متسوق محمد بن راشد السري
متسوق محمد بن راشد السريمتسوق محمد بن راشد السري

متسوق محمد بن راشد السري

تاج الدين عبد الحق

لنجاح دبي قصة غير تلك التي يراها الناس، تفاصيلها غير، وأبطالها غير. رسموا نجاحهم بيدهم، وكانت أعمالهم سببا في تسليط الضوء عليهم، أو في انحساره عنهم. ومعظم الذين نراهم اليوم في صدارة الأحداث والنشاطات التي تشهدها دبي لديهم قصص تروى، أومواقف رسمت طريق نجاحهم، وأهلتهم للتقدم للصفوف الأولى، أوأرجعتهم لمؤخرة الركب، أو أخرجتهم من بين الصفوف.

ولا أزعم أنني أعرف كل هذه القصص، أو أن لدي صلة مباشرة بكل أبطالها، لكني كنت من بين الذين لفتتهم سرعة التطور الوظيفي لبعض الأشخاص، وسرعة وصولهم إلى أعلى المناصب، كما لفتني، في نفس الوقت الحسم والحزم، الذي تتخذ به قرارات تعيد من أصابهم الغرور والكبر، إلى أحجامهم الحقيقية، أو تنزل بهم إلى درك النسيان.

وقفت على تفاصيل قصة من تلك القصة، في حوار مع محمد القرقاوي، قبل أن يصبح وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء بدولة الإمارات، وقبل أن يكون في دائرة الضوء إلى هذا الحد، لكن كان واضحا أن نجم الرجل في صعود، وأن الأعباء التي كلف بها في دبي تضعه في صدارة المشهد، وفي بؤرة الأحداث.

يومها سألت القرقاوي عن سر التطور السريع، الذي رفعه من رئيس قسم في دائرة الاقتصاد في دبي، ليكون ملء السمع والبصر في مجالات عمل ومواقع قيادية لا يصلها الناس إلا بشق النفس .

يومها روى الرجل قصة المتسوق السري، الذي يرسله الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الامارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، ليبحث عن مواهب، وقيادات من الميدان لتكون ضمن الدائرة التي تتخذ فيها القرارات الإستراتيجية وتخطط فيها المشاريع الكبرى .

والمتسوق السري الذي يرسله محمد بن راشد - كما علمت - ليس فردا بعينه، ولا شخصا واحدا محددا، بل هم مجموعة من الأشخاص يرسلون للدوائر والمؤسسات كما لو كانوا مراجعين عاديين، ليقوموا خلال وجودهم في الدائرة برصد أداء الأشخاص وأسلوب وسلاسة تعاملهم مع الجمهور، ومدى تفانيهم في أداء واجباتهم. وكان من مواصفات المتسوق السري في كل دائرة ألا تكون له معرفة مسبقة لا بمدير الدائرة ولا بالمتنفذين بها، وأن يحرص المتسوق ما أمكن ألا يفصح لأحد عن شخصيته، وأن يتعامل بروح المراجع العادي. وكانت التقارير التي ترسل لديوان الحاكم تتضمن ملاحظات وافية عمن تتوفر فيهم صفات قيادية ومواهب إدارية، وكان هؤلاء يتابعون عن بعد للتأكد من سلامة التقييم وصحة التقدير .

وكان القرقاوي واحدا من أولئك الذين خضعوا دون علمهم للتجربة، وحسبما قال لي: فإنه بعد سنوات من عملة في الدائرة الاقتصادية أراد أن يبدأ عملا خاصا فقدم استقالته، ووصلت رغبته تلك إلى الشيخ محمد بن راشد الذي كان بالفعل قد وضعه على "شبكة راداره" كأحد المساعدين المحتملين. وقال إنه فوجيء باستدعاء من الديوان لمقابلة الحاكم، حيث سأله الشيخ محمد عن أسباب رغبته في الاستقالة، وعما إذا كانت لديه أسباب غير تلك التي أوردها في طلب الاستقالة. وعندما أبلغه القرقاوي أنه يرغب في أن يباشر عملاً خاصاً يحسن به وضعه، ويستفيد من الفرص الكثيرة في العمل الخاص، فوجيء بالشيخ محمد يقول له فرصتك معنا.

بعدها مباشرة كلف القرقاوي بالإشراف على مهرجان دبي للتسوق الذي نجح نجاحا باهرا، وأصبح علامة من علامات الجودة في دبي ونموذجا تحاكيه دول عديدة، بعد ذلك تكاثرت المشاريع التي كلف بها القرقاوي للدرجة التي أشفق الكثيرون عليه من عبئها وعددها. بعدها أصبح وزيرا في الحكومة الاتحادية لشؤون مجلس الوزراء، وهو منصب لم يبعده رغم مافيه من مسؤوليات، عن دائرة متشابكة من الواجبات المحلية  في دبي .

القرقاوي نموذج واحد من نماذج نجاح كثيرة تحيط بالشيخ محمد، وقصص نجاحها وتطورها لا بد أن يرويها أصحابها لأبنائهم وللأجيال المقبلة ، لكن قصص النجاح تلك، لا تحجب قصصا أخرى عن أشخاص أصابهم الغرور واعتقدوا أن قربهم من الحاكم حصانة لهم، ومبرر للتكبر أو وسيلة للفساد والافساد، فوجدوا أنفسهم بعد حين عرضة للمساءلة، ليصبحوا صفحة أخرى من صفحات نجاح دبي، ومثلا يؤكد أنها لم تحتفِ بالمواهب والمخلصين فقط، بل كانت عينا تراقب الفساد والمفسدين.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com