مكَّةُ.. تاريخٌ من التحوّل العمراني المبهر لمدينةٍ مقدَّسةٍ وسط الصحراء
مكَّةُ.. تاريخٌ من التحوّل العمراني المبهر لمدينةٍ مقدَّسةٍ وسط الصحراءمكَّةُ.. تاريخٌ من التحوّل العمراني المبهر لمدينةٍ مقدَّسةٍ وسط الصحراء

مكَّةُ.. تاريخٌ من التحوّل العمراني المبهر لمدينةٍ مقدَّسةٍ وسط الصحراء

 قديماً وقبل أن تصبح حركة النقل أسهل عبر الطائرات والسفن، كان الوصول إلى مكة المكرمة يستغرق بضعة شهور، وكانت قوافل المسلمين التقاة تأتي إلى هذه العاصمة الروحية والدينية، مشاة حفاة أو على ظهور الإبل أو العربات التي تجرها الجياد، تعبر الصحراء القاحلة ولا تسلم من تعرضها للغزو من قبل بعض الجماعات البدوية وقطاع الطرق، حيث كانت أموال هذه القوافل وحوائجهم تعتبر مصدر الدخل الوحيد لهذه البلدة الصحراوية القديمة.

أما الآن في عصر التكنولوجيا الذي نعيشه، ومع تطور وسائل النقل المختلفة وظهور الطبقة الوسطى من المسلمين، فقد أصبح بالإمكان القدوم لهذه البقاع خلال وقت أقل وبمشقة لا تذكر، وفق تقرير لـ"نيويورك تايمز".

وفي العام الماضي بلغ عدد القادمين من مختلف بقاع العالم 3 ملايين شخص لأداء مناسك الحج، هذه المناسبة الدينية العظيمة التي تحدث في الشهر الأخير من العام الهجري حسب التقويم الهجري الإسلامي، هي ركن إلزامي للشخص القادر عليه فقط سواء صحياً أو مادياً.

وأما القادمون لأداء مناسك العمرة، فقد بلغوا حوالي 5 ملايين شخص، والعمرة هي من الشعائر التي يمكن للمسلم أن يؤديها في أي وقت من العام ولا تعتبر فرضاً أساسياً حسب التعاليم الإسلامية، هذا عدا عن أعداد المواطنين والسكان الأصليين السعوديين، الذين يأتون إلى مكة للصلاة بشكل روتيني أو على شكل سياحة دينية دائمة.

المصور الفوتوغرافي الإيطالي، لوكا لوكاتيلي، زار مكة المكرمة خلال أحد مواسم العمرة، ولاحظ بانبهار شديد التغيير الذي جرى هناك لاستيعاب هذه الأفواج الضخمة التي تتدفق لزيارة المدينة، فحتى منتصف القرن العشرين كانت مكة مدينة صغيرة مليئة بالمنازل الحجرية ذات النوافذ الخشبية، والتي تعر ف بالمشربيات أو الشرفات المغطاة بالستائر الخفيفة.

شعاب مكة

وتحيط بمكة خمس تلال تعرف بشعاب مكة، التي تلتف حول الحرم المكي والكعبة المشرفة "بيت الله"، التي تقع في وسط المدينة تماماً.

إن كل ما يستطيع الزائر تذكره عن المدينة القديمة، هو القباب العثمانية لمسجد الحرم ومآذنه العالية والكعبة المشرفة.

وعند رؤية هذه التلال القديمة والبيوت الحجرية المتهالكة، ترتبط تخيلات الإنسان مباشرة مع الصورة القديمة التي يتخيلها لحياة رسول الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، إذ تم محو هذه الصورة تماماً واستبدلت بالمباني الشاهقة والفنادق الفخمة والمجمعات التجارية الضخمة.

إنها نقلة عمرانية كبيرة بدأت في السبعينيات، عندما بدأت الثروات تتدفق على المملكة نتيجة اكتشاف النفط،؛ ما دفع بالسعودية لوضع الخطط الطموحة لاستبدال المسجد القديم ذي العمارة العثمانية والعمل على توسعة الحرم المكي ومحيطه على الطراز العمراني العربي.

وقد كلف المشروع بداية 26.6 مليار دولار، وأشرفت مجموعة بن لادن السعودية على أعمال توسعة الحرم المكي بإضافة المزيد من الأجنحة وتوسيع المصليات وإدخال السلالم المتحركة، إضافة إلى مئات دورات المياه المتكاملة.

توسيعات.. ومترو

وقبيل وفاته في العام 2015، قام الملك عبدالله بن عبد العزيز، بإصدار أوامره ببناء أكبر مظلة قابلة للطي في العالم كله في الساحة الخارجية للحرم المكي لحماية عباد الرحمن من أشعة الشمس اللاهبة أثناء الصلاة نهاراً أو تأدية أي من أمور العبادات الأخرى مثل قراءة القرآن أو حتى فقط للجلوس والتنعم بالسلام قرب بيت الله الأعظم.

وقد قام خليفته الملك سلمان بن عبد العزيز، بالعمل على بناء طريق دائري ومترو للأنفاق وقطارات داخل المدينة، ليتم استيعاب الملايين من المصلين.

تبدو إحدى الصور التي التقطها لوكاتيلي وكأنها أخذت من أعالي الفضاء، ولكنها في الحقيقة أخذت من منطقة عالية في برج الساعة الملكي، والذي يحتوي على فندق ضخم ومجمع تجاري كبير على بعد مئات أمتار قليلة من بوابات الحرم المكي، ويبلغ ارتفاعه 46 ضعف بناء الكعبة، وتتوجه ساعة أكبر بحوالي خمس مرات من ساعة بيج بين الشهيرة.

إن الفنادق الفخمة مثل فيرمونت برج الساعة وفندق رافلز مكة تشرفان على البقعة الطاهرة من المدينة، والتي يطلق عليها اسم منظر الحرم أو منظر الكعبة، وقد تبلغ تكلفة الغرفة الواحدة فيها لليلة واحدة ما بين 1500 دولار إلى 2700 دولار خلال موسم الحج.

مكة بعيون غربية

لوكاتيلي الرسام الإيطالي، والذي نشأ على المذهب المسيحي الكاثوليكي، حصل على تصريح لدخول مكة المكرمة من خلال زواجه من امرأة أندونيسية مسلمة، والذي شمل أيضاً مراسم تحويله للديانة الإسلامية؛ ما زاد من شعوره بالتعاطف مع زوجته وديانتها.

فحسب تصوره، فإن جميع الحجاج هنا يشتركون بشيء واحد، وهو النزعة الإيمانية النقية، والتي تدل على سبب انتشار وشيوع الإسلام من بين الديانات الأخرى في شتى أنحاء العالم.

مجموعة من الرجال في ملابس الإحرام، والتي تتألف من قطعتين من القماش الأبيض غير المخاطة تشبه تماماً تلك التي يتم ارتداؤها أثناء موسم الحج تعبيراً عن حالة المساواة بين الناس في هذه الأراضي المباركة، كانوا يتناولون الطعام بينما قام أحد الشباب بالتقاط صورة "سيلفي" أمام بناء الكعبة المشرفة مع وجود مئات المصلين في الخلفية.

يقول لوكاتيلي :"أريد من جميع من يشاهد مجموعتي التصويرية أن يدرك أنه عندما تكون سائحاً متديناً في مكة أمر غير صعب على الإطلاق، إن زيارة مكة هي تماماً  كزيارة أحد المعابد أو الكنائس مثل كنيسة القديس بطرس".

وعند لحظة وصول لوكاتيلي إلى مكة، كان يعاني من القلق والتوتر الشديد بسبب الأجواء الغريبة في الخارج، والتي لم يعتد عليها ولكنه يقول بأنه سرعان ما شعر بالأمان فعلاً "لقد زال خوفي تماماً وشعرت بالسلام الداخلي".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com