الجيش الإسرائيلي: إطلاق نحو 30 صاروخا من لبنان تجاه الجليل الأعلى واعتراض بعضها
تتأرجح جبهة جنوب لبنان وشمال إسرائيل ما بين التهدئة والتصعيد، في ظل تواتر التهديدات الإسرائيلية بنقل المعركة من غزة إلى لبنان، وجعل حزب الله ولبنان يدفعان أثمانا باهظة، في وقت تسعى الولايات المتحدة إلى لجم الاندفاعة الإسرائيلية في خضم انشغالها بالاستحقاق الانتخابي وعدم رغبتها في الانجرار إلى حرب لا ترى بأنها ضرورية.
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، هدد لبنان باجتياح بري، في وقت شهدت جبهة الجنوب تسخيناً إسرائيلياً أدى إلى سقوط 24 جريحاً ومقتل قيادي في ميليشيا "حزب الله".
وقال غالانت خلال جولة قام بها في المنطقة الحدودية: "نحوّل ثقل العمليات العسكرية شمالاً استعداداً لاستكمال المهام في الجنوب" اللبناني، داعياً العسكريين إلى "ضرورة الاستعداد لعملية برية شاملة على المستويات جميعها".
ووسط أجواء الترقب، يحذر مسؤولون أمريكيون من تداعيات أي حرب شاملة على المنطقة، مشيرين إلى أن التصعيد في جبهة جنوب لبنان قد يكلف إسرائيل أثمانا باهظة من دون أن تحقق أهدافها، وأنه في مثل هذا السيناريو قد تحدث الكثير من الخسائر البشرية والمادية، في وقت خرجت تسريبات تفيد بأن الإدارة الأمريكية بدأت في بلورة خطة بديلة لحل دبلوماسي في الجبهة مع لبنان في ظل تعثر المفاوضات في غزة.
مسؤول أمريكي اعتبر أنه لا يوجد حل سحري يُمكِّنُ من القضاء على الطرف الآخر، مشيرا إلى أنه في نهاية الحرب، قد تدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، ولا تُحقق أهدافها.
وشدد المسؤول الأميركي على أن الحرب في لبنان ستؤدي إلى تدخل المجتمع الدولي للتوصل إلى حل دبلوماسي لإنهائها، وهو حل قد يبدو مشابهاً جداً للحل الدبلوماسي الذي يُناقش اليوم.
لكن المسؤولين الإسرائيليين، وفق مصادرَ إعلامية، أبلغوا نظراءَهم في واشنطن، بأن إسرائيل لا يمكنها انتظارُ المزيد لتشرع في عملية عسكرية جنوبي لبنان.
ولذلك تبدو احتمالات اشتعال جبهة الجنوب موازية لاحتمالات التهدئة.
العديد من المؤشرات تفيد بأن هذه الجبهة ذاهبة بلا شك إلى الاشتعال، فيما تفيد مؤشرات أخرى إلى أن لدى إسرائيل الكثير لتفكر به قبل خوض هذه المغامرة غير المحسوبة.
مؤشرات الحرب
تتراكم العديد من المؤشرات التي توحي بأن إسرائيل ماضية في حربها باتجاه جنوب لبنان، ويعتقد مراقبون أن مسألة اتساع جبهة الشمال والاتجاه نحو حرب مفتوحة هي مسألة وقت. فالوضع بما يخص حزب الله وجنوب لبنان يختلف عما يجري في غزة.
في غزة تطفو الخلافات بين المستويات السياسية والعسكرية وأيضا في أوساط الرأي العام الإسرائيلي، حول الأولويات، بمعنى؛ هل يجب وقف إطلاق النار وإعادة الأسرى، أم استكمال الحرب بأي ثمن حتى تدمير حماس بشكل نهائي.
في المسألة اللبنانية هناك انسجام بين المستويات الثلاثة؛ العسكرية والأمنية أولا والسياسية ثانيا وكذلك أغلبية الرأي العام ثالثا، الجميع متفق تقريبا على ضرورة الذهاب نحو الحرب ضد حزب الله ولبنان وضرورة جعل الحزب يدفع ثمنا غاليا نتيجة ما حصل خلال الأشهر الأحد عشر الماضية.
ثمة من يقول إن الأمر وشيك، ولكن جزئية الزمن هي ما تؤخر الحرب، ذلك أن النقاش الآن يدور حول الوقت الأنسب للذهاب إلى هذه الحرب؛ مع حرب غزة المستمرة منذ 11 شهرا واشتعال جبهة الضفة الغربية، أم بعد إنهائهما، خاصة أن القناعة الإسرائيلية والإقليمية والدولية تقول إن حرب غزة مستمرة، ولا يبدو أن اتفاقا يلوح في الأفق بشأن وقف إطلاق النار قبل الانتخابات الأمريكية في ظل تعنت نتنياهو وإصراره على إخلاء شمال غزة والسيطرة على معبري فيلادلفيا مع مصر ونتساريم الذين يقسم القطاع، ورفض حماس لشروطه.
يجادل العديد من المراقبين بأن من يعرف العقلية الإسرائيلية يدرك بأن جبهة جنوب لبنان ذاهبة نحو التصعيد. لا بل قد نرى فيها تصعيدا أكثر مما رأينا في غزة وذلك لعدة اعتبارات: الأول هو أن حزب الله هشّم ما تبقى من قوة الردع الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر. أما الثاني فيتعلق بقدرات حزب الله التي تضخمت بشكل يهدد إسرائيل، ليس الآن فقط، بل دائما، وهذا يجعل من مسألة القضاء على هذه القوة أو إضعافها قدر الإمكان أولوية وهدف لا غنى عنه.
يمكن أن يضاف سبب آخر إلى ما سبق، فتدحرج الحرب واتساعها قد يجر إيران إلى أتونها، وهذا ما يبحث عنه نتنياهو بالتحديد، إذ يتحين الوقت المناسب للزج بإيران في الحرب، وسيضمن بالتالي إدخال أمريكا إلى جانبه؛ ومن ثم توجيه ضربة قاصمة لإيران وقدراتها الصاروخية وخاصة لبرنامجها النووي.
مؤشرات التهدئة
في مقابل السيناريوهات السابقة التي تشير إلى حتمية اشتعال جبهة جنوب لبنان، تبرز العديد من المؤشرات التي تعاكس السيناريوهات السابقة. وترجح المراوحة في المكان واستمرار الوضع الحالي بين إسرائيل وحزب الله حتى الوصول إلى اتفاق في غزة، لأن الطرفين يعلمان خطورة خروج الأمور عن السيطرة.
كما أن غالانت الذي يقاوم رغبات نتنياهو يلمح لإنهاء الحرب في غزة، ليس خوفا من الحرب فقط، بل من تداعيات جر الحرب إلى لبنان، ويريد تجنب هذا السيناريو ". ذلك أن "المخاطرة بالحرب مع لبنان، قد يخوضها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لأن بقاءه في الحكم هو الأولوية بالنسبة له، لكن غالانت والكثيرين في الحكومة، رافضون لها".
الخبراء يشيرون إلى وجود "3 حسابات أو "عوائق" يجب على إسرائيل أخذها بعين الاعتبار، قبل إطلاق أي عملية ضد حزب الله، الأولى تتمثل في قدرة إسرائيل على تحمّل القصف الذي سيشنه الحزب على المدن والمطارات حتى تل أبيب، والثانية؛ دخول قوى المحور مجتمعة إلى جانب الحزب، والأهم ربما؛ موافقة الولايات المتحدة على العملية، وهذه النقطة هي الأهم في حسابات المعركة المحتملة، لأن موافقة أمريكا تعني تلقائياً أن الذخيرة والأسلحة ستكون مؤمّنة والموافقة السياسية مؤمّنة، وكذلك الحماية السياسية".
ومن هنا كان موقف واشنطن واضحا بثني إسرائيل عن الدخول في هذه الحرب والتحذير من تداعياتها، من منطلق أنه "إذا اندلعت الحرب، وتدخلت إيران (وهي لا يمكن إلا أن تتدخل ليقينها أن هذه الحرب لا يمكن أن تتم إلا بموافقة أمريكا)، فإن السؤال الأهم هو: هل ستستهدف إيران الوجود الأمريكي في المنطقة؟".
"هذه كلها أسئلة محورية يجب أن يحسب حسابها في سياق أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد حزب الله، لكن الأهم من كل ذلك هو الهدف السياسي الذي سيحققه نتنياهو في حربه هذه ضد حزب الله، وهو شرط ضروري قبل التوجه إليها، خاصة أن نتنياهو ومنذ 11 شهرا لم يستطع تحقيق أهدافه السياسية في غزة، فما بالك بجبهة جنوب لبنان التي تختلف في كل شيء تقريبا عن جبهة غزة".
في ظل هذا الواقع الهش، ثمة ترقب لأي تطور يمكن أن يذهب بالمنطقة إلى حرب شاملة لن يكون أحد بمأمن منها، فيما ينتظر كثيرون حصول اختراق يؤدي إلى اتفاق، خاصة مع حديث أمريكي يدور في الكواليس عن أن الحل الدبلوماسي بين إسرائيل ولبنان جاهز، وينتظر وقف إطلاق النار في غزة، ومن ثم لا حاجة إلى خوض حرب موسعة مع لبنان.