مكة المكرمة تدرب أبناءها لاستقبال الزيادة المرتقبة في الحجاج والمعتمرين
مكة المكرمة تدرب أبناءها لاستقبال الزيادة المرتقبة في الحجاج والمعتمرينمكة المكرمة تدرب أبناءها لاستقبال الزيادة المرتقبة في الحجاج والمعتمرين

مكة المكرمة تدرب أبناءها لاستقبال الزيادة المرتقبة في الحجاج والمعتمرين

منى داغستاني هي مطوفة سعودية ورثت، شأنها في ذلك شأن آلاف المطوفين والمطوفات من أبناء مكة المكرمة، مهنة استقبال الحجاج والمعتمرين عن آبائها وأجدادها، لكنها كانت في مقدمة المسجلين بدورة تدريبية جديدة نظمتها غرفة تجارة وصناعة مكة المكرمة لرفع كفاءة العاملين في قطاع الحج والعمرة وانتهت الأسبوع الماضي بحفل تخرج.

فعلى مدار 3 أشهر، قدم محاضرون أكاديميون من مختلف التخصصات، للمطوفة المكية وزميلات وزملاء كثر حضروا معها، محاضرات في مواضيع تتعلق بالتعامل مع الزوار الجدد بعددهم الكبير، وقد حملت محاورها عناوين مثل "مهارات العمل الجماعي والتعامل مع ضيوف الرحمن"، "إدارة الحشود والمخاطر في الحج والعمرة"، "آلية التنسيق مع الجهات الحكومية والمسؤولة عن أعمال الحج والعمرة".

تقول داغستاني عن دوافعها في البحث عن مهارات جديدة، إن بلادها تطمح لزيادة كبيرة في عدد الحجاج والمعتمرين خلال السنوات القليلة المقبلة، وبالتالي "سنحتاج كوادر بشرية متمكنة ومتمرسة وتمتلك الخبرة والمعرفة في مجال الحج والعمرة".

ومثل داغستاني، يتوارث آلاف السعوديين من أبناء مدينة مكة المكرمة، مهنة الطوافة منذ مئات السنين، وراكموا خبرات ومهارات هائلة في خدمة الحجاج والمعتمرين الذين يفدون إلى البيت العتيق كل عام، لكن المدينة المقدسة تدرّب أبناءها اليوم على التعامل مع زيادة هائلة وغير معهودة في عدد الزوار وضعها قادة الرياض هدفًا قريبًا لخطط النمو الطموحة التي يعملون عليها.

فقد بدأ عدد المعتمرين والحجاج يزيد بشكل لافت في الأعوام الثلاثة الماضية، على أن يصل عددهم بعد نحو 10 سنوات من الآن، إلى 30 مليونًا من نحو 8 ملايين معتمر سنويًا حاليًا، بجانب استقبال 5 ملايين حاج من نحو نصف هذا العدد حاليًا.

وتشكل هذه الزيادة الأكبر في عدد زوار الحرم المكي تحديًا للقائمين والعاملين في قطاع الحج والعمرة، حيث ينشغل الجميع بخطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى وصولاً لأهداف تم رسمها في استراتيجية الحكومة السعودية الرامية لرفع عدد ضيوف الرحمن بالتزامن مع توفير كل الخدمات التي يحتاجونها والرقي بها.

فنادق جديدة وشبكة من وسائل النقل الحديثة وإجراءات إدارية ميسرة ومبتكرة، هي جزء فقط مما تقوم به الحكومة السعودية للعدد الكبير من الضيوف الجدد الذين سيتاح للمعتمرين منهم لأول مرة إجراء جولة سياحية في أكبر بلدان الخليج فور إنهاء مناسكهم.

المكيون والضيوف الجدد

تلقي هذه الخطط الرسمية بظلالها على أبناء مكة المكرمة الذين ينخرطون أكثر فأكثر في مشاريع ودورات تدريبية لاكتساب مهارات جديدة لم تعد توفرها فيما يبدو المعلومات التي ورثوها من أجدادهم عن التعامل الأمثل مع الحجاج والمعتمرين، وقد زاد عددهم بهذا الكم الكبير.

وحملت الدورة التدريبية التي شاركت فيها داغستاني اسم "الدبلوم المهني لأعمال الحج والعمرة"، وسرعان ما أعلن المشرفون على الدورة تنظيم نسخ ثانية في الفترة المقبلة وتدريب كوادر جديدة من أبناء مكة على التعامل مع الضيوف الجدد.

دوافع جديدة

بات لدى داغستاني وكثير من العاملين في مهنة الطوافة العريقة، دوافع لتطوير مهاراتهم في القطاع، بعد أن قررت السعودية في منتصف العام الجاري تحويل مؤسسات الطوافة العريقة إلى شركات مساهمة كجزء من خطط الحكومة الخاصة بالقطاع، بحيث يصبح البحث عن الربح حافزًا لتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن.

وتستهدف إعادة هيكلة مؤسسات الطوافة العريقة استقطاب الكفاءات وإشراك السعوديين من أبناء مكة المكرمة إلى جانب نحو 15 ألف مطوف ومطوفة من أبناء عائلات الطوافة في هذه الخدمة من خلال إنشاء شركات تساهم في تقديم الخدمة للحجاج والمعتمرين بعددهم الكبير المرتقب بجانب إمكانية رفع رأس المال لتلك الشركات من خلال طرح الأسهم للاكتتاب العام.

تقول داغستاني "مع رؤية 2030 وتمكين المرأة السعودية عامة والمطوفة خاصة في مشاركة الرجل في أغلب المناصب والمكاتب الميدانية ودخولها مجالس الإدارة في أغلب مؤسسات الطوافة، ومع تحول هذه المؤسسات إلى شركات مساهمة فتحت لنا عدة مجالات لإبراز خبراتنا ومؤهلاتنا للقيام مستقبلاً بإنشاء شركة مساهمة تضم نخبة من الأخوات المطوفات من ذوات العلم والخبرة لخدمة الحجاج على أكمل وجه، حيث إن خدمتهم شرف وأمانة ومسؤولية لجميع العاملين في هذه المهنة".

وتعكس المصطلحات الجديدة التي تستخدمها المطوفة السعودية في حديثها عن تجربتها التدريبية الأخيرة، إلى أي مدى يمضي أبناء مكة المكرمة في مواكبة خطط الحكومة في زيادة عدد الحجاج والمعتمرين، إذ تصف الحاج والمعتمر بـ "العميل" الذي يجب تقديم الخدمات له بأعلى جودة لنيل رضاه ومواصلة وتكرار تعامله مع شركة الطوافة ذاتها، بدل التحول لشركة منافسة أوجدتها إعادة الهيكلة الأخيرة لمؤسسات الطوافة.

المدينة المقدسة تتأهب

يقول عبدالله الزهراني، ابن المدينة المقدسة، ورئيس تحرير صحيفة تحمل اسمها وتعنى بأخبار الحرم المكي وزواره، إن الكل متأهب في مكة المكرمة لتحقيق أهداف "رؤية السعودية 2030" في زيادة عدد الحجاج والمعتمرين.

وأضاف الزهراني، الذي تغطي صحيفته تواجد الحجاج والمعتمرين في الحرم المكي عن كثب، "بخلاف الدبلوم المهني الذي نفذته غرفة مكة، هناك برامج أخرى تنفذها جامعة أم القرى وجامعة الملك عبدالعزيز بجدة.. هناك اهتمام من القيادة وجميع الوزارات والمؤسسات في تطوير أداء ومهارات العاملين في الحج والعمرة وتأهيلهم بشكل علمي".

ويرى أن استعدادات المملكة لضيوف الرحمن الجدد بدأت من خلال مشاريع توسعة المسجد الحرام وباقي المشاريع في المشاعر المقدسة المتعلقة بالبنية التحتية والنقل ودور الإيواء والاهتمام بتجويد الخدمات، بجانب إنشاء الهيئة الملكية لتطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة.

طريق مكة

وأنشأت السعودية منتصف العام الماضي تلك الهيئة برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يقود خطط التغيير في البلاد، بهدف الارتقاء بالخدمات والأعمال المقدمة في مدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وجعلها مقصدًا إسلاميًا ينشده المسلمون من جميع أنحاء العالم.

وتشكل مبادرة طريق مكة واحدةً من أهم خطط السعودية لمواجهة الأعداد الكبيرة من زوار المدينة، وبدأت العام الماضي بدولتين، ليرتفع العدد في موسم الحج الماضي إلى خمس دول هي (ماليزيا، إندونيسيا، باكستان، بنغلاديش، تونس)، إذ تتضمن المبادرة تسهيلات كثيرة، بينها إنهاء إجراءات الحاج في مطار بلاده الذي ينطلق منه عبر موظفين سعوديين، ليغادر نحو الحافلة التي ستقله لمكان إقامته فور وصوله المطار السعودي، بينما يتكفل موظفون بإيصال أمتعته له.

شكل جديد لأعرق المهن

خدمة الحجاج تقليد قديم تضرب جذوره بعيدًا في تاريخ شبه الجزيرة العربية حتى ما قبل ظهور الدعوة الإسلامية، وأصبحت ذات طابع إسلامي عندما دعا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم المسلمين قبل أكثر من 1400 عام إلى ترك كل عادات الجاهلية إلا سدانة الكعبة المشرفة (العناية بها) وسقاية الحجاج.

وظهرت مهنة الطوافة بشكل مؤسسي قبل نحو 600 عام، عندما بدأت بعض العائلات من أبناء المدينة المقدسة استقبال الحجاج والمعتمرين ومساعدتهم على أداء مناسكهم وإيجاد دور إيواء وتأمين الإطعام لهم مقابل رسوم مادية.

وتطورت المهنة عبر العصور، قبل أن تستقر بشكلها الحالي في ست مؤسسات طوافة هي مؤسسة مطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا وأستراليا، ومؤسسة مطوفي حجاج إيران، ومؤسسة مطوفي حجاج جنوب آسيا، ومؤسسة مطوفي حجاج الدول الإفريقية غير العربية، ومؤسسة مطوفي حجاج جنوب شرق آسيا، ومؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية.

ومع الزيادة الكبيرة المرتقبة في عدد الحجاج والمعتمرين بشكل تدريجي في السنوات القليلة المقبلة، ستظهر خدمة الحجاج والمعتمرين بشكل جديد يتجاوز التسميات وطرق العمل الحالية في القطاع خلال أكبر نمو يشهده عبر التاريخ.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com