ثورة صامتة في قيم اليمن الاجتماعية مع دخول المرأة سوق العمل
ثورة صامتة في قيم اليمن الاجتماعية مع دخول المرأة سوق العملثورة صامتة في قيم اليمن الاجتماعية مع دخول المرأة سوق العمل

ثورة صامتة في قيم اليمن الاجتماعية مع دخول المرأة سوق العمل

يشهد اليمن تغيراً في طبيعة الأدوار الاجتماعية التي تؤديها النساء، بالتزامن مع أحداث الحرب الجارية، فقد تحولن إلى معيلات أُسرٍ بدلاً من أزواجهن الذين أبعدتهم الحرب عن سوق العمل.

ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في اليمن في أوائل عام 2015، وجدت الكثير من النساء أنفسهن العائل الوحيد في الأسرة بعد إغلاق الجمعيات الخيرية المحلية أبوابها إذ أصبحت مثقلة بكثرة طلبات المساعدة.

وبعد أن كانت العادات الاجتماعية التقليدية في اليمن تمنع الكثير من النساء من العمل، بدأ التغير البطيء في الواقع اليمني يدخلهن ساحة العمل والإعالة، وسط تدهور الحالة الاقتصادية للأسرة اليمنية، بحسب موقع "ميدل إيست آي".

وتتناقل النسوة قصة وفاء الزكري البالغة من العمر 24 عاماً التي أجبرت على ترك دراستها الجامعية والبحث عن عمل لإعالة والدتها وإخوتها الأربعة بعد أن توفي والدها بفشل كلوي قبل الحرب اليمنية ثم امتنعت الجمعيات الخيرية المحلية عند دفع المساعدات المالية لهم.

وقالت الزكري: " أنا الأكبر بين 5 أبناء، وبغياب والدنا أجبرت على حمل مسؤولية كسب الرزق من أجل عائلتي بعد أن اندلعت الحرب في تعز، كنت على استعداد للبدء بأي عمل متاح من أجل كسب ما يكفي من المال".

وبعد مرور 3 أشهر من البحث عن عمل عثرت الزكري على عمل في متجر للملابس مع امرأتين أخريين، وهو ما مثل لها بصيص أمل وسط فوضى الحرب اليمنية.

وروت الزكري قصتها قائلة: " كنت في عامي الدراسي الرابع أدرس الكيمياء في جامعة تعز، لكن لم أكن لأتمكن من إكمال دراستي؛ إذ لم تملك أسرتي الطعام".

وكانت الزكري تعيش بعض المخاوف من نظرة المجتمع وما سيظنه الناس إن اكتشفوا أنها تعمل في متجر لبيع الملابس، إلا أن صديقاتها شجعنها على دعم أسرتها، وما ساعدها أيضاً هو أن صاحب المحل كان داعماً لها ومرحباً بها.

وأضافت الزكري: " كنت قلقة من ردة فعل جيراننا بعد اكتشافهم أنني بدأت العمل لكنهم كانوا متعاطفين مع وضعي وتفهموا سبب حاجتي للعمل إذ كانوا مدركين لظروفنا".

وعن عملها في محل للملابس الذي بدأت فيه قبل عام ولا تنوي تركه تقول: "في الشهر الأول، عانيت كثيراً في تعلّم كل ما يلزم القيام به لهذا العمل، لكنني أصبحت أفضل بكثير الآن، وتتعلم مني النساء الجدد عندما يبدأن".

وفي المدينة المحاصرة من الحوثيين منذ قرابة العامين، وحيث لم يتلق موظفو القطاع العام رواتبهم منذ أكثر من 6 أشهر، هناك حاجة ماسة لراتبها الشهري الذي يبلغ 50 ألف ريال (170 دولارا أمريكيا)، إذ يغطي راتبها تكاليف التنقل والطعام لأسرتها ويسمح لأشقائها الأصغر سناً بمتابعة الدراسة.

وأغرقت الحرب بين القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي والحوثيين المتمردين معظم أنحاء البلاد في أزمة اقتصادية، فيما حذرت الأمم المتحدة من أن اليمن يواجه خطر المجاعة مع عدم تمكن ما لا يقل عن 17 مليون شخص من إطعام أنفسهم على نحو كاف، وقتل حتى الآن ما لا يقل عن 10 آلاف شخص.

من جانبه، ذكر صخر الضبيعي مالك المحل الذي تعمل به الزكري إن العديد من الشابات جئن إليه خلال العام الماضي بحثاً عن العمل لكنه الآن لم يعد بحاجة للمزيد من الموظفات، وقال: " عندما أسمع عن وضع أسرهن والظروف التي يعشن بها بالطبع أرغب بمساعدتهن ومنحهن عملاً، وخطوةً بخطوة يتعلمن كيف يقمن بعمل جيد، وغالباً ما أوظف أكثر من امرأة بالوقت نفسه؛ ما يجعلهن يشعرن براحة أكبر خلال العمل".

ويبيع المتجر ملابس نسائية ورجالية، ونجحت الزكري وزميلاتها في بيع الملابس لكلا الجنسين، لكنهن يضطررن في بعض الأحيان للطلب من زملائهن الذكور بالتدخل عند التعامل مع الرجال من زبائن المحل.

وقال الضبيعي: " بعض الرجال غير متعلمين ويضايقون النساء بتعليقات بذيئة، وعندها تطلب الموظفات من الزملاء الذكور خدمة الزبون بدلاً منهن".

وتترك تحديات النجاة من الحرب وتداعياتها تأثيراً ثقافياً على اليمن، حيث أصبحت النساء وللمرة الأولى يعملن في وظائف خارج منازلهن.

وفي السياق ذاته، يعمل سلطان حسن بجوار الزكري في بيع الملابس في المتجر ذاته، منذ قرابة العام، ووصف تجربته بالعمل مع نساء في المتجر بأنها " ناجحة".

وقال: " لا يتقبل مجتمعنا عمل النساء كبائعات ملابس، لكن خلال العام الماضي أدركت أن هذا ليس مشكلة على الإطلاق وهو ليس أمراً مشيناً، الأمر المشين هو أننا لم نعد قادرين على مساعدة هؤلاء النساء، وأن بعضهن مجبرات على المعاناة وحدهن أو التسول في الشوارع طلباً للطعام".

وعلى الرغم من أن بعض الزبائن من الذكور قد يشكلون تحدياً، إلا أن الزبائن من النساء سعيدات للغاية لتمكنهن من شراء الملابس من نساء، إذ إنهن "يدركن طلبهن وما يبحثن عنه".

وتقول نرجس عبد القادر وهي إحدى زبونات المحل: "دائماً أسمع بأننا مجتمع محافظ، ويجب على النساء ألا يعملن في بيع الملابس، إلا أن هذا خطأ والعكس صحيح في الواقع، بما أننا نعيش في مجتمع محافظ يجب علينا أن نشتري ملابسنا من نساء وليس رجالا. أنا سعيدة للغاية لرؤيتي نساء يعملن هنا، أنا أشتري ملابسي وملابس أطفالي منهن لتحفيزهن على الاستمرار".

نساء يعملن منفردات

وفي السياق ذاته، اضطرت ملك المقطري، البالغة من العمر 18 عاماً، وهي طالبة في الثانوية، لمساعدة والديها إذ إن اثنين من إخوتها الأكبر سناً منها منشغلان بإعالة أسرتيهما الخاصتين.

وكان والدها يعمل ميكانيكياً لكن عندما اشتعلت الحرب أغلق ورشته في حي "اللجينات" في مركز تعز وهرب مع عائلته إلى منزله في قريته على بعد 60 كم، وعندما عاد في العام الماضي لإعادة افتتاح ورشته واجه صعوبة في العمل بسبب عمره لذلك باع ورشته لجمع المال لافتتاح متجر لابنته.

وروت المقطري تفاصيل تلك القصة قائلة: "والدي رجل عجوز ولم يعد باستطاعته العمل بعد الآن، أعطاني المال لافتتح هذا المتجر الصغير الذي نعتمد عليه لاحتياجاتنا الأساسية، المتجر قريب من منزلنا لذلك لا يوجد أي مشكلة بعملي هنا".

وافتتحت المقطري المتجر في نهاية عام 2015 واضطرت لانفاق 600 ألف ريال ( 2000 دولار) في البداية لملئه بالبضاعة، ولأنها تتصف بالخجل، قالت المقطري إنها وجدت صعوبة في رفض طلب الناس بالسماح لهم بالشراء بالدين، والآن أصبحت لا تملك المال تقريباً.

وأوضحت المقطري أن جيرانها قالوا إنهم سيسددون ديونهم عند حصولهم على رواتبهم من الحكومة إلا أنهم لم يحصلوا على رواتبهم منذ آب/ أغسطس الماضي، و"أصبحت الآن مضطرة لإغلاق المتجر".

وتمكنت المقطري من الاستمرار في دراستها رغم إدارتها لمتجر أسرتها إذ إنها تدرس في المنزل وستقدم امتحاناتها النهائية في نهاية هذا العام.

وعلى الصعيد ذاته، قال أحمد سلال الذي يعمل في قسم الإدارة في جامعة تعز ويعد أحد زبائن المقطري المنتظمين إنه لا يعارض فكرة عمل النساء أو الفتيات كصاحبات متاجر لكنه غير قادر على تسديد ديونه لها إذ إنه لم يحصل على راتبه بعد. فقال سلال: " كنت أشتري من المقطري بالدين وفي نهاية كل شهر كنت أسدد ديوني، إلا أن الحكومة خذلتنا، لذلك لا أستطيع تسديد ديوني لها أو لأي شخص أخر قام بإقراضي المال".

كسر العادات والتقاليد، وليس الدين؟

وفسر أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز فضل الثوباني أن دخول المرأة سوق العمل هو مجرد أحد آثار الحرب، وهو أثر يملك عواقب إيجابية وسلبية بحسب اعتقاده.

وقال: "وضع البشر التقاليد الاجتماعية وباستطاعتهم كسرها أيضاً، إلا أنهم لا يملكون الحق في كسر العادات الدينية"، موضحاً أنه لا يعتقد أنه لا ينبغي على النساء خدمة الزبائن من الذكور أو العمل مع موظفين ذكور، وقال إن هذا الأمر مناف لتعاليم الإسلام.

وأكدت الزكري أنه بينما أجبرت الحرب الكثير من الأشخاص على المشاركة في الخطوط الأمامية للحرب أو السرقة لإطعام أسرهم، تحاول النساء البائعات وصاحبات المتاجر مجرد المساعدة في دعم أسرهن.

وقالت: " حتى إن تمكنت من إكمال دراستي إلا أنني لن أتمكن من العثور على وظيفة بسبب الحرب التي نعيشها، لذلك سأعمل حتى ينهي أخي الأصغر حمدي الذي يبلغ من العمر 17 عاماً دراسته ويصبح قادراً على العمل".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com