يمنيون في الحديدة.. حياة رمضانية بلا ترف "الكهرباء"‎
يمنيون في الحديدة.. حياة رمضانية بلا ترف "الكهرباء"‎يمنيون في الحديدة.. حياة رمضانية بلا ترف "الكهرباء"‎

يمنيون في الحديدة.. حياة رمضانية بلا ترف "الكهرباء"‎

الحديدة ـ انهمك "شوقي محمد" في نقل أغراضه إلى الصندوق الخلفي للسيارة، والعرق يتصبب من جبينه، قبل أن يطلب من أطفاله الخمسة وزوجته استقلال السيارة؛ حيث أدار المحرك وانطلق بهم نحو قريته الواقعة في جبال وصاب بمحافظة ذمار، جنوب صنعاء، قائلاً لهم: "سنعود لبيتنا بعد أن ينتهي الحر".

يُبدي "شوقي" (33 عاماً/ميكانيكي سيارات)، وهو أحد سكان مدينة الحديدة منذ 23 عاماً، تذمره من الأوضاع التي آلت إليها المدينة الواقعة على ساحل البحر الأحمر، غربي البلاد؛ فـ"درجة الحرارة بلغت حداً لا يُطاق، وخاصة في شهر رمضان؛ حيث تزداد مشقة الصيام في مثل هذا الجو الحار".

ورغم أن الحديدة تُعد من كبريات المدن اليمنية، ويقطن فيها قرابة المليوني شخص، بالإضافة لكونها مركزاً تجارياً وخدمياً لمحافظات المنطقة الغربية، إلا أن أهلها يعانون، منذ عدة أسابيع، من انقطاع شبه تام للكهرباء؛ حيث لا تأتي إلا لساعات قليلة كل عدة أيام.

وتتعدد أسباب انقطاعات الكهرباء؛ ويأتي من بينها عدم كفاية الوقود اللازم لتشغيل "محطة رأس كثيب"، المحطة الوحيدة التي تغذي المدينة بالكهرباء، وتعرض بعض المحولات الكهربائية للسرقة، فضلا عن تهالك الشبكة الكهربائية.

ويسرد "شوقي" معاناته وأهل بيته من درجة الحرارة العالية، وعجزهم عن التخفيف منها عبر مبردات الهواء أو المراوح في ظل انقطاع الكهرباء شبه التام.

ويصف مدينته بأنها أصبحت "منكوبة"، قائلاً إن "درجة الحرارة المرتفعة التي وصلت في حدود 45 درجة مئوية، لا تسمح لأطفاله بالنوم، بينما لا يستطيع كبار السن مواصلة الصيام في ظل هذا الوضع الحرج".

ويتابع: "مع انقطاع الكهرباء استفحلت الأزمة بشكل مبالغ. الآن ربما تنقضي أشهر طويلة، ونحن نكتوي بحر الصيف، ولم أجد بداً من نقل أسرتي إلى القرية ذات الجو اللطيف"؛ حيث سيقيم هناك في منزل الأسرة الذي يسكن فيه عمه.

الأوضاع المنهارة في المدينة دفعت "شوقي" إلى المشاركة، مؤخراً، في مظاهرات نظمها العشرات من السكان، وفي مسيرة ليلية بالشموع جابت الشوارع الرئيسة؛ احتجاجاً على الانهيار الحاصل في مؤسسة الكهرباء، وتجاهل جماعة "الحوثي"، التي تدير المدينة ما أسماه بـ"العذاب الجماعي للمدنيين".

وفي 5 يونيو/حزيران الجاري، وصلت إلى ميناء الحديدة، ناقلة نفط تحمل 5 آلاف و800 طن من المازوت، وقالت السلطات المحلية إن هذه الشحنة مخصصة لتشغيل "خط الكهرباء الساخن"، الذي يعول عليه في إمداد المستشفيات والجهات الحيوية في المدينة بالكهرباء. لكن مصدر محلي (طلب عدم الكشف عن هويته) قال للأناضول، إن الكمية غير كافية.

وجه آخر للمعاناة

وبينما كان أمام "شوقي" بديلاً تمثل في السفر إلى القرية والإقامة بها حتى تمر شهور الصيف الحارة، لم يجد آخرون سوى المبيت خارج المنزل.

ومن هؤلاء "عبدالغني محمد علي"، (42 عاماً/موظف بمستشفى حكومي)، والذي يقول للأناضول، إن انقطاع التيار الكهربائي فاقم من ارتفاع درجة الحرارة في هذا الموسم المتزامن مع شهر رمضان.

ويتساءل مستنكراً: "كيف سنقضي صيام هذا اليوم الطويل في ظل هذه الحرارة؟"،  وذكر بأنه وأولاده والعشرات من سكان حي الدهمية وسط المدينة، اضطروا إلى النوم خارج المنازل.

ويردف موضحاً: "نحن ننام على أبواب منازلنا، من أجل أن تسعفنا نفحة من الجو البارد؛ فالمبيت بجانب النفايات ومياه الصرف الصحي والكلاب والفئران، أهون لنا من النوم في منازلنا في ظل الارتفاع الشديد في درجة الحرارة".

وتفاقمت الأزمة الإنسانية مع انقطاع الكهرباء في المدينة والمديريات الواقعة في محيطها، وبلغ الأمر حد قيام بعض الناشطين الإلكترونيين بتوجيه نداءات عاجلة للمنظمات الأممية، بسرعة إغاثة المدينة، وإعلانها "مدينة منكوبة".

طلاب المدارس اضطروا إلى أداء امتحاناتهم النهائية، التي جرت مؤخراً، وهم عراة الأجساد؛ حيث شرع المئات في خلع قمصانهم، بينما كانت المراوح الكهربائية متوقفة، والعرق يتصبب من وجوههم السمراء.

وازدادت معاناة المدنيين مع انقطاع إمدادات المياه عبر الشبكة العامة بسبب عدم تزويد محطات الضخ بوقود بالكهرباء؛ مما اضطر العشرات إلى الوقوف في طوابير طويلة أمام مضخات أهلية، يدعم تشغيلها متبرعون وفاعلو الخير؛ بُغية الظفر بعبوة من المياه، سعة 20 ليتراً.

وضعيات صعبة

القطاع الطبي في المدينة كان الأكثر تضرراً؛ فالكهرباء بالنسبة له قد تمثل مسألة حياة أو موت. ورغم اعتماد المستشفيات على "الخط الساخن" في التزود بالكهرباء، إلا أن الأخير يتوقف عن العمل لساعات طويلة.

وفي مثل هذه الظروف، تلجأ المستشفيات إلى الكهرباء التي تنتجها المولدات الخاصة التابعة لها، للإبقاء على تشغيل أجهزة طبية ضرورية لحياة بعض المرضى، لكن هذه المولدات، أيضا، تعمل لساعات ثم تنطفئ؛ حيث لا يمكن أن تواصل العمل طيلة اليوم، وإلا أصابها العطل.

وفي قسم مرضى الفشل الكلوي بـ"مستشفى العلفي" الحكومي، يهدد الموت العشرات من المرضى، ويقول أحد المرضى للأناضول، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه: "نعيش بين الحياة والموت، في الوقت الذي ينقطع التيار الكهربائي عن القسم"، مضيفاً: "نموت في اليوم عشرات المرات".

مدير الصحة في محافظة الحديدة، "عبدالرحمن جار الله"، كشف، من جانبه، عن أن العديد من مرضى السكري والضغط، لقوا حتفهم بفعل ارتفاع درجة الحرارة، بالإضافة إلى عديد من الأطفال خصوصاً حديثي الولادة (لم يذكر رقماً محدداً)، في الوقت الذي انتشرت أمراض جلدية مرتبطة بارتفاع درجة الحرارة.

وبيّن أن انقطاع الخط الساخن عن المستشفيات سبب أزمة كبيرة للقطاع الصحي؛ حيث وجد آلاف المرضى مصيرهم بين الحياة والموت، من بينهم المرضى الذين يرقدون في العناية المركزة، والمحتاجين إلى خدمات طبية عاجلة.

وأوضح "جار الله" أن المستشفيات بدأت تعمل على مولدات كهربائية قُدمت من منظمات إغاثية أو من رجال الأعمال.

وكانت تقارير إعلامية تحدثت عن وفاة 103 من المواطنين في مستشفيات الحديدة جراء انقطاع الكهرباء وارتفاع درجة الحرارة، إلا أن "جار الله" لم يستطع تأكيد ذلك أو نفيه.

حلول ابتكارية

بعض سكان الحديدة في اليمن لجأوا إلى حلول ابتكارية لتجاوز أزمة انقطاع الكهرباء فـ"الحاجة أم الاختراع".

إذ صنع "حيدر الكامل"، (موظف/35 عاما)، منظومة صغيرة من الطاقة الشمسية؛ لتوليد كهرباء كفيلة بأن تدير مراوح غرف منزله الصغيرة، لكنه أشار إلى أن عملية توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية ليست كفيلة بوضع حد للمعاناة.

وأوضح للأناضول "أجهزة التكييف لا تعمل وفق الكهرباء الموّلدة من الطاقة الشمسية".

أيضاً، استعان بعض سكان المدينة بالمولدات الكهربائية الصغيرة، لكن الارتفاع الحاد في أسعار المشتقات النفطية المتوفرة في السوق السوداء، فاقم من مشكلات توليد التيار الكهربائي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com