الملاجئ والأنفاق.. هل تقوم بدورها في حرب غزة؟
في إطار نظرية الأمن القومي الإسرائيلي، التي ترتكز على ضمان حياة المواطنين، تحرص إسرائيل على بناء تحصينات وملاجئ لحمايتهم في أوقات الحروب، بينما تزداد حاجتها إليها في ظل اتساع صراعها بالإقليم.
في المقابل، ومع كل قصف جوي على قطاع غزة، يظهر سؤال رئيس: لماذا لا يملك الفلسطينيون ملاجئ آمنة؟، وذلك رغم أن حركة حماس تركز جهودها على بناء شبكة أنفاق ضخمة في القطاع يُسميها الجيش الإسرائيلي بـ"مترو غزة".
الملاجئ.. نهج دفاعي
ويُعدُّ بناء الملاجئ في إسرائيل نهجًا دفاعيًّا يعود إلى نشأتها، بسبب موقعها الجغرافي الذي يجعلها في مواجهة الدول العربية، إذ صدر قانون الملاجئ عام 1951، ويشتمل على 28 بندًا يُنظم بناء الملاجئ والقوات المشارِكة في بنائها، وكل الأمور المتعلقة بها.
وجرى تعديل القانون مرات عدة، وفقًا لتطورات الأحداث العسكرية، ففي البداية كانت الملاجئ مخصصة لإيواء النساء والأطفال، ثم تطور الأمر وأصبحت الملاجئ مخصصة لإيواء جميع الإسرائيليين من مدنيين وعسكريين.
غير أنه جرى تخصيص ملاجئ لكبار القيادات السياسية والعسكرية في إسرائيل، وهي الملاجئ الأكثر تحصينًا على الإطلاق في العالم حاليًّا.
وثمة ثلاثة أنواع رئيسة من الملاجئ في إسرائيل: "مماد" وهي غرفة محصنة تستخدم ملجأً في الشقة الخاصة الواحدة، و"مماك" وهو ملجأ جماعي يوجد في مبنى خاص كالعمارة السكنية، ويكون مُخصصًا لجميع سكان المبنى، و"ميكلت" وهو ملجأ جماعي عام يوجد خارج المباني والبنايات في الشارع العام، بالإضافة إلى الملاجئ الموجودة تحت الأرض.
وفي عام 1991، أطلق الرئيس العراقي الراحل صدام حسين صواريخ سكود على إسرائيل، ما أسفر عن مقتل العديد من الإسرائيليين، وأدَّى ذلك إلى سن الكنيست الإسرائيلي قانونًا يلزم الحكومة بإنشاء ملاجئ لكل الإسرائيليين.
ومع احتمال امتلاك إيران أسلحة نووية، بدأت إسرائيل في بناء ملاجئ عدة، وفي عام 2003، عندما كان أرييل شارون رئيسًا للوزراء، أعلن بناء ملجأ ضخم ومحصن للغاية للمسؤولين الإسرائيليين.
ويشترط "قانون الدفاع المدني" الإسرائيلي أن تحتوي جميع المنازل والمباني السكنية والمنشآت الصناعية ملاجئ مضادة للقنابل، لحماية الإسرائيليين عندما تنطلق صفارات الإنذار، ما يوفر لهم مواقع آمنة ومحصنة للاختباء من الصواريخ.
صناعة الملاجئ
وفي هذا الشأن، يرى الخبير المصري في الشؤون الإيرانية، الدكتور يوسف بدر، أن "تخطيط الملاجئ في المدن الجديدة بات أمرًا مطلوبًا مع ظهور أسلحة الدمار الشامل التكتيكية والقنابل النووية، لذا نجد إسرائيل تهتم ببنائها داخل المدن الكبرى مُستعينةً بشركات عالمية".
وأوضح، في حديث لـ "إرم نيوز"، أن "الملاجئ في تل أبيب مجهزة لحياة كاملة تحت الأرض في إطار استراتيجيتها الدفاعية، خصوصًا أن الإسرائيليين لا يملكون فرصة الفرار إلى دولة مجاورة، مثلما فعل اللبنانيون أو الفلسطينيون".
وفي الإطار نفسه، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور رمضان العقاد، أن "إسرائيل تلجأ إلى بناء الملاجئ لحماية شعبها حماية كاملة في أثناء الحروب، لذا أنشأت معظم مبانيها ومؤسساتها بنحو يُشبه التحصينات العسكرية لضمان سلامة مواطنيها".
إستراتيجية إسرائيل الدفاعية
ويوضح الخبير المصري في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور محمد عبد الدايم، أن "الملاجئ جزء مهم من البنية التحتية الدفاعية في إسرائيل التي تُخصص أموالًا طائلة من الميزانية لبناء الملاجئ وصيانتها، لحماية الإسرائيليين من الهجمات، سواء كانت من الصواريخ أو القصف".
وأضاف عبد الدايم، لـ"إرم نيوز"، أن "إسرائيل تمتلك شبكة ملاجئ متطورة مصممة لحماية السكان حال حدوث هجوم، وهذه الملاجئ ليست مجرد غُرف تحت الأرض، بل هي مدن كاملة تضم جميع المرافق التي يحتاجها السكان للبقاء على قيد الحياة، بما في ذلك الطعام والمأوى والرعاية الطبية".
وأشار إلى أنه "تشرف على بناء الملاجئ شركات متخصصة في هذا المجال، ويمكنها استيعاب 7 ملايين شخص، لذا تُمثّل الملاجئ جزءًا مهمًا من استراتيجية إسرائيل الدفاعية".
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، رائد نجم، إن "الملاجئ ركن أساس في التحصينات الإسرائيلية لحماية السكان في زمن الحرب، وفي إطار نظرية الدفاع الإسرائيلية".
واعتبر، في حديثه لـ "إرم نيوز"، أن "الأمن القومي الإسرائيلي يضع حماية مواطنيه والحفاظ على العنصر البشري على رأس أولوياته، لذا تحرص إسرائيل على بناء التحصينات والملاجئ لحمايتهم في أوقات الحروب".
غياب الملاجئ في غزة ومسؤولية حماس
وبشأن عدم اهتمام حركة حماس ببناء ملاجئ للفلسطينيين لحمايتهم من المخاطر، يرى الدكتور يوسف بدر أن "هذا الأمر يضعهم في إدانة كبيرة، على أساس أنهم يديرون شؤون القطاع".
غير أنَّ تجهيز مثل هذه الملاجئ بنحو معلن يُخالف قواعد سرية الحرب، بالإضافة إلى الحاجة لإمكانات مادية ومالية هائلة، وفق ما يرى بدر.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور رمضان العقاد، لـ"إرم نيوز"، إن "حماس تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007، ولم يكن في مخيلتها إنشاء ملاجئ تحمي السكان من أي هجوم إسرائيلي، لكن في السنوات الماضية بدأت الحركة تشييد مبانٍ ذات ملاجئ، لكنها قد تتحول إلى مقابر جماعية أمام القصف الإسرائيلي".
بهذا الخصوص، يقول الخبير المصري محمد عبد الدايم: "بنت حركة حماس ملاجئ في قطاع غزة بأموال طائلة، لكنها لم تكن بالكفاءة أو الجودة المطلوبة، غير أنها لا تقارن بالملاجئ الإسرائيلية. ويأتي هذا نتيجة عوامل عدة، منها عدم رغبة حماس في بناء ملاجئ للفلسطينيين، لأنها ترى أن هذا الأمر مسؤولية الأمم المتحدة، إذ إن معظم سكان غزة من اللاجئين الفلسطينيين الذين جرى ترحيلهم، ولا تعتقد حماس أن من واجبها حمايتهم".
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، رائد نجم، أن "حماس تقر بأن سكان غزة تحت مسؤولية الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، لذا لا تنفق كثيرًا من المال على بناء الملاجئ، ولكن هذا الموقف غير مقنع؛ لأن حماية المدنيين في زمن الحرب مسؤولية الحركة، وبناء الملاجئ خطوة مهمة في هذا الاتجاه".