تعمق إسرائيل معاناة سكان غزة من خلال السماح بدخول بضائع غير أساسية من معبر كرم أبو سالم التجاري، الواقع جنوبي القطاع، فيما تشدد إجراءاتها على دخول السلع والمواد الأساسية، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها وندرتها بالأسواق.
وفي إطار هذه السياسة، تعمل إسرائيل على زيادة معاناة الغزيين، خاصة أنهم يفتقدون لأدنى الاحتياجات الأساسية، كالملابس والأحذية ومواد التنظيف والأغذية الأساسية، الأمر الذي يعتبره السكان جزءًا من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال النازح من شمال القطاع إلى وسطه، هيثم أبو سمهدانة، إنه "يبحث منذ أشهر عن العديد من المواد والسلع الأساسية في الأسواق؛ إلا أنه لا يجد أيًا منها إلا بكميات قليلة للغاية، وبأسعار مرتفعة جدًا عن أسعارها الأصلية".
وأوضح أبو سمهدانة، لـ"إرم نيوز"، أن "سكان القطاع والنازحين يعانون الأمرين من أجل الحصول على الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية"، لافتًا إلى أن "الاحتلال يتعمد حرمان السكان من تلك الاحتياجات".
وأشار إلى أن "ما يتوفر في الأسواق مواد غير أساسية، ولا تلبي الاحتياجات الخاصة بالنازحين والسكان"، مشيرًا إلى أن ذلك يزيد معاناة الأسر خاصة في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي تعيشها.
وأضاف أبو سمهدانة أن "ما يدخل من مساعدات إنسانية وبضائع تجارية لا يتناسب مع الأوضاع التي يعيشها سكان القطاع، لكننا نضطر لشرائها كبدائل لما نحتاجه"، مطالبًا بالضغط على إسرائيل من أجل إدخال البضائع الأساسية.
من جانبه، يرى الخبير في الشأن الاقتصادي، حامد جاد، أن "إسرائيل تتبع منذ بداية الحرب سياسة اقتصادية تهدف إلى تدمير الاقتصاد في قطاع غزة، وإيقاع أكبر خسائر ممكنة به، على اعتبار أن الاقتصاد أحد أوجه التمويل المالي لحركة حماس".
وقال جاد، لـ"إرم نيوز"، إن "إسرائيل تتعمد إغراق الأسواق في قطاع غزة بالسلع والمواد غير الأساسية"، مشيرًا إلى أن ذلك يزيد بشكل كبير من معاناة السكان وفئة النازحين، خاصة مع فقدان الأسواق لأهم السلع.
وأضاف أن "هذه السياسة نجحت في تدمير القدرة الشرائية للسكان، كما أنها أثرت بشكل كبير على فئة التجار وأصحاب رؤوس الأموال الأصليين، وتسببت بخلق شريحة جديدة من التجار عديمي الخبرة بالأسواق والحاجات التسويقية".
وبين أن "القرارات الاقتصادية الإسرائيلية التي تنفذ في الوقت الحالي بشأن قطاع غزة، سيكون لها تأثير كبير وبعيد المدى على الوضع الاقتصادي في غزة"، محذرًا من خطورة الاستمرار في منع إدخال المواد الأساسية إلى القطاع.
وتابع جاد: "خلق شريحة جديدة من التجار عديمي الخبرة سيكون له الأثر السلبي الكبير على القطاع، كما أن فقدان السلع الأساسية سيزيد من معاناة السكان وفئة النازحين بشكل خاص"، مشددًا على ضرورة حماية اقتصاد غزة والعمل على إعادة ترميمه.
وختم قائلًا: "بتقديري خسائر الاقتصاد في غزة ستكون بالمليارات، وسيحتاج القطاع الاقتصادي لسنوات طويلة من أجل التعافي"، مرجحًا أن تستمر إسرائيل في سياساتها الاقتصادية تجاه قطاع غزة لسنوات طويلة، حتى بعد انقضاء الحرب.
وبحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، فإن الحرب المتواصلة في قطاع غزة تسببت في انخفاض غير مسبوق في النشاط الاقتصادي بالضفة الغربية وغزة، مبينًا أن الحرب أوقفت عمليات الإنتاج في غزة، وتسببت بفقدان مصادر الدخل وتفاقم الفقر.
وبين المؤتمر، أنه "رغم عدم المعرفة بحجم عمليات التدمير التي طالت القطاع الاقتصادي؛ إلا أن المعطيات الأولية تفيد بأنها تقدر بعشرات المليارات"، مؤكدًا أن الوصول إلى مستوى ما قبل الحرب على غزة يتطلب عشرات الأعوام.
ووفق المؤتمر، فإن الخسائر الاقتصادية بغزة كارثية، خاصة أن إجمالي الناتج المحلي في غزة انخفض بنسبة 81% في الربع الأخير من عام 2023، ما أدى إلى انكماش بنسبة 22% للعام بأكمله، كما أن اقتصاد غزة تراجع إلى أقل من سدس مستواه خلال العام الجاري.
وأكدت تقارير المؤتمر، أنه في مطلع العام الجاري تم إتلاف ما بين (80 - 96)% من السلع الزراعية في غزة، بما في ذلك شبكات الري ومزارع المواشي والبساتين والآلات ومرافق التخزين، علاوة على تدمير 82% من الشركات التي تعتبر المحرك الرئيس للاقتصاد في القطاع الفلسطيني.