يرى خبراء ومختصون في الشأن العسكري، أن هناك فروقًا جوهرية بين جبهتي غزة وجنوب لبنان، اللتين تقاتل فيهما إسرائيل الجناح المسلح لحركة حماس وفصائل فلسطينية وميليشيا "حزب الله"، وهو الذي يفرض على الجيش الإسرائيلي التعامل مع الجبهتين بإستراتيجيات مختلفة، ما يعني استمرار الحرب وعدم وجود آمال بشأن الهدنة.
ووفق التقديرات العسكرية، فإن أبرز الفروق بين الجبهتين تتمثل في الطبيعة الجغرافية لهما، علاوة على الحدود المفتوحة لجبهة لبنان مع سوريا، إضافة إلى التسليح العسكري، والعلاقة مع إيران، التي تختلف بين الجبهتين.
الطبيعة الجغرافية
وتختلف الطبيعة الجغرافية لجبهة جنوب لبنان منها عن جبهة غزة، وهو الأمر الذي يفرض تحديات كبيرة أمام الجيش الإسرائيلي للتعامل مع الجبهة اللبنانية، خاصة في حال قرر تنفيذ خطة الاجتياح البري، التي يهدد بها منذ تصاعد التوتر العسكري.
ويرى الخبير في الشأن العسكري، قاصد محمود، أن "الطبيعة الجغرافية للجنوب اللبناني تصعّب على الجيش الإسرائيلي مهامه العسكرية البرية، وتجعل من المستحيل تفادي الخسائر البشرية واللوجستية بتلك الجبهة".
وأوضح محمود، لـ"إرم نيوز"، أنه "وبشكل مختلف عن غزة لن يتمكن الجيش الإسرائيلي من التمركز عسكريًا في الجنوب اللبناني لفترة طويلة، خاصة أن الطبيعة الجبلية ستصعّب المواجهة العسكرية بينه وبين ميليشيا حزب الله".
وأضاف: "في غزة الطبيعة الساحلية تسهّل العمل العسكري للجيش الإسرائيلي، وتمكنه من إنشاء مواقع عسكرية ومناطق أمنية تحميه من أي هجمات مسلحة"، مؤكدًا أن القادة العسكريين والأمنيين في إسرائيل يضعون ذلك في الحسبان.
الحدود المفتوحة
ومن الفروقات بين الجبهتين، الحدود المفتوحة للبنان مع سوريا، التي تمكّن ميليشيا "حزب الله" من إنشاء خطوط إمداد عسكرية لتعويض أي أضرار تلحق بأسلحتها، وتعطيها مساحة لمواصلة القتال العسكري لأطول فترة ممكنة.
ووفق محمود، فإن "الميليشيا اللبنانية عملت على مدار السنوات الماضية من أجل ضمان وجود خطوط إمداد تشرف عليها إيران في حال اندلاع حرب كبيرة مع إسرائيل"، لافتًا إلى أن ذلك لا يتوفر لحركة حماس والفصائل المسلحة في غزة؛ لعدم ارتباطها بحدود أي دولة حليفة لإيران.
وبيّن أن "ذلك يمكّن ميليشيا حزب الله من القتال لفترة أطول من الجناح المسلح لحركة حماس في غزة، خاصة أنه سيكون لها القدرة في تعويض الفاقد العسكري بشكل جزئي"، لافتا إلى أنه بالرغم من ذلك فإن إسرائيل ستعمل على استهداف خطوط الإمداد.
التسليح العسكري
ومن الاختلافات الجوهرية بين جبهتي جنوب لبنان وغزة، التسليح العسكري، حيث إنه في الوقت الذي قدمت إيران لـ"حزب الله" كل الإمكانيات العسكرية الممكنة، إلا أنها لم تقدم لحركة حماس والفصائل الفلسطينية إلا إمكانيات محدودة مقارنة مع الحزب.
ويرى الخبير في الشأن العسكري، يوسف الشرقاوي، أن "إيران كانت معنيّة بالتطور العسكري لميليشيا حزب الله أكثر من حركة حماس والفصائل الفلسطينية الموالية لها، خاصة أن الحزب يمثل ذراعها العسكري في المنطقة وحليفها الإستراتيجي".
وقال الشرقاوي، لـ"إرم نيوز"، إنه "من الواضح أن إيران ساعدت ميليشيا حزب الله على امتلاك قدرات عسكرية قوية، خاصة فيما يتعلق بالقدرات الصاروخية والطائرات المسيرة"، مبينًا أن ذلك كان محدودًا على جبهة غزة.
وأشار إلى أن ذلك يأتي في إطار التوازنات الإقليمية والدولية التي تعمل إيران على مراعاتها وعدم تجاوز الخطوط الدولية الحمراء فيما يتعلق بتسليح الفلسطينيين، فيما كانت لديها الجرأة على تجاوز تلك الخطوط مع ميليشيا حزب الله، وفق تقديره.
العلاقة مع إيران
ويعتبر ملف العلاقة مع إيران من أبرز الفروقات الجوهرية بين جبهتي لبنان وغزة، خاصة أن جبهة لبنان تعتبر الأكثر أهمية بالنسبة للإيرانيين من الفلسطينيين وجبهة غزة، وأن ميليشيا حزب الله هي الذراع التي تعتمد عليها طهران في حال اندلاع حرب بينها وبين تل أبيب.
وقال الشرقاوي، إن "إيران تولي أهمية كبيرة للحزب على حساب حركة حماس والفلسطينيين، خاصة أنها واجهت صعوبات في العلاقات مع الحركة، في ظل عدم قدرة حركة حماس على تبني السياسات والأيدولوجيات الإيرانية بالكامل".
وأضاف أن "العلاقة بين إيران وجبهة غزة وتحديدًا حركة حماس تأثرت كثيرًا إثر موقف الأخيرة من الأحداث في سوريا عام 2011، وبالتالي فإن طهران لا يمكن أن تثق بشكل كامل في حركة حماس، وهو ما يدفعها لتعزيز علاقتها أكثر من جبهة لبنان".
وخلص الشرقاوي إلى أن "ميليشيا حزب الله هي الأقرب لإيران من حركة حماس وجبهة غزة، وقد يضطر الإيرانيون للدخول في الحرب ضد إسرائيل لإنقاذ الحزب، إلا أنهم لم يتخذوا السياسات نفسها تجاه الحرب في غزة التي أدت لدمار كبير في القطاع".