القوة العربية المشتركة فزعة أم ناتو عربي؟
القوة العربية المشتركة فزعة أم ناتو عربي؟القوة العربية المشتركة فزعة أم ناتو عربي؟

القوة العربية المشتركة فزعة أم ناتو عربي؟

تاج الدين عبد الحق



فكرة تشكيل قوة مشتركة بين الدول العربية ليست جديدة، بل إن البعض يرى فيها اجترارا، لطروحات سابقة، وإعادة إنتاج لمشاريع بدت للكثيرين، عند طرحها أول مرة، بأنها محاولات رومانسية، لم تغير الكثير على أرض الواقع. أو هياكل ورقية، وتشكيلات احتفالية، سرعان ما تآكلت، وعلاها الصدأ، بعد أن ظلت زمنا طويلا، رهينة قرارات سياسية، تتوافق حينا وتختلف أحيانا.

وبإستثناء مشاركات رمزية، في مواجهة تهديدات تعرضت لها دول عربية في أوقات مختلفة، فإن تجارب تشكيل قوة عربية مشتركة، اتخذت شكل "هبات أو فزعات" إما لذر الرماد في العيون أو لرفع العتب. حتى تلك التي شُكِّلت في إطار اتفاقية الدفاع المشترك وتحت مظلة جامعة الدول العربية لم تكن مشجعة، ولم تنجح في تحقيق الآمال التي علقت عليها. طبعا هذا لا ينتقص من تضحيات الجنود العرب في جبهات القتال مع إسرائيل منذ نكبة فلسطين وحتى آخر الحروب معها.

ما نقصده هنا أن الدول العربية فشلت إلى اليوم في تكوين قوة مشتركة دائمة، قادرة على الردع وقابلة للتطور، بالرغم من تعدد التهديدات التي تعرضت لها الدول العربية والتي كانت – وياللعجب - مثماثلة في الجوهر وإن اختلفت في التفاصيل.

ولمن يريد أن يستعيد تاريخ العرب على هذا الصعيد، يمكن القول إن أول تجربة في التاريخ العربي الحديث، هي تجربة القوة العربية التي تم تشكيلها لمواجهة تهديدات الزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم، للكويت في نهاية الخمسينات، ثم كانت تجربة قوات الردع العربية في لبنان التي شاركت فيها قوات رمزية عربية، أعطت للقوات السورية شرعية التدخل في لبنان، وغطته من الناحية السياسية. ثم كان تشكيل قوات درع الجزيرة بواسطة دول مجلس التعاون، والتي ثبت أنها لم تكن قادرة بحجمها وطريقة تشكيلها، على مواجهة التهديد الذي كان سببا في إنشائها، وهو تأمين دول المجلس من تداعيات الحرب العراقية الإيرانية، التي جعلت دول المجلس في مرمى الخطر، وعلى حافة التهديد.

بعد ذلك جاء غزو الكويت الذي فرض معادلة جديدة، فأصبح التهديد أكبر من طاقة الذين تعرضوا له. في ذلك الوقت لم يكن النظام العربي يسمح باستدعاء معونة من الخارج، إلا إذا لبست عباءة عربية، فجاءت مشاركة الدول العربية أشبه بمظلة للتدخل الأجنبي وشرعنة له.

ولم تحُل الخلافات العربية في ذلك الوقت من الوصول إلى صيغة نادرة، سمحت بمشاركة القوات السورية في عمليات تحرير الكويت، مع أن القاصي والداني، كان يعلم أنها تتم تحت إمرة قيادة أمريكية.

بعد تحرير الكويت، كُسِر التابوه، الذي كان يمنع الدول العربية من الاستعانة بالقوات الأجنبية والتحالف معها، بل إن مثل هذه المعونة أصبحت مطلوبة، والسعي إليها أصبح عاديا. وبدا للعديد من الأنظمة العربية وبعض الفعاليات الفكرية والسياسية، أن التحالف مع الدول الغربية لم يعد مشروعا فحسب، بل مفيدا ورادعا أيضا، خاصة في وجه القوى الإقليمية الطامعة أو التي تهدد الأمن الإقليمي.

كان من نتيجة ذلك، أن تباطأت فكرة إنشاء قوى ردع عربية مستقلة، وظلت حتى القوى العسكرية المشتركة القائمة، مكملا شكليا لقوى التحالف الدولي، التي أصبح لها وجودا دائما وحضورا مستمرا.

كان يمكن لهذه الترتيبات أن تستمر، لكن بعد تجربتين مريرتين في أفغانستان والعراق، وجدنا أن قوى التحالف لم تعد قادرة على تقديم البديل المطلوب، وتبين مع أول التحديات التي تواجهها المنطقة، بعد انسحاب أمريكا من أفغانستان ومن بعد من العراق، أن فكرة نشر قوات برية غربية في المنطقة لم يعد واردا، وأن وجود قوات برية بديلة لمواجهة تهديد مثل "داعش" أصبح أمرا حيويا، بعد أن ثبت أن الضربات الجوية، ليست قادرة على الحسم، خاصة بعد أن تجاوز التهديد النطاقات الجغرافية المعتادة ليصبح تهديدا للإقليم برمته.

اليوم الإقليم العربي بكامله في مرمى التهديد. تهديد إرهابي، في العراق وسوريا، وعلى أبواب الأردن والسعودية، واختراق إيراني في سوريا واليمن ومن قبل للبحرين، وتهديد خطِرٌ وجدي، لمصر من الشرق حيث تنشط قوى متطرفة في سيناء، ومن الغرب حيت تنتشر قوى متطرفة ومليشيات مسلحة على طول الحدود المصرية الليبية.

التهديد اليوم في قلب العالم العربي، حيث لا يمكن مواجهته، والتصدي له عن بعد. كما أن طبيعته أصبحت مختلفة، فهو أشبه بالمرض السرطاني الذي تستحيل معه المعالجة بالمسكنات والمهدئات. وعندما تتداعى الدول العربية التي تستشعر هذا التهديد لتشكيل قوة عربية مشتركة، فإنها تدرك أن المواجهة مع قوى الشر أصبحت فرض عين عليها، ولم يعد مأمونا الانتظار أو الاعتماد على فزعة الآخرين من خارج الإقليم، ولا على النخوة الأخوية، وباتت المواجهة تتطلب "ناتو عربي" يحقق الأمن المستدام للمنطقة، ويحميها من أطماع الآخرين.

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com