جدلية "السياسي والعسكري" تعيق حلّ الأزمة اليمنية
جدلية "السياسي والعسكري" تعيق حلّ الأزمة اليمنيةجدلية "السياسي والعسكري" تعيق حلّ الأزمة اليمنية

جدلية "السياسي والعسكري" تعيق حلّ الأزمة اليمنية

بعد أكثر من ثلاثة أشهر على انطلاق محادثات السلام اليمنية في الكويت، لا تزال نقاط الخلاف المركزية بين طرفي الصراع ترواح مكانها دون أن تبدو إمكانية التوصل إلى حل للأزمة السياسية والعسكرية المتفاقمة منذ 2014 قريبة.

ورغم التفاؤل الذي صاحب استئناف الجولة الثانية لمحادثات الكويت، خصوصًا مع تصريحات نائب رئيس الحكومة الشرعية ووزير خارجيتها ورئيس وفدها إلى المحادثات عبدالملك المخلافي، في افتتاح جلسات هذه الجولة، والتي أشار فيها إلى استعداد الحكومة الشرعية لاستثمار ما وصفه بالفرصة الأخيرة لاحلال السلام في اليمن، والتزام الوفد الحكومي بما تم التوافق عليه في جلسات الجولة الأولى، إلا أن الصورة العامة للاتفاق المنشود لاتبدو واضحة حتى الآن.

وتتركز أبرز نقاط الخلاف بين وفد الحكومة الشرعية ووفد الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في أولوية السياسي أو العكسري؛ ففي حين يتمسك وفد الشرعية بأسبقية الاتفاق على الشق الأمني والعسكري قبل الخوض في الترتيبات السياسية، يتمسك وفد الحوثيين – صالح على أن بحث الشأن السياسي والتوافق على حكومة شراكة وطنية يسبق إنهاء "مظاهر السلاح".

ووصف محللون نقطة الخلاف هذه بـ"الصخرة الكأداء"، ففي الوقت الذي لا يمكن لوفد الحكومة الشرعية وداعميه السعوديين تحديدًا القبول بإشراك من يوصوفون بالانقلابيين المدعومين من إيران في حكومة شراكة وطنية، قبل قبول الجماعة الحوثية وأنصار صالح بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والتي نصت على تسليم الحوثيين وميليشيا صالح السلاح والانسحاب من المناطق التي يسيطرون عليها، لا سيما العاصمة صنعاء، ومن المنشآت ومؤسسات الدولة التي يحتلونها، قبل بحث مشاركتهم السياسية، فإن طرف الحوثيين – صالح، يرى في تسليم السلاح وإنهاء المواجهة المسلحة قبل الحصول على ضمانات الشراكة السياسية وضمانات الحصانة السياسية من أية ملاحقات قضائية، أمرًا يشبه الاستسلام.

المقربون من ملف الأزمة اليمنية يرون أن خيارات الحوثيين وأنصار صالح محدودة، خصوصًا وأن ميزان المواجهة العسكرية ليس في صالحهم باي حال من الأحول، وأن دخولهم محادثات الكويت هي محاولة لفتح ثغرة في حائط قرار مجلس الأمن 2216 من جهة، وشراء الوقت وتأجيل دخول قوات الحكومة الشرعية المدعوة من قوات التحالف العربي بقيادة السعودية إلى العاصمة صنعاء من جهة ثانية، وهذا ما يفسر حذر الحوثيين وأنصار صالح عدم الرفض العلني لما يعرف بمرجعيات الحوار المتمثلة في قرار مجلس الأمن  والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، لكنهم  في الوقت ذاته يتمسكون بموقفهم على تقديم الجانب السياسي على العسكري.

ويُصر الحوثيون وأنصار صالح على تأسيس حكومة انتقالية أو "مجلس رئاسي" بديل عن حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي وعلى إخراج خصومهم من هذا المجلس الرئاسي، خصوصا نائب الرئيس على محسن الأحمر خصم صالح والحوثيين الكبير. وهو ما يعده وفد الحكومة محاولة من وفد الحوثيين – صالح لرفع الشرعية عن الحكومة الشرعية التي يمثلها في محادثات الكويت.

ويرى محلل يمني مستقل أن جماعة أنصار الله الحوثية وحزب الرئيس المخلوع صالح يراهنون على أن إطالة أمد الأزمة في اليمن يضعف من تماسك التحالف العربي الداعم لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وبالتالي من تماسك وحدة صف الحكومة الشرعية ومن داعميها المحليين، وعلى الجبهة الأخرى من المواجهة يقدم للجماعة الحوثية وحزب صالح مخرجا من الأزمة إما بالحصول على حصة في حكومة ما بعد الأزمة، وإما في الحصول على حصانة كتلك التي وفرتها المبادرة الخليجية لصالح وأنصاره بعد احتجاجات 2011.

غير أن الوضع في اليمن منذ انقلاب الحوثيين وأنصار صالح على الحكومة الشرعية في شتاء 2014 اختلف عما كان عليه في 2011-2012، وأن الحصانة من الملاحقة القضائية التي وفرتها المبادرة الخليجية لعلي عبدالله صالح ونظامه مقابل القبول بالمطالب الشعبية بالتنحي عن السلطة، لا يمكن توفيرها لجماعات وميليشيات مسلحة مدعومة إيرانيا انقلبت على الحكومة الشرعية واحتلت مؤسسات الدولة في 2014.

إنما ورغم الغيوم الكثيرة التي تلبد سماء محادثات الكويت، إلا أن الجولة الأولى من المحادثات التي بدأت في 21 أبريل الماضي، نجحت في اتفاق الطرفين على تشكيل لجان أمنية وسياسية وإنسانية مشتركة لبحث النقاط الخمس التي تضمنها قرار مجلس الأمن 2216 والتي تنص على انسحاب الحوثيين وقوات صالح من المدن التي سيطرت عليها منذ الربع الأخير من العام 2014، وبينها العاصمة صنعاء ، وعلى تسليم الأسلحة الثقيلة للدولة، واستعادة المؤسسات الرسمية، ومعالجة ملف المحتجزين السياسيين والمختطفين والأسرى، وبحث خطوات استئناف العملية السياسية، غير أن لا طرفا الصراع ولا الأمم المتحدة التي ترعى المحادثات اتفقت على جدول زمني محدد لتحقيق نقاط القرار الأممي الخمس هذه.

وكان المبعوث الأممي إلى اليمن الموريتاني ولد الشيخ أحمد، كشف أن رؤية الأمم المتحدة لحل الأزمة اليمنية تشمل إجراء الترتيبات الأمنية التي ينص عليها قرار مجلس الأمن في شأن اليمن، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على إعادة تأمين الخدمات السياسية وإنعاش الاقتصاد اليمني، ويكون من مهامها الإعداد لحوار سياسي يضمن مشاركة للمرأة والشباب ومشاركة جنوب اليمن في مستقبل البلاد، ويحدد الخطوات التالية للتوصل إلى حل سياسي شامل، ومنها صياغة قانون جديد للانتخابات، وتحديد مهام المؤسسات التي ستدير المرحلة الانتقالية، والانتهاء من مسودة الدستور، وإيجاد آليات مراقبة وطنية ودولية لمتابعة ودعم تطبيق ما تتوصل إليه الأطراف من اتفاقيات.

غير أن رؤية الأمم المتحدة هذه لم تلقَ ترحيبًا من طرفي الصراع، ففي حين اعتبرها رئيس وفد الحوثيين محمد عبد السلام بأنها لا تلبي مطالب جماعته في وجود سلطة توافقية تشمل مؤسسات الدولة ومؤسسة الرئاسة وتشكيل حكومة وطنية وتشكيل لجنة عسكرية بمهام وشخصيات متوافق عليها وبقرار يصدر من السلطة التوافقية وفك الحصار وإنهاء الحرب، وصفها رئيس وفد الحكومة الشرعية عبدالملك المخلافي بأنها تهدد بنسف المحادثات برمتها؛ ذلك أن الحكومة ترفض الشراكة مع جماعة وميليشيا عسكرية انقلبت على الدولة والشرعية.

إن عودة فرقاء السياسة والسلاح إلى جولة محادثات جديدة في الكويت، تعطي أملاً في إمكانية التوصل إلى حل أو إلى مدخل لحل للأزمة، لكنه أمل مشوب بتحديات ومعيقات كثيرة، أهمها جدلية السياسي والعسكري وأيهما يسبق الآخر.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com