بين بلح الشام وعنب اليمن
بين بلح الشام وعنب اليمنبين بلح الشام وعنب اليمن

بين بلح الشام وعنب اليمن

تاج الدين عبد الحق



"ما طال بلح الشام ولا عنب اليمن"

مثل أشبه بالنبوءة. قيل فيمن تتغيرأمامه الأولويات، وتختلط عنده الحسابات. فيحسب أن شهرة الشام ببلحها، وشهرة اليمن بعنبه. ولعل المثل قيل في أعرابي من الحجاز، كان يبحث عن الرزق في وقت عسرة وضيق، وكان قد استعد للذهاب إلى اليمن للحاق بموسم العنب هناك. لكنه صادف في طريقه أحد معارفه الذي كان عائدا لتوه من الشام فذكر له، عن بلح في الشام حان قطافه، واستحلى مذاقه. وقيل إن الأعرابي غيّر طريقه قاصدا الشام للحاق بموسم البلح.

وحسب الراوي فإن الرجل عندما اقترب من أرض الشام، قابل أعرابا عائدين، فاستفسر منهم عن حال بلح الشام، فاستنكروا سؤاله، لأن موسم البلح لم يكن قد حل بعد، وذكَّروه بأن موسمه في الشام يتزامن مع موسمه في الحجاز. وقال الرواة إن الأعرابي، طفق راجعا، ليلحق بموسم العنب في اليمن، لكنه لم يصل إلى هناك إلا بعد انتهاء الموسم ليكون مثلا "لمن يتردد بين أمرين، أو الذي يتروى أكثر من اللازم، ولا يحسب العواقب كما يجب.

وبغض النظر عن دقة القصة وتفاصيلها، فإنها تختصر عند استعادتها اليوم، دلالات كثيرة لتوصيف الأحوال، والأوضاع التي تمر بها المنطقة، وتبقى عبرة تنبه لما يتهدد حاضرها من مخاطر، ومستقبلها من احتمالات.

فعند اندلاع الأزمة السورية، وجد البعض في هذه الأزمة، فرصة لتقليم الأظافر الإيرانية، التي كانت قد نشبت في العراق، وطالت من سوريا إلى لبنان. كان الظن أن الأزمة لن تطول، وأن "الخريف العربي" لن يكون أرحم بالنظام السوري، من الأنظمة التي أسقطتها رياح الخريف.

لكن ما اعتبرناه نزهة، أصبح متاهة، والأزمة التي كانت حصرا في نظام جائر تحولت مع الوقت، إلى أزمات تهدد الإقليم برمته، وما كنا نعتبره مخرجا يجنب المنطقة طموحات إيران المتحفزة للتوسع والتمدد، أصبح مستنقعا تتكاثر فيه الأجندات، وتتقاطع فيه المصالح. وبدلا من أن تترك إيران تغرق لوحدها في المستنقع، غرق الجميع من حولها، فيما أُعطيت هي حبل نجاة مكنها من التمدد لا في سوريا فقط، بل على امتداد الإقليم، كما فتح أمامها نافذة مناورة تعيدها إلى المسرح الدولي لاعبا مطلوبا، بعد أن كانت طرفا معزولا.

لم يفطن أحد، إلى أن المجموعات الجهادية المتطرفة التي كان الجميع يتسابق في إرسالها حيناً، أو دعمها أحيانا، ويسكت عن تسريبها ظنا منه، بأنها تستنزف إيران وحلفاءها، سترتد سلاحا فتاكا يشوه صورتنا إلى هذا الحد، ويشل حركتنا إلى هذه الدرجة.

بفعل الآثام والفضائع التي ارتكبت باسم المعارضة أو الدين، لم يعد بمقدور أحد توفير مظلة حماية، أو حزمة رعاية، بعد أن بات من الصعب الفصل بين من هو المتطرف والإرهابي الذي تجب محاربته، ومن هو المعارض والمظلوم، الذي يستحق الدعم والمساعدة.

خلط الأوراق هذا، أفاد إيران وقدمها كشريك ناضج للمجتمع الدولي في محاربة الإرهاب والتصدى للتطرف. ولم تكتف إيران بهذه الشهادة، التي كانت تحتاجها للخروج من عزلتها، بل عمدت إلى استثمارها في محادثاتها النووية لتتحول من محادثات سمتها الضغط والإملاء، إلى طريق، باتجاهين، سمته العناد والتكافوء، لا تحصد فيه إيران إلا ما تزرع، ولا تدفع منه إلا كما تقبض.

وفيما كان الجميع منصرفا لما يحدث في سوريا والعراق، وفيما خطر التطرف يقترب من الدول المحاددة لهما، كان السيناريو الإيراني في اليمن ينفذ بالتدريج على مرأى ومسمع الجميع. والحوثيون الذين كانوا رقما هامشيا في المعادلة السياسية الداخلية، تحولوا إلى رقم صعب في معادلة الإقليم، وُوضع اللاعبون الإقليميون والدوليون أمام خيارين أحلاهما مر، إما التصدي للحركة الحوثية الموالية لطهران، وهو ما يعني حكما، تحالفا مستحيلا، مع قوى إسلامية متطرفة ترتبط بالقاعدة، أو المراهنة على قوى سياسية وقبلية، فاقدة للحيلة، أو منزوعة الدسم العسكري.

وقد ظهرت ملامح هذا الخيار الصعب عندما انتقل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى عدن، ليتبين أن الشرعية السياسية التي يتمتع بها الرئيس، غير قادرة على مقارعة القوة العسكرية التي يتمتع بها خصومه، وليصبح اليمن في ظل هذه المعادلة الصعبة جرحا جديدا في دائرة مواجهة تتسع باستمرار، ضمن دوامة يستحيل فيها الحصول على شئ من بلح الشام، فيما يبدو عنب اليمن صعب المنال.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com