سفراء فرنسيون في العالم العربي يتمردون على موقف ماكرون من حرب غزة
في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الدبلوماسية الفرنسية الحديث، وقَّع سفراء فرنسيون "وثيقة معارضة" لسياسة وموقف الرئيس إيمانويل ماكرون في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس.
ونقلت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية واسعة الانتشار عن مصادر دبلوماسية أن عددًا من سفراء فرنسا في العالم العربي وقّعوا وثيقة انتقدوا فيها سياسة ماكرون من الحرب الدائرة رحاها حاليًّا في الشرق الأوسط، وأن السفراء الغاضبين قالوا "إن موقفنا الداعم لإسرائيل لم يكن مفهومًا في الشرق الأوسط منذ البداية".
وقال دبلوماسي فرنسي للصحيفة إن عدد السفراء الغاضبين يقارب العشرة، حرروا رسالة جماعية أرسلوها للخارجية والإليزيه، أعربوا فيها عن حيرتهم وأسفهم من موقف ماكرون من الحرب، وهو موقف أفقد فرنسا "مصداقيتها وتأثيرها" في العالم العربي.
وعارض الموقعون ما سمّوه "انحراف" الموقف المؤيد للدولة العبرية، مؤكدين أن ما قام به الرئيس أحدث قطيعة مع موقف فرنسا السابق من الصراع في الشرق الأوسط، وهو موقف "تقليدي متوازن بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، يحدث ذلك للمرة الأولى في تاريخ فرنسا الدبلوماسي الحديث في دول العالم العربي.
وتحدثت "لوفيغارو" لثلاثة دبلوماسيين فرنسيين سابقين اشتغلوا في بلدان بالشرق الأوسط والمنطقة المغاربية، وهم دنيس بوشارد وشارل هنري داغاكون وإيف أوبان ميسوزييغ. أجمعوا على أن خطوة السفراء الساخطة على ماكرون جماعية وغير مسبوقة في الشرق الأوسط.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي آخر، لا يزال يعمل حاليًّا بالخارجية الفرنسية، قريب من السفراء الساخطين، قوله: لقد تحملوا مسؤولياتهم وهم متضامنون، وهي مرحلة أولى". وهو يقصد أن السفراء الغاضبين قد يصعّدون احتجاجهم ويمضون قدمًا في رفضهم لسياسة ماكرون في التعاطي مع حرب غزة.
ورفضت الخارجية الفرنسية التعليق على الوثيقة الدبلوماسية محل الجدل؛ لأنها سرّية وفق ما نقلته عنها "لوفيغارو".
"يتهموننا بالتواطؤ في الإبادة الجماعية"
وأعرب الموقعون عن أسفهم من موقف الرئيس الفرنسي، لافتين إلى أن العديد من الدول العربية وجهت انتقادات شديدة اللهجة للولايات المتحدة وبريطانيا، وأيضًا إلى فرنسا، مستشهدين بالمظاهرات التي شهدها محيط مقرات سفاراتهم في هذه البلدان. وقال السفراء الغاضبون "يتم اتهامنا أحيانًا بالتواطؤ في الإبادة الجماعية".
ونقلت الصحيفة الفرنسية أنه منذ بداية الحرب، لم يعد بعض السفراء الفرنسيين قادرين على الوصول إلى بعض دوائر صنع القرار في البلدان التي يتمركزون فيها. كما تلقى أحدهم تهديدات بالقتل من متطرفين غاضبين من المواقف التي اتخذتها باريس إزاء الحرب بين حماس وإسرائيل.
ويقول المتمردون على ماكرون إن العديد من الدبلوماسيين الفرنسيين يدعمون مضمون رسالتهم وخطوتهم، وحذروا من أن أزمة الثقة بين فرنسا والشرق الأوسط "خطيرة" ومن المحتمل أن تكون "طويلة الأمد".
ونقلت "لوفيغارو" عن أحد الدبلومسيين الذي قرأ رسالة الغضب: "لقد واجهنا أزمات في الماضي مع الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، لكننا تمكنا من نزع فتيلها بسرعة كبيرة".
ونقل الدبلوماسي ذاته ما قاله السفراء الغاضبون الذين حذروا من خطورة سياسة ماكرون: "هذه المرة، انعدام الثقة فينا عميق.. إنهم يعتقدون أننا نخون أنفسنا، وأن خطابنا القائم على الإنسانية يتعارض مع نهجنا الجديد (نهج دبلوماسية ماكرون)، بالنسبة لهم، فرنسا بكلمتها البديلة لم تعد موجودة".
ولفتت "لوفيغارو" إلى أن السفراء المتمردين رحبوا بالمقابلة الأخيرة التي أجراها ماكرون مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) والتي انتقد فيها بشدة الضربات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، "ربما في إشارة إلى أنه يفهم أن موقفه يجب أن يتطور".