بات العراق واحدًا من أكبر معابر التهريب الإقليمية لتجارة المخدرات، نظرًا لموقعه الجغرافي الإستراتيجي، فضلًا عن استغلال مافيات المخدرات والميليشيات المسلحة للانفلات الأمني.
وتحوّل العراق من ممر لتهريب المخدرات نحو الخليج، والأردن، وتركيا، وسوريا، ما قبل العام 2003 إلى سوق رئيسة لاستهلاك مختلف أنواع المخدرات والمؤثرات العقلية، وصولًا إلى مصنع لبعض منها مثل مخدر "الكريستال".
وتشير الإحصائيات والأرقام الخاصة بالمخدرات في العراق إلى تحوّل عمليات التجارة والتعاطي إلى ظاهرة مستفحلة لم تستطع الأجهزة الأمنية العراقية السيطرة عليها حتى اليوم.
المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق كشف أرقامًا صادمة لتجارة المخدرات في البلاد، داعيًا الجهات المختصة لتشديد القوانين العراقية لتكون رادعًا لتجار المخدرات.
وقال رئيس المركز، فاضل الغراوي، إن "أرقام وزارة الداخلية التي حصل عليها المركز تشير إلى القبض على (43) ألف تاجر وحائز للمخدرات، بينهم (150) تاجرًا أجنبيًا، ينتمون إلى (230) شبكة للتجارة، منها (27) شبكة دولية".
وأضاف لـ"إرم نيوز": "إن كل أنواع المخدرات والمؤثرات العقلية باتت منتشرة في العراق، بما فيها الهيروين والحشيش، لكن تعد مادة "الميثامفيتامين" المعروفة باسم "الكريستال" من أكثر المواد تعاطيًا في العراق، حيث بلغت نسبة تعاطيها (37%) مقارنة ببقية الأنواع، واحتل "الكبتاجون" المرتبة الثانية بنسبة (34%)، والأنواع الأخرى بلغت (29%)".
وذكرت إحصائيات مجلس القضاء الأعلى في العراق أن "نسبة الإدمان على المخدرات قد تصل إلى 50% من فئة الشباب، وسط ارتفاع ملحوظ في نسبة الجرائم في البلاد".
بينما كشف مصدر في وزارة الداخلية العراقية، لـ"إرم نيوز"، عن القبض على "أكثر من (18) ألف تاجر وحائز للمخدرات، خلال الأشهر الثمانية الماضية، من العام الجاري، 2024، فيما تم ضبط (14) طنًا من المخدرات والمؤثرات العقلية".
ويحتل العراق مراكز متقدمة في المؤشر العالمي لتجارة المخدرات، حيث احتل المرتبة 31 عالميًا من أصل 192 دولة، بواقع 7.05 نقطة.
تعد إيران وأفغانستان المصدر الرئيس للمخدرات بأنواعها كافة، فيما باتت سوريا، في السنوات القليلة الماضية، واحدة من المصدرين لمادة "الكبتاغون" المخدرة إلى العراق.
ويقول ضابط رفيع المستوى في مديرية مكافحة المخدرات إن "هناك ثلاث طرق رئيسة تدخل منها المخدرات إلى العراق: الأولى تشمل خط (إيران-إقليم كردستان العراق) الذي يستغل الجبال الوعرة الممتدة على طول الحدود مع مدينة السليمانية لعبور المخدرات، والثاني، الطريق الجنوبي الذي يربط إقليم خوزستان الإيراني بمحافظة البصرة وبغداد".
وأوضح الضابط، الذي يحمل رتبة عميد، لـ"إرم نيوز"، شريطة عدم ذكر اسمه، أن "الخط الثالث، الذي لم يمضِ على استخدامه سوى ثماني سنوات تقريبًا، يتضمن منفذ القائم والحدود السورية الممتدة من التنف مرورًا بالبوكمال وصولًا إلى المثلث التركي العراقي السوري".
لم يقتصر تأثير المخدرات على الداخل العراقي فقط، بل شكل كابوسًا لدول الجوار وأوروبا على حد سواء، حيث إن "المخدرات المهربة من إيران باتجاه إقليم كردستان تصل إلى تركيا ثم أوروبا، والمهربة من إيران نحو البصرة تصل إلى الخليج العربي والأردن"، بحسب الخبير الأمني، مؤيد الفرطوسي.
وقال الفرطوسي لـ"إرم نيوز": "إن خطر المخدرات لا يقتصر على العملية التدميرية لصحة المجتمع، بل بات خطره يكمن في كونه موردًا ماليًا كبيرًا ينعش الميليشيات المسلحة ويرفدها بالأموال اللازمة لضم المزيد من العناصر والتسليح".
وأضاف أن "الميليشيات المسلحة العراقية تسيطر على معظم تجارة المخدرات في البلاد، خاصة من الجانب السوري، الذي تنتشر فيه تلك الميليشيات على طول الحدود وتتحكم في المنافذ، لا سيما مادة (الكبتاغون) التي تم إنشاء مصانع لها في سوريا ومناطق نفوذ الميليشيات هناك".
وأعلنت وزارة الصحة العراقية، في وقت سابق، عن تحول البلاد من ممر لعبور المواد المخدرة إلى مركز لتعاطيها والمتاجرة بها، مؤكدة أن "(الكريستال) و(الحشيش) و(الأفيون)، باتت منتشرة في العراق، لذا تبرز الحاجة إلى وضع خطط إستراتيجية لمواجهتها، خاصة أن أغلب المتاجرين يستهدفون الشباب من طلبة الجامعات والمدارس".
وتسيطر الميليشيات المسلحة على الحدود الإيرانية والسورية على حد سواء، فضلًا عن سطوتها الواسعة على المنافذ الحدودية الرسمية عبر وكلائها أو بتهديد الضباط التابعين للأجهزة الأمنية العاملين في تلك المنافذ.
ويقول مصدر في هيئة المنافذ الحدودية، لـ"إرم نيوز"، إن "القوات الأمنية الممسكة بالمنافذ هي قوات شكلية، فالمتحكم الرئيس هي الميليشيات والأحزاب السياسية، والدليل أنه لو أراد أي ضابط مهما كانت رتبته رفيعة الصدام مع تلك الميليشيات وعرقلة بضائع داخلة تعود لتلك المليشيات، فإنه إما يُقتل أو يتم نقله على الفور إلى دوائر أخرى".
وتؤكد غالبية المصادر التي تحدثت معها "إرم نيوز"، تورط الميليشيات المسلحة في عمليات تهريب المخدرات من سوريا وإيران نحو العراق.
مصدر مقرب من مكتب رئيس الوزراء أكد، "أن ملف المخدرات مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأحزاب التي تمتلك أجنحة عسكرية وميليشيات، حيث باتت توفر تلك الأحزاب الغطاء السياسي والحماية لشبكات الاتجار بالمخدرات".
وبين أن "هذا ليس شيئًا مخفيًا على القيادات العليا السياسية أو الأجهزة التنفيذية، وتصل الحكومة ورئيسها تقارير مفصلة عن عمليات التهريب التي تجري في الجانب الإيراني والسوري، لكن الإجراءات دائمًا ما تصطدم بواقع حماية الأحزاب لتلك الشبكات".
وأضاف، لـ"إرم نيوز"، شريطة عدم ذكر اسمه، أن "ملايين الدولارات تدرها تجارة المخدرات على الميليشيات المسلحة ذات الارتباطات العقائدية الدينية مع طهران، والتي لها مطلق الحرية في التحرك عبر الحدود (العراقية-الإيرانية) من الجهة الشرقية، و(العراقية-السورية) من جهة الغرب، وفي كلتا الحالتين هناك تماهٍ مع شبكات نقل المخدرات".
ضابط في وحدة مكافحة المخدرات في الأنبار حدد لـ"إرم نيوز"، 3 معابر لدخول "الكبتاغون" من سوريا: "الأول عبر البوكمال نحو مدينة القائم الحدودية، أو منطقة الوليد نحو الصحراء العراقية، والثاني عبر صحراء الرطبة عبر طرق نيسمية تسير على امتداد الحدود السورية وصولًا إلى الرطبة، والأخير عبر وادي حوران".
كان القانون العراقي يشدد العقوبة على تجار المخدرات والناقلين والمتعاطين، لهذا كان العراق يعد ممرًا فقط وبكميات قليلة للمخدرات نحو دول الجوار، لكن ما بعد العام 2003 تم تعديل قانون المخدرات ليمنح عقوبات مخففة على تلك المواد.
من جانبه، يقول الخبير القانوني، هادي الدراجي، إن "سيطرة الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة وميليشيات متورطة بشكل كبير في عملية تسهيل وحماية تجار المخدرات، خاصة عبر سيطرة تلك الأحزاب على التشريعات القانونية، حيث تم تعديل قانون المخدرات الذي كان لا يتهاون مع تجار المخدرات وكان رادعًا لهم".
وأضاف لـ"إرم نيوز"، "أما اليوم، فالقانون الجديد شجّع المنخرطين في هذه التجارة على العمل، لأنهم يعرفون جيدًا أن هناك من يحميهم، وأن القانون ليس سوى لعبة بيد المتورطين في هذه التجارة".
ونظرًا لاستفحال ظاهرة المخدرات في العراق، عمل البرلمان العراقي خلال الدورة الحالية ولأول مرة على استحداث لجنة برلمانية خاصة بمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، التي ألقي على عاتقها التنسيق والمراقبة مع الجهات الأمنية والدوائر المختصة للحد من الظاهرة.
ويقول رئيس اللجنة عدنان الجحيشي، لـ"إرم نيوز": "إن العراق دخل معركة الإرهاب وانتصر فيها، إلا أنه، اليوم، يعطي الأولوية لمعركة المخدرات التي تعد آفة وعدوًا يفوق الإرهاب، حيث نعمل في مجلس النواب عبر قدرتنا على التشريعات لسن قوانين لردع تجارة المخدرات والحد منها في البلاد".
ودعا وزارة الخارجية العراقية والأجهزة الأمنية إلى "ضرورة زيادة التنسيق والتعاون الإقليمي والدولي بهدف ضبط الحدود ومنع انتقال المخدرات إلى البلاد"، مشيرًا إلى الحدود الإيرانية والسورية اللتين أصبحتا المعبر الرئيس للمخدرات إلى داخل العراق.
من جهته، أكد عضو لجنة المخدرات النيابية، أمير المعموري، استفحال المخدرات في البلاد إلى درجة تتطلب وقفة حكومية وتكاتفًا كبيرًا بين كافة الأجهزة المختصة للحد منها.
وقال لـ"إرم نيوز": إن "الحدود العراقية مع إيران وسوريا باتت مكمن خطر مع تزايد عمليات تهريب المخدرات إلى البلاد"، داعيًا "وزارتي الداخلية والمنافذ الحدودية لضبط الحدود بالشكل الذي يضمن الحد الأدنى من دخول المخدرات".
وأشار إلى أن "ظاهرة المخدرات لم تنحسر، بل باتت تتسع بشكل مخيف، والدليل ما تابعناه من أعداد التجار والمتعاطين الذين يتم إلقاء القبض عليهم أو محاكمتهم".
من جهته، وصف مدير دائرة مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية العراقية، بلال صبحي، في تصريح مقتضب لـ"إرم نيوز"، ملف المخدرات بـ"الخطير والمعقّد".
وقال لـ"إرم نيوز": إن "ملف المخدرات خطير ومعقد، حيث تتداخل فيه عوامل داخلية وخارجية في ذات الوقت"، مشيرًا إلى أن "الأجهزة الأمنية تخوض حربًا كبيرة مع تجار وشبكات ومهربي المواد المخدرة"، داعيًا "المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية بالإبلاغ عن أي شخص يشتبه في تجارته للمخدرات".
وصادر العراق العام 2023 وحده كميات قياسية من المخدرات بلغت أكثر من 24 مليون قرص كبتاغون، أي ما يقارب 4.1 طن، وتقدر قيمتها بين 100-120 مليون دولار، بحسب تقديرات ضباط في مكافحة المخدرات.
وكان وزير الداخلية العراقي، عبد الأمير الشمري، قد أكد خلال مؤتمر صحفي عقده قبل أيام قليلة، أن "خطر المخدرات يتزايد بقوة، لذلك نحتاج إلى وثيقة دولية لتطويق آفة المخدرات، وباتت الضرورة للتعاون والتنسيق للوقوف بوجه خطر المخدرات".