رأى باحثون ومراقبون أن تصاعد ظاهرة شراء الأصوات في الانتخابات العراقية بات يهدد العملية السياسية، ويقوّض التنافس النزيه وسط تحذيرات من استغلال النفوذ والمال السياسي.
ويأتي ذلك مع اقتراب موعد انتخابات مجلس النواب العراقي المقرّرة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، والتي تعتبرها الأوساط السياسية محطة حاسمة لإعادة تشكيل المشهد التشريعي وسط ضغوط دولية لضمان النزاهة.
وأكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في بيان بأنه "تم اتخاذ إجراءات مشددة لضمان سلامة العملية الانتخابية، ووجهت تحذيرات صريحة من بيع أو شراء بطاقات الناخبين، أو استغلال موارد الدولة لأغراض دعائية"، معتبرة أن هذه المخالفات "جرائم يعاقب عليها القانون، وقد تؤدي إلى استبعاد المرشحين والأحزاب".
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي حسن العامري إن "ظاهرة شراء الأصوات باتت من أخطر التحديات التي تضرب العملية السياسية في العراق، وتشكل انقلابًا على الإرادة الشعبية".
وأضاف العامري لـ"إرم نيوز" أن "التلاعب بإرادة الناخبين لم يعد مقتصرًا على توزيع الأموال قبيل التصويت، بل تطور إلى شراء بعض المرشحين أنفسهم من قبل قوى تمتلك المال والنفوذ، ما يكشف حجم تفشي الفساد في العمل السياسي"، مشددًا على أن "بعض الأحزاب باتت تتعامل مع الترشح كصفقة مالية، وليس كخدمة وطنية".
وأشار إلى أن "شراء الأصوات لا يعني فقط دفع المال نقدا للناخب، بل يمتد إلى وعود بوظائف، أو قروض، أو استخدام النفوذ العشائري والديني، ما يجعل الانتخابات تتحول إلى بورصة مفتوحة لعرض كل شيء".
اشتراطات معقدة
وتقول مصادر متابعة للملف الانتخابي إن بعض الأحزاب باتت تشترط على المرشحين الجدد تقديم قائمة أولية بعدد لا يقل عن 1000 - 2000 مؤيد لضمان القبول في القوائم، وهو ما يفتح الباب لتزوير الدعم الشعبي أو شرائه.
وفي بعض المناطق، يجري التلاعب بالقوائم الانتخابية من خلال شبكات محلية تنشط في الأحياء والأسواق، وتنسق مع مرشحين أو ممولين مقابل مبالغ مالية، ما يحول الصوت الانتخابي إلى سلعة تُباع وتُشترى.
وتُظهر تقارير محلية أن الظاهرة تتفاقم في البيئات التي تسجّل معدلات عزوف مرتفعة، حيث تستغل بعض الأطراف السياسية ضعف الإقبال للتأثير على النتائج من خلال الحشد المدفوع، مستغلة حاجة المواطن أو عدم قناعته بالمرشحين.
وكانت المفوضية قد بدأت يوم السبت (28 حزيران 2025) مراجعة أولية لقوائم المرشحين، تمهيدًا لإرسالها إلى وزارات ومؤسسات رسمية لفحص أهلية المتقدمين، وسط تأكيدات بأن الردود ستُحسم خلال 15 يومًا قبل المصادقة النهائية.
صمت رقابي وضعف الردع
ويحمّل مراقبون المفوضية العليا للانتخابات والأجهزة الرقابية جانبًا من المسؤولية في تفشي هذه الممارسات، بسبب ما وصفوه بـ"ضعف الإجراءات الرادعة"، وعدم اتخاذ قرارات حازمة في الانتخابات السابقة ضد الجهات المتورطة.
ويقول هؤلاء إن الأحزاب الكبرى تتغاضى عن الظاهرة، بل تشارك فيها أحيانًا، وهو ما ينعكس في بنية البرلمان، التي يغلب عليها منطق الولاءات المالية بدلًا من تمثيل الإرادة الشعبية، وسط تراجع ملحوظ في البرامج والخيارات الجادة.
تنسف فرص الإصلاح
في هذا السياق، قال الخبير الانتخابي هوكر جتو إن "المال السياسي أصبح أداة حاسمة في رسم نتائج الانتخابات، لا من خلال الناخبين فقط، بل عبر فرض المرشحين أنفسهم داخل القوائم".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "اشتراط تقديم عدد كبير من المؤيدين من دون التحقق من صدقيتهم، يعني تشجيعًا ضمنيًا على شراء الولاءات، وتكريس نهج لا يخدم التمثيل الحقيقي".
وأشار إلى أن "هذه الظاهرة لا تمثل فقط خللًا قانونيًا، بل تنسف فرص الإصلاح وتؤدي إلى إنتاج برلمان هش يبحث عن المساومات، وليس عن تشريعات تخدم المواطنين".
ويرى محللون أن استمرار هذه الظاهرة سيقود إلى نتائج انتخابية لا تعبر عن المزاج العام، بل تُكرس سلطة المال والنفوذ، وتُضعف ثقة المواطن بالعملية السياسية برمتها.
كما تؤثر هذه الممارسات على مشاركة الشباب والشرائح المستقلة، التي تجد نفسها خارج اللعبة بسبب عجزها عن مجاراة الإنفاق الانتخابي، ما يؤدي إلى عزوف أكبر، وفرص أقل للتغيير.
ويطالب ناشطون بإطلاق حملة توعية واسعة، وربط المخالفات الانتخابية بعقوبات جزائية واضحة، وتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن حالات شراء الأصوات.