"دافوس الصحراء" يضع الصين وروسيا في موقع الشركاء الكبار للاقتصاد السعودي‎
"دافوس الصحراء" يضع الصين وروسيا في موقع الشركاء الكبار للاقتصاد السعودي‎"دافوس الصحراء" يضع الصين وروسيا في موقع الشركاء الكبار للاقتصاد السعودي‎

"دافوس الصحراء" يضع الصين وروسيا في موقع الشركاء الكبار للاقتصاد السعودي‎

حصلت الشركات الأمريكية، على حصة الأسد، من عدد وحجم الصفقات التي تم عقدها في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، الذي اختتم أعماله في السعودية يوم أمس الخميس، لكن الحضور الصيني والروسي في أيام المؤتمر الثلاثة، ينبئ بظهور شركاء حقيقيين كبار للاقتصاد السعودي، الذي ظل ملازمًا للشركات الأمريكية والغربية بشكل عام، لعقود، يبدو أنها قد تصبح من الماضي مع التغييرات التي يشهدها العالم.

ورغم توقيع اتفاقيات بـ 56 مليار دولار خلال مؤتمر الاستثمار الذي يطلق عليه لقب "دافوس الصحراء" تيمنًا بمؤتمر "دافوس" العالمي، يبقى عدد كبير من تلك الاتفاقات مذكرات تفاهم، ربما لا تتطور إلى مرحلة عقود، وتبقى رهينة بعدة عوامل، بما فيها التقلبات السياسية التي زادت لدى حلفاء المملكة في أمريكا وأوروبا.

وتتوقع الرياض أن الولايات المتحدة ستبقى شريكًا رئيسًا للاقتصاد السعودي؛ على الرغم من المقاطعة الجزئية لمؤتمر الاستثمار؛ بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لكن كثير من التقارير والتحليلات والآراء، وبعضها قريب من أروقة الحكم في الرياض، تقول إن لدى المملكة خياراتها الأخرى على الدوام، وإن الصين وروسيا في صدارة تلك الخيارات.

وقال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح على هامش المؤتمر الذي استقطب المئات من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين من أنحاء العالم بهدف جذب رؤوس أموال أجنبية لدعم الإصلاحات الاقتصادية في المملكة؛ إن الشركات الأمريكية كان لها نصيب الأسد من 25 اتفاقية بتكلفة بلغت 56 مليار دولار.

 وأضاف "ستظل أمريكا جزءًا أساسيًا من الاقتصاد السعودي؛ لأن ما يربطنا من مصالح أكبر مما يتم إضعافه من خلال الحملة الفاشلة لمقاطعة المؤتمر"، في إشارة لانسحاب ومقاطعة عدد من المتحدثين الرئيسيين في المؤتمر بسبب قضية مقتل خاشقجي.

أحلام روسية وصينية

أوفدت موسكو وبكين، وهما دولتان تقودان محورًا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا مناهضًا لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الكبرى على العالم، وفودًا رفيعة المستوى للمشاركة في مؤتمر الاستثمار الذي حضره نحو أربعة آلاف من زعماء ووزراء ورجال الأعمال والمدراء التنفيذيين للشركات ومحللين اقتصاديين يمثلون 88 دولة في العالم.

وحضر الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمارات المباشرة الروسي، كيريل دميترييف، برفقة أكثر من 30 شخصًا من رجال الأعمال ورؤساء الشركات والشخصيات العامة الروسية، في المؤتمر، إذ تسعى روسيا لتعزيز تواجدها في الاقتصاد السعودي.

وركزت وسائل الإعلام الروسية، في تغطيتها لمشاركة وفد بلادها في مؤتمر الرياض، على أنه يأتي بالتزامن مع غياب عدد من كبار الرؤساء التنفيذيين لشركات أمريكية وغربية عملاقة بسبب قضية مقتل خاشقجي، في مؤشر على ما يبدو لتعويل موسكو على أن تتطور الخلافات بين الرياض وحلفائها الغربيين، وتكون هي ودول المحور الجديد، كالصين البديل الأكيد لاقتصاد المملكة العملاق.

 ويقول دميترييف، في بيان لصندوق الاستثمارات المباشرة الروسي إن "العلاقات بين الاتحاد الروسي والمملكة السعودية تتطور بسرعة، فالمملكة تنفذ عملية إصلاح مهمة، ليست فقط لمنطقة الشرق الأوسط، بل للعالم بأسره، ونحن سعداء لتبادل الخبرات وتحديد المشاريع المشتركة الجديدة، ومناقشة المجالات الواعدة لتنمية التعاون الشامل بين مجموعة واسعة من الشركاء في روسيا والمملكة العربية السعودية وبلدان أخرى".

وبينما امتنعت بكين بشكل كامل عن أي تعليق على قضية مقتل خاشقجي، اكتفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتأكيد ثقته بالتحقيقات السعودية التي تجريها المملكة في القضية، التي تلقى صدى واسعًا في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وسط اتهامات للرياض بمسؤوليتها عن الحادثة.

التوتر السياسي

تسبب ذلك الموقف الأمريكي والغربي الذي استبق نتائج تحقيقات رسمية تجريها المملكة، في إغضاب قادة الرياض، وتعهدها في بيان شديد اللهجة بالرد بالمثل، على أي إجراءات عقابية ضدها، من قبل حلفائها التقليديين الذين بدا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبرزهم وأكثرهم حماسةً.

ويرى مراقبون أن جزءًا هامًا من بيان المملكة الشهير ضد التهديدات التي وجهت لها، ورد في مقال رأي لمدير قناة "العربية" الإخبارية السعودية، تركي الدخيل، المقرب من أروقة اتخاذ القرار، وقد توقع فيه أن تمضي الرياض في الرد على أي إجراءات عقابية ضدها، بالتوجه نحو دول المحور الآخر، وفي مقدمتها روسيا، التي قال إنها قد تقيم قاعدة عسكرية شمال المملكة.

وقال الدخيل في مقاله الذي أثار اهتمامًا عالميًا "إن فرض عقوبات من أي نوع على السعودية من قبل الغرب، سيدفعها إلى خيارات أخرى قالها الرئيس ترامب بنفسه قبل أيام، إن روسيا والصين بديلتان جاهزتان لتلبية احتياجات الرياض العسكرية وغيرها، ولا يستبعد أحد أن تجد من آثار هذه العقوبات قاعدة عسكرية روسية في تبوك شمال غرب السعودية، في المنطقة الساخنة لمربع سوريا وإسرائيل ولبنان والعراق".

صفقات دافوس الصحراء

شهد المؤتمر في أيامه الثلاثة، توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات تفاهم، تصدرتها شركة النفط السعودية الحكومية العملاقة (أرامكو)، التي وقعت 15 مذكرة تفاهم في عدة مجالات تعاونية وإستراتيجية، بقيمة 34 مليار دولار، حيث تسعى أكبر شركة نفط في العالم من خلال تلك الاتفاقيات إلى توطين الصناعة وتوليد مزيد من فرص العمل.

وتشمل تلك الاتفاقيات، 15 شركة ومؤسسة من 8 دول هي فرنسا والصين والولايات المتحدة واليابان والإمارات والمملكة المتحدة وكوريا الجنوبية والهند. وفي مقدمة الشركات التي فازت بصفقات، عمالقة خدمات حقول النفط الأمريكيين، شلومبرغر وهاليبرتون وبيكر هيوز.

ووقعت الشركة السعودية للخطوط الحديدية (حكومية)، اتفاقية مع شركة "غرين براير" الأمريكية بقيمة 267 مليون دولار، لتصنيع عربات الشحن بالقطارات في البلاد. ‎

كما وقعت السعودية في المؤتمر، اتفاقية تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع قطار الحرمين السريع بقيمة 3.6 مليار دولار، مع تحالف "الشعلة" الإسباني المشغّل للمشروع لمدة 12 عامًا ابتداء من 2018.

 ووقعت أيضًا مجموعة "باور تشاينا إنترناشونال" الصينية مذكرة قيمتها 2.7 مليار دولار مع وزارة الإسكان السعودية، لبناء 17 ألف منزل على مدى الأعوام الستة المقبلة، واتفقت مجموعة "ساني"، وهي شراكة سعودية صينية، على التعاون مع الحكومة في مجال التطوير العقاري.

كما وقعت هيئة النقل العام السعودية مذكرة تفاهم مع شركة “CCECC” الصينية بقيمة تتجاوز 10.6 مليار دولار، لتنفيذ مشروع الجسر البري الرابط بين موانئ البحر الأحمر والخليج العربي عبر الخطوط الحديدية، عن طريق المرور بالخط الحديدي الرابط بين الدمام والرياض.

تطلعات آسيوية للاقتصاد السعودي

ولا تقتصر جهود الدول في الاستثمار في الاقتصاد السعودي الذي يشهد تغييرات جذرية وانفتاحًا غير مسبوق، على الصين وروسيا، فدول مثل اليابان وكوريا الجنوبية حاضرة منذ سنوات في مشاريع سعودية كبيرة، وتتطلع هي ودول آسيوية أخرى لزيادة حصتها في أكبر بلد منتج للنفط في العالم.

وقال وزير الاقتصاد السعودي، محمد التويجري، على هامش المؤتمر، إن الحكومة تلقت إبداء اهتمام من عدة شركات آسيوية وأوروبية لشراء أصول حكومية سعودية، حيث أعلنت السعودية عن برنامج خصخصة طموح، قبل عامين، لكنها لم تبرم سوى بضعة اتفاقيات فعلية منذ ذلك الحين، لكن الوزير التويجري قال إن البرنامج سيحرز تقدمًا في الشهور القليلة المقبلة؛ بعدما تم الآن حل المشكلات القانونية والتنظيمية.

وأضاف أن من الآن وحتى الربع الأول من عام 2019، ستكون هناك أربع فرص للخصخصة في المطاحن والحبوب، وسيجري أيضًا طرح صفقات في قطاعات التعليم والرعاية الصحية وتحلية المياه، خلال نفس الفترة.

صحوة أمريكية أوروبية

وتراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن لهجته الحادة تجاه السعودية في قضية مقتل خاشقجي، وخففت دول أوروبية أخرى من انتقاداتها للرياض، وتراجعت بعضها أو تبحث ذلك مثل إسبانيا وكندا من حيث المضي قدمًا في تعليق صفقات سلاح، بعد أن لوحت الرياض بالانتقال للمعسكر الآخر.

ويقول مراقبون إن الرياض تجد نفسها في موقع مريح مع صعود قطب جديد في العالم، تقوده روسيا والصين، اللتين بنت معهما السعودية بالفعل منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز، سدة الحكم في بلاده، مطلع العام 2015، علاقات وثيقة، لاسيما في شقها الاقتصادي.

وقال الاقتصادي السعودي البارز، فضل البوعينين، "لم يعد انسحاب بعض المستثمرين والشركات الغربية مؤثرًا؛ بل ربما هو خير للسعودية واقتصادها الذي يبحث عن التنوع الاستثماري جغرافيًا واقتصاديًا، فالصين وروسيا سيملآن فراغ الشركات الغربية".

وأضاف البوعينين في مقال كتبه قبل افتتاح مؤتمر "دافوس الصحراء" "التوازن والتنوع الاستثماري يحقق البعد الاقتصادي، والإستراتيجي والأمني للمملكة؛ لذا أعتقد أن مؤتمر الاستثمار سيعيد مستقبل العلاقات الاقتصادية السعودية؛ وأرجو أن تكون بداية لشراكات إستراتيجية عميقة مع الصين وروسيا؛ ومرحلة مهمة لعلاقات مستقبلية وثيقة مع مجموعة (بريكس) لتحقيق التوازن والمصلحة الوطنية".

تشابك اقتصادي

ضبط اتفاق مستمر بين الرياض وموسكو تذبذب أسعار النفط في العام 2017، وقال البلدان على هامش المؤتمر، إنهما سيمددان الاتفاق بعد انتهاء مدته في كانون الأول/ديسمبر المقبل من خلال الالتزام بخفض محدد للإنتاج.

وسرت أنباء في الأيام الماضية، شارك فيها كيريل ديمترييف، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي، حول سعي السعودية لاستثمار 5 مليارات دولار في مشروع الغاز الطبيعي المسال 2 بالقطب الشمالي.

كما توقع المسؤول الروسي أن يستثمر صندوق الاستثمارات العامة السعودي، 500 مليون دولار في صندوق الاستثمارات الروسي-الصيني، وسيتم تغيير تسميته حينها ليصبح صندوق الاستثمارات الروسي-الصيني-السعودي برأسمال يبلغ 2.5 مليار دولار.

وتمثل تلك الاتفاقات والتفاهمات والتوجهات السعودية نحو روسيا والصين ودول آسيوية أخرى، بداية لتشابك اقتصادي حقيقي، فيما يبقى حجم وعمق ارتباط الرياض بتلك البلدان متوقفًا على علاقتها بحلفائها القدامى في أمريكا وأوروبا.

ويشير الكاتب المصري، حسين معلوم، لذلك الواقع المرتقب، بالقول في مقال رأي نشرته صحيفة "الحياة" في يوم اختتام مؤتمر الاستثمار "ما نعاصره.. هو بدايات التحول في النظام الدولي، نحو وضعية قطبية تختلف عن تلك التي عرفها العالم في القرن العشرين عمومًا، وخلال العقدين السابقين تحديدًا؛ تلك الفترة التي حاولت فيها الولايات المتحدة فرض هيمنتها على تفاعلات الساحة الدولية".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com