ارتكبت ميليشيا "حزب الله" خطيئة إستراتيجية منذ الثامن من أكتوبر / تشرين الأول، العام الماضي، برهانها على أن الحرب مع إسرائيل ستكون "تحت السيطرة" وأنه بإمكانها إنهاءها بالتزامن مع حرب غزة، وبالتالي بنت خططها وإستراتيجياتها على أساس أنها "المتحكم" في زمام الأمور.
في المقابل، أوهمت إسرائيل ميليشيا "حزب الله" بأنها لا ترغب في حرب شاملة، وأن مصلحتها ووضعها في غزة وفي الداخل، يمنعانها من الانجرار إلى حرب واسعة، فيما كانت تتحضر للانقضاض بلا هوادة على الحزب وبنيته وبيئته وقياداته، حتى وصلت في النهاية إلى رأس التنظيم وأمينه العام حسن نصرالله، وهي لن تقف عند هذا الحد كما يقول الخبير والباحث السياسي السوري، محمد صالح الفتيح، وهو ما يبدو من الأحداث المتسارعة والخارجة عن سيطرة الجميع، ما عدا إسرائيل.
"القضاء" على رأس حزب الله
أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم السبت، "القضاء" على الأمين العام لميليشيا حزب الله غداة غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت، فيما قال مصدر مقرب من الحزب إن الاتصال فقد بنصر الله منذ مساء الجمعة.
وتوعد رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال هرتسي هاليفي السبت، بـ"الوصول" إلى "كل من يهدد المدنيين الإسرائيليين". ما يشير إلى توجه إسرائيلي في متابعة الحرب.
وأعلن هاليفي في بيان "لم نستنفد كل الوسائل التي في متناولنا. الرسالة بسيطة: كل من يهدد مواطني إسرائيل، سنعرف كيف نصل إليه". وبالفعل، تستمر إسرائيل في عمليات القصف العنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت بعد قصف مقر القيادة المركزية لحزب الله، وتوسع دائرة استهدافاتها في أكثر من اتجاه.
فما هي أهداف إسرائيل التي حققتها بعد إعلانها "القضاء" على نصرالله، الذي تعتبره "العدو" رقم واحد لها، وما هي الأهداف الأخرى التي تسعى لتحقيقها، وأي مسار قد تسلكه الأحداث في الأيام القادمة؟
الهدف المعلن والأهداف الخفية
يقول الخبير والباحث السياسي، محمد صالح الفتيح إن إسرائيل أعلنت رسميًا عن هدف وحيد لعملياتها العسكرية وهو خلق ظروف آمنة لعودة سكان الشمال. لكن فعليًا، أهداف إسرائيل أكبر بكثير، وهي تسعى لتحقيقها منذ سنوات.
وأضاف الفتيح أنه، من خلال استهداف القيادة العليا لـ"حزب الله" تحديدًا تحقق إسرائيل هدفين إستراتيجيين:
الأول، إضعاف بنية القيادة والسيطرة لـ"حزب الله" بشكل غير مسبوق. وهي عمليًا أصابت "حزب الله" بشلل نصفي. مشيرًا إلى أن حرص إسرائيل على توجيه هذه الضربة قبيل الحرب، وفي أيامها الأولى، يشير لكونها تتوقع أن تكون الحرب طويلة، وتريد أن تحقق ضررًا يستمر لعقد من الزمن على الأقل بـقدرات ووجود وصورة "حزب الله".
الهدف الثاني، وفقًا للباحث السياسي هو الأهم، ويتمثل بأن تضمن إسرائيل أن "حزب الله" سيضطر لمتابعة الحرب للنهاية وألا يبحث عن مخرج سريع.
"خطيئة" حزب الله
ويرى الفتيح أن "حزب الله" ارتكب خطيئة إستراتيجية منذ البداية عبر الرهان على أن هذه الحرب ستكون محدودة، وأن المخرج متوفر عبر إيقاف المواجهات بشكل متزامن مع توقف الحرب في غزة، ونسي أنه هو الهدف الأصلي للتحضيرات العسكرية الإسرائيلية منذ سنوات، وليس فصائل غزة. ولهذا لم يبحث عن "خطة ب".
ويوضح الباحث أنه، حتى في الأيام الأولى لهذه الحرب "أسهم الشمال"، وعبر الرسائل المنقولة علنًا، عبر نبيه بري، وعبر القنوات السرية، أظهر "حزب الله" الاستعداد للتفاوض والتوصل لتسوية، بما في ذلك تطبيق القرار 1701 وما يعنيه من انسحاب "حزب الله" من منطقة جنوب الليطاني. ولكن إسرائيل لا تريد تسوية سريعة. فقد حرصت عبر الضربات السابقة - خصوصًا تفجير أجهزة "البيجر" - أن تجعل "حزب الله" في وضع يضطر فيه لدخول حرب طويلة. وهذا ما حاول "حزب الله" التملص منه.
الحرب مستمرة حتى 2025
يعتقد الفتيح أن إسرائيل تراهن الآن على أن أي وجوه جديدة تصعد للمواقع القيادية في "حزب الله" - بما في ذلك احتمال اختيار أمين عام جديد - ستجد نفسها مضطرة لمتابعة الحرب للنهاية وألا تبدأ عهدها بتنازلات لإسرائيل؛ لأن هذا سيعني الاعتراف بهزيمة إستراتيجية، وإسرائيل بكل تأكيد ستضع شروطًا قاسية جدًا (كما فعلت مع حماس).
ومن هنا - والكلام للباحث الفتيح- سيضطر "حزب الله" الآن لمتابعة حرب اختارت إسرائيل توقيتها، ووتيرتها، ووجهت الضربات الأقسى فيها حتى قبل أن يتنبه خصمها. وهذا وضع إستراتيجي مثالي لإسرائيل، والتي لن تتخلى عنه قريبًا.
ويتوقع الباحث محمد صالح الفتيح بناءً على ما سبق أن تستمر الحرب الحالية لفترة طويلة جدًا، وربما خلال العام 2025.