودوريات تابعة للأمم المتحدة وترحب بها، حتى عندما يثبت أن عمليات الانتشار هذه تطفلية في بعض الأحيان. وفي أفضل الأحوال، يعرب السكان المحليون أيضاً عن عدم رغبتهم في التسامح مع نشاط الميليشيات بطرق أخرى. 

وفي نهاية المطاف، قد لا يكون إصلاح قوات "اليونيفيل" ونشر الجيش اللبناني في الجنوب كافيين لمنع نشوب نزاع في المستقبل. ومع ذلك، لا تزال لدى واشنطن وإسرائيل مصلحة في تأجيل التصعيد.

 

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC