طهران: ادعاء واشنطن بأن إيران ترسل أسلحة لليمن لا أساس له ونعتبره جزءا من حملة إعلامية ضدنا

logo
العالم العربي

خاص- كيف غيّرت معارك جنوب لبنان مفهوم حروب المدن؟

خاص- كيف غيّرت معارك جنوب لبنان مفهوم حروب المدن؟
قوات إسرائيلية على تخوم لبنانالمصدر: أ.ف.ب
25 نوفمبر 2024، 9:28 ص

شهدت معارك جنوب لبنان تطورًا نوعيًا في مفهوم الحروب الحضرية، حيث أظهرت هذه المواجهات أن حرب المدن لم تعد تعتمد فقط على التكتيكات التقليدية، بل تطورت لتشمل تقنيات حديثة مثل الأنظمة المسيرة والذكاء الاصطناعي. 

هذه المعارك بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي "حزب الله" قدمت نموذجًا فريدًا لكيفية خوض حروب المدن في بيئات جغرافية متنوعة ومعقدة؛ ما قد يعيد تعريف استراتيجيات القتال في المناطق الحضرية.

معارك "النسق الثاني"

تظهر التقارير الميدانية أن العمليات البرية الإسرائيلية تتعمق، وأنها باتت في النسق الثاني للقرى الجنوبية التي تتوزع على ثلاثة قطاعات: شرقي، محاذي لسورية، وأوسط وغربي ساحلي. 

6ab6d174-f05c-4cfc-95ba-ba3248a7ab3d

في القطاع الشرقي باتت القوات الإسرائيلية، تقاتل داخل أحياء بلدة الخيام التي يبلغ عدد سكانها حوالي 25,000، وهي أكبر بلدة لبنانية يدور القتال فيها منذ بداية الحرب.

وفي القطاع الغربي سيطرت القوات الإسرائيلية على قرية "شمع" باتجاه تلة البياضة الساحلية الاستراتيجية.

وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني بدأت التسريبات الإعلامية بالإشارة إلى إدخال إسرائيل أنظمة مدفعية داخل الأراضي اللبنانية لتوفير تغطية نارية أعمق.

وفي مساء 17 نوفمبر/تشرين الثاني أظهرت تقارير عن استهداف محيط مدينة صور بالقصف المدفعي، وذلك للمرة الأولى منذ بداية الحرب. هذا المشهد الذي ظهر في الأسبوعين الأخيرين للحرب يتناقض مع التأكيدات السابقة من جانب "حزب الله" بأن القوات الإسرائيلية لم تنجح بما وصفه بـ"التثبيت" في أي قرية في جنوب لبنان، وأنها كانت تضطر للانسحاب من أي موقع تدخله. 

الخسائر الإسرائيلية حتى الآن لا تزال منخفضة بالمقارنة مع حرب لبنان الثانية، فحتى صباح 25 نوفمبر/تشرين الثاني، بلغ عدد الدبابات التي أعلن "حزب الله" إصابتها 60 في جنوب لبنان، وذلك بعد 63 يوماً من بدء الحرب في 23 سبتمبر/أيلول، وعدد الجنود الإسرائيليين الذين أعلن "حزب الله" مقتلهم وصل إلى 110.

أخبار ذات علاقة

إسرائيل "تستميت" من أجل "الخيام".. ما سر هذه البلدة اللبنانية؟ (فيديو)

إسرائيل "تستميت" من أجل "الخيام".. ما سر هذه البلدة اللبنانية؟ (فيديو)

 ولكن حرب لبنان الثانية، التي اقتصرت على 33 يوماً، شهدت إصابة 55 دبابة ومقتل 121 جندياً، بحسب الأرقام الإسرائيلية، بينما وضع "حزب الله" آنذاك أرقاماً أعلى بكثير. ففي قرية العديسة – وهي واحدة من حوالي 15 قرية شهدت قتالاً في حرب 2006 – أعلن "حزب الله" يومها مقتل 40 جندياً إسرائيلياً.

خسائر أقل بمعارك أطول

ملخص المشهد هو خسائر أقل في الجانب الإسرائيلي بالمقارنة مع حرب لبنان الثانية، بالرغم من أن الحرب الحالية أطول زمنياً وأوسع جغرافياً. 

6a3f0d13-7e62-4838-b97a-4e88f15df6c6

فيما يبقى اللغز هو وصول القوات الإسرائيلية للنسق الثاني من القرى اللبنانية، بالرغم من التأكيد لأسابيع أن هذه القوات لم تنجح بالتثبت في أي من قرى النسق الأول التي دخلتها. يقصد بالنسق الأول القرى والبلدات الواقعة ضمن مسافة 1 إلى 2 كيلومتر عن الحدود، علماً أن إسرائيل من جانبها تجنبت الإعلان رسمياً عن سيطرتها على أي قرية لبنانية مما زاد غموض المشهد.

ما حصل في الحقيقة هو فصل جديد من تطور حروب المدن أو الحروب في البيئات الحضرية (Urban warfare)، وهذا النوع من الحروب قد يكون أصعب أنواع الحروب التي تواجهها القوات النظامية، وخصوصاً إذا ما كانت مسارح القتال قد حضرت بشكل مسبق للتعامل مع تقدم القوات المهاجمة، وكذلك إذا ما كانت القوات المدافعة غير نظامية، وتستخدم تكتيكات حروب العصابات أو الحروب غير المتناظرة.

أغلب الأمثلة الشهيرة لحروب المدن أو حروب البيئات الحضرية شهدت خسائر كبيرة نسبياً في صفوف القوات النظامية.

الأمثلة الشهيرة تشمل معركة مدينة "هوي" (1968) في فيتنام، ومعركة الفلوجة الثانية (2004)، ومعركة الموصل (2016-2017).

ففي 31 يناير/كانون الثاني 1968 هاجمت قوات فيتنام الشمالية (الفيت كونج) مدينة "هوي" (Hue) التي كانت تحت سيطرة قوات فيتنام الجنوبية، والتي استعانت بالقوات الأمريكية لاستعادة السيطرة على المدينة.

الأرقام الرسمية تشير إلى خسارة الفيتناميين الجنوبيين حوالي 500 جندي وخسارة الولايات المتحدة حوالي 250 آخرين خلال المعارك التي استمرت شهراً لإخراج مقاتلي الفيت كونج من المدينة.

أخبار ذات علاقة

بعد دعوة غانتس.. كاتب إسرائيلي يتوقع استهداف البرلمان اللبناني

بعد دعوة غانتس.. كاتب إسرائيلي يتوقع استهداف البرلمان اللبناني

  الحروب في البيئات الحضرية

وفي مثل هذه الأيام من 2004 نفذت القوات الأمريكية والبريطانية والعراقية هجوماً على مدينة الفلوجة، استمرت المعركة حوالي شهر ونصف الشهر، وخسرت فيها القوات الأمريكية، وفق الأرقام الرسمية، 95 جندياً وقرابة 600 جريح. فيما خسر البريطانيون 4 جنود والعراقيون 8 جنود. 

وفي الحرب في أوكرانيا خاضت القوات الروسية والأوكرانية قتالاً مكلفاً وطويلاً في مئات القرى الصغيرة والبلدات في الشرق الأوكراني.

حجم القرية أو البلدة أو المدينة مهم في معايير الحروب في البيئات الحضرية، ولكنه ليس حاسماً. فالقتال يمكن أن يتوزع على عشرات أو مئات القرى الصغيرة، كما هو الحال في أوكرانيا وجنوب لبنان، بدلاً من أن يكون في مدينة متوسطة أو كبيرة الحجم. 

نقاط قوة المدافعين في حروب المدن، والذين يصادف في كثير من الحالات أن يكونوا من القوات غير النظامية، هي الرهان على معرفتهم الجيدة للقرى أو البلدات التي يقاتلون فيها بما يسمح بنشر العبوات الناسفة والألغام ونصب الكمائن للقوات المتقدمة. 

267b15e9-5f9c-4853-a764-fe3e805202d5

وكذلك قدرتهم على التخفي والمناورة عند تقدم القوات النظامية المهاجمة ثم الانتقال إلى مهاجمتها عندما تضطر القوات النظامية للتوقف للاستراحة وإعادة التزود أو للقيام بعمليات التمشيط الروتينية والضرورية في حروب المدن، ثم الانتشار في نقاط معينة، في محيط وداخل المساحة التي تمت السيطرة عليها من القرية أو البلدة المعينة. وهذا ما يشار إليه عادةً بالتثبيت، وهو ما كان يؤكد "حزب الله" أن القوات الإسرائيلية لم تنجح بالوصول إليه. 

الذكاء الاصطناعي

في الحقيقة، العمليات البرية الإسرائيلية التي حصلت في جنوب لبنان تشبه إلى حد بعيد العمليات التي حصلت في قطاع غزة، والتي اتسمت بالاعتماد على الأنظمة المسيرة والذكاء الاصطناعي لتخفيف الخسائر في صفوف القوات وتجنب وضع هذه القوات في وضع ضعيف ومكشوف – كما يحصل عادةً في حروب المدن وحروب العصابات.

فقد لجأت القوات الإسرائيلية، في غزة وجنوب لبنان، لإطلاق أعداد كبيرة من الطائرات المسيرة الصغيرة لاستخدامها في استطلاع المواقع التي تنوي دخولها.

الذكاء الاصطناعي وتقنيات التحليق السربي سمحت بجمع المعلومات وتحليلها من هذه الأعداد الكبيرة من الطائرات بشكل فوري، ومن ثم استخدام هذه المعلومات في تخطيط العمليات ومسارات دخول القوات للمناطق السكنية. 

وخلال التحرك البري اعتمدت القوات الإسرائيلية بدايةً على إنشاء مناطق آمنة تتجمع فيها قبل الانطلاق لتنفيذ عمليات لفترات محددة وقصيرة في المناطق التي تم استطلاعها بشكل مكثف.

وبعد التحقق من تأمين هذه المناطق كانت القوات الإسرائيلية تدخلها لتقوم بعمليات تمشيط محدودة زمنياً ثم تنسحب من أغلبها، عائدةً للمناطق الآمنة التي انطلقت منها.

وبهذا تجنبت القوات ما يعرف بـ"التثبيت" الذي يجعلها مكشوفة بشكل خطير للهجمات المضادة، النمطية في تكتيكات حروب العصابات.

وبدل استخدام الجنود للتثبيت والمراقبة، اعتمدت القوات الإسرائيلية على الأنظمة الجوية والبرية المسيرة، وأنظمة المراقبة الإلكترونية والرؤية الحرارية لمراقبة المناطق التي نفذت فيها العمليات بعد انسحاب الجنود منها.

 

أغلب هذه الأنظمة كانت متوفرة في العمليات السابقة التي خاضتها القوات الإسرائيلية في غزة، وفي حرب لبنان الثانية 2006. ولكن هذه الأنظمة كانت تعتمد على الجنود أنفسهم لمراقبة البيانات والصور التي يتم جمعها.

وهذا ما يحد بشكل كبير من قدرة المراقبة، ويترك هامشاً كبيراً للأخطاء البشرية خلال عمليات المراقبة الرتيبة. قدرات الذكاء الاصطناعي بالمقابل تسمح بمعالجة أكثر دقة لكميات هائلة من البيانات، وبشكل لا يمكن مقارنته بالقدرات البشرية.

فالذكاء الاصطناعي يستطيع مقارنة البيانات القادمة مع بيانات سابقة لرصد التغييرات، مثل رصد ظهور غير طبيعي لأغصان أو أشجار أو صخور، أو تحرك بعض الأشياء الجامدة من مكانها، والتي يمكن أن تكون مؤشراً على مرور مقاتلين للتخفي في موقع ما أو زرعهم لعبوات ناسفة، حتى إن كانت هذه العبوات مموهة بشكل جيد. 

أفخاخ العبوات الناسفة

العبوات الناسفة استخدمت بشكل فعال في حرب لبنان في 2006، ولكنها لم تظهر بالفعالية نفسها خلال الحرب الحالية، إذ لم يسجل سوى عدد محدود من الحوادث التي استخدمت فيها مثل هذه العبوات، سواء ضد قوات المشاة أو ضد الدبابات الإسرائيلية.

لم تقدم إسرائيل حتى الآن بيانات حول عدد العبوات التي صادفتها في لبنان.

ولكن في غزة، أعلنت الفرقة المدرعة 162، في مطلع سبتمبر/أيلول، أنها تعاملت مع 95,000 موقع مفخخ، منها 14,000 موقع في منطقة رفح وحدها. لو انفجر 1% من هذه المواقع المفخخة كما هو مخطط له، وقتل جندي واحد فقط في كل موقع، لقتل حوالي 1,000 عسكري من الفرقة 162.

وهذه البيانات هي من فرقة واحدة من أصل عشر فرق إسرائيلية تناوبت على القتال في غزة. في الذكرى السنوية الأولى لانطلاق حرب غزة، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية مقتل 347 عسكرياً وجرح 2,299 خلال العملية البرية في قطاع غزة. 

 

قدرات الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات واستخدام الأنظمة المسيرة لاستكشاف المواقع الخطرة سمحت للقوات الإسرائيلية بكشف مواقع الأنفاق والتحصينات الضخمة التي أنشأها "حزب الله" في القرى الحدودية.

القوات الإسرائيلية استخدمت عشرات الأطنان من المتفجرات لتفجير كل من هذه الأنفاق، فعلى سبيل المثال، استخدمت القوات الإسرائيلية، في 26 أكتوبر/تشرين الأول، 400 طن من المتفجرات لتفجير نفق بطول 1.5 كيلومتر في بلدة العديسة اللبنانية الحدودية.

نقل هذه الكميات من المتفجرات إلى الأنفاق هو عملية حساسة وتستغرق زمناً طويلاً، ولعل هذا ما يفسر الزمن الطويل الذي استغرقته العمليات الإسرائيلية في النسق الأول من القرى في جنوب لبنان.

وقبل تفخيخ هذه الأنفاق تمت عملية جمع أسلحة وعتاد "حزب الله" منها، وهذا ما ساهم أيضاً بزيادة زمن العمليات في قرى النسق الأول لأسابيع.

وخلال هذه الأسابيع كانت القوات الإسرائيلية تتحرك بين مواقعها الآمنة، وإلى مناطق العمليات من دون الاضطرار للتثبيت فيها؛ مما خفض من احتمال تعرضها للاستهداف.

وبعد الانتهاء من العمليات في أغلب النسق الأول للقرى، انتقلت القوات الإسرائيلية للنسق الثاني، حيث بدت عملياتها أسرع بشكل ملحوظ، خصوصاً في القطاع الغربي الساحلي.

ففي 24 نوفمبر/تشرين الثاني، أظهرت مقاطع فيديو أن الدبابات الإسرائيلية تقاتل في تلة البياضة الاستراتيجية، في نقاط تبعد حوالي 8 كيلومترات عن أقرب نقطة حدودية. 

ما سبق يوضح كيف تمكنت القوات الإسرائيلية من تخفيض خسائرها بشكل كبير بالمقارنة مع المتوقع في عمليات بمثل هذا الامتداد الجغرافي والزمني.

انخفاض الخسائر يمكن أن يشجع القادة العسكريين الإسرائيليين على متابعة التقدم براً لتحسين موقع إسرائيل التفاوضي في ظل التسريبات المتتالية حول قرب إنجاز اتفاق لوقف إطلاق النار يضمن انسحاب "حزب الله" من جنوب نهر الليطاني ثم انسحاب القوات الإسرائيلية خلال 60 يوماً.

هذا الاتفاق يمكن أن ينجز خلال أيام قليلة، يمكن أن تشهد عنفاً استثنائياً للقتال، ويمكن كذلك أن تفشل هذه الجهود التفاوضية وتستمر الحرب لأكثر من الأسابيع التسعة التي استمرتها حتى الآن. 

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC