أمراء الحرب السورية يشدّون الرحال إلى أعزاز.. لماذا؟
أمراء الحرب السورية يشدّون الرحال إلى أعزاز.. لماذا؟أمراء الحرب السورية يشدّون الرحال إلى أعزاز.. لماذا؟

أمراء الحرب السورية يشدّون الرحال إلى أعزاز.. لماذا؟

يبدو أن القابض على مدينة أعزاز السورية كالقابض على جمرة، فمنذ بداية الأزمة قبل 5 سنوات، تحولت هذه المدينة إلى نقطة تجمع، و شريان حياة لقوى المعارضة والجماعات المسلحة في سوريا، فمنها يدخل الدعم من شتى بقاع العالم، ومنها يخرج الجريح واللاجئ وطالب التدريب العسكري، من وإلى تركيا التي تورطت "رغما عنها" في تفاصيل النزاع المسلح.

وقالت صحيفة الغارديان البريطانية اليوم الأحد، إن دور المدينة لم يتغير عندما تغيرت إدارتها من المعارضة إلى تنظيم داعش والتي استمرت 6 أشهر عام 2013، ومازالت تلعب نفس الدور، على الرغم من اقتراب القوات الكردية من أطرافها، فالمدينة بدأت كمنطقة متمردين محليين، إلى مركز لصراع تغذيه دول وتحالفات عظمى.

ووصفت الصحيفة المدينة بأرض الصفر "زيرو غراوند"، لما يحمل مصيرها القادم من آثار وأبعاد على الخارطة السياسية في سوريا، وبالتالي على القوى العظمى التي وضعت ثقلها واستثمرت في قادة المعارضة الذين يتنفسون من أعزاز، على أمل أن يواصلوا المنافسة في الحصول على بعض المناطق الممتدة على الشريط الحدودي بين حلب والحدود التركية، والتي تشهد ضعف تركياً في السيطرة عليها لم تشهده منذ نشأة تركيا الحديثة.

وأشارت الصحيفة إلى أن الضباط العرب والغربيين المتواجدين بغرفة العمليات العسكرية في جنوب تركيا، يتحدثون عن غضب تركي عارم لم يشاهدوه من قبل، جراء بدء الغارات الروسية مطلع فبراير/ شباط الحالي على حلب وأعزاز، اللتين تحميهما تركيا.

وبالرغم من أن هدف روسيا المعلن من الغارات هو ضرب داعش، إلا أنها ضربت أيضا معاقل المعارضة السورية في شرق هذه المنطقة، والتي يسيطر عليها مزيج من جماعات إسلامية وأخرى غير أيدولوجية، مما سبب نزوح عشرات الآلاف من اللاجئين إلى أطلال مدينة أعزاز وتحت أشجار الزيتون وفي ظل السياج الحدودي.

لكن سبب القلق التركي ليس اللاجئين، بل زحف الميليشيات الموالية للنظام السوري إلى حلب وأعزاز، وعلى رأسها حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية القادمة من العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى الجيش النظامي السوري من جهة، ومن جهة أخرى وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها تركيا لا تختلف عن حزب العمال الكردستاني الذي تحاربه من أكثر من أربعين عاما، وهو ما أخرج تركيا وقادتها عن طورهم.

ويقول أحد الضباط الغربيين في غرفة العمليات التي تمارس عملها من جنوب تركيا:"حالة من الذعر أصابت النظام التركي، ودقات جرس الإنذار ملأت أبنية القيادة في كل أرجاء تركيا، مما جعلهم يوجهون اللوم لنا، متهمين أمريكا بأنها من صنع هذا، بدعمهم للأكراد وتجاهل الغارات الروسية".

أول دقات جرس الإنذار التي قرعت في تركيا كانت في آواخر عام 2014، عندما بدأ الأمريكان باستخدام وحدات حماية الشعب الكردية في محاربة داعش في شمال شرق سوريا وبدعم من طيران التحالف الدولي الذي تتزعمه أمريكا.

بالنسبة لأمريكا وحلف الناتو، كان بزوغ نجم داعش في الشرق الأوسط تهديدا خطيرا للأمن القومي الأمريكي وللعالم بشكل عام، ومساهمة الأكراد كانت مساعدة في الحرب عليه، فبعد هزيمة الجيش العراقي في الموصل، وتراجع جيش النظام السوري فاتحا أبواب باحته الشرقية على مصراعيها وللجميع، أثبتت القوات الكردية قدرتها على مقارعة داعش وأوقفت تقدمه في كثيرمن المناطق واستعادت أخرى، وفي نفس الوقت لا يوجد جيش غربي على استعداد للتورط في حرب برية في سوريا، فإن لم يستعن الأمريكان بالأكراد لكسر داعش فبمن يستعينون؟.

 في ذلك الوقت كانت تركيا حليفا صعب الإقناع، فهي تعتبر الأكراد تهديدا أكبر من داعش على الرغم من بعده زمانيا ومكانيا، فقد رفضت أن يستخدم الناتو قاعدة إنجرليك كما رفضت أن تقوم بنفسها بأي دور ضد داعش.

ومن النادر جدا أن تجد خلافا بين الحلفاء حول الأولويات، فالغرب يصنف الأكراد كجماعة إثنية تطلب قليلا من الحكم الذاتي وليس الاستقلال كما تدّعي تركيا، ومن غير العدل مقارنتها بتنظيم يعيث بالأرض فسادا وقتلا كما تفعل تركيا.

تركيا لم تقتنع بذلك، فقامت بمساومة أمريكا، فعرضت فتح قاعدة أنجرليك، مقابل دفع القوات الكردية بعيدا عن حدودها تجاه الرقة ومناطق داعش، وبالفعل قام الأكراد بما أوكل إليهم بنجاح، وأثبتوا علو كعبهم على باقي فرق اللعبة في سوريا، وعرف الأتراك أن الأكراد ثبتوا أقدامهم في سوريا وقادرين على زيادة مساحة سيطرتهم، لدرجة يصعب عليها زحزحتها.

تعتقد تركيا أن حلفاءها انكشفوا تماما كخصومها، فبنظرها يجتمع كل من أمريكا وروسيا وحتى بشار الأسد على فكرة دعم الأكراد، مما دفعها إلى التفكير بالتراجع عن فتح قاعدة إنجرليك للتحالف، فالأكراد يتواجدون حاليا في منطقة جديدة ما بين أعزاز وعفرين تبعد قليلا عن منطقتهم الأكبر والممتدة حتى الحدود العراقية شرقا، فيما تحدق أعينهم بشواطئ البحر الأبيض المتوسط غربا.

وقد مكنت الغارات الروسية الأكراد من التقدم أكثر، حيث سيطروا مؤخرا على مطار مينغ، وتوسعوا نحو 100 كلم شمالا ليستولوا على مناطق حدودية لم تطأها أقدامهم من قبل.

ويقول دبلوماسي غربي"إن ما يحدث في أعزاز هو صنيعة روسية، ففي الوقت الذي توجه موسكو انتقادات لاذعة لأنقرة، تواصل إثارة المشاكل على أرض سوريا".

وتراهن روسيا، على أن كلام تركيا أكبر من أفعالها، فبالرغم من كل التحذيرات التركية المتوالية، مازالت روسيا تدعم الميليشيات المتوجهة لمحاصرة حلب، والتي تديرها قيادات إيرانية.

وفي الوقت الذي يعيش النظام السوري وحلفاؤه نشوة انتصار في الشمال السوري لأول مرة منذ اندلاع الأزمة، مازال رد الفعل التركي خجولا مقارنة بتصريحاته، فكل ما فعلته تركيا هو السماح لـ 900 مقاتل سوري للدخول إلى سوريا، ودك القوات الكردية بالمدفعية، والإعلان عن وصول المقاتلات السعودية إلى المطارات التركية، وعلى الرغم من أن جميع الأطراف تعيش حالة من الهيجان، إلا أنهم جميعا في مأزق.

ومن جهتها تستثمر المملكة العربية السعودية، في القوات المعارضة للأسد منذ ثلاث سنوات، كما زودتها بآلاف من صواريخ مضادة للمدرعات، وبالفعل كان لهذا السلاح دور فعال في مواجهة القوات النظامية، خلال عام 2015، وبحسب مسؤول عربي، تعد هذه الصواريخ سبب شراسة الغارات الروسية، وقد أكد المسؤول العربي، أن الإيرانيين اضطروا للذهاب إلى موسكو، وأطلعوا بوتين على الوضع السيىء الذي يعيشه النظام السوري في المعركة، مما اضطره للتدخل في سوريا في غضون أسبوع فقط.

ويبقى الغضب التركي- السعودي قائما، ويظهر ذلك من خلال تصريحات مسؤوليه فقد صرح مسؤول سعودي رفيع المستوى بداية الشهر عن الدور الأمريكي في الأزمة السورية"إن الأمريكان لا يقومون إلا بتقوية بوتين وتمكينه من سوريا"، وأضاف المسؤول:"هل لنا أن نسمي هذا عجزا؟، أم أنها استراتيجية لدفع أعداء أمريكا على قتل بعضهم البعض في هذا المكان من العالم؟، هل تعتقد أمريكا بأنها قادرة على التهرب من مسؤولياتها بهذه السهولة؟".

وأضافت الصحيفة أنه بالإمكان رؤية ضعف أمريكا من خلال حلفائها وخصوصا السعودية ودول مجلس التعاون، فأوباما لا يرى أي وسيلة للتحكم في الصراع الدائر في سوريا، ويقول المسؤول العربي :"بالطبع أمريكا لا تستطيع التأثير في اللعبة من على دكة البدلاء".

وتزايدت الشكوك التركية تجاه أمريكا بعد الدعم المباشر لوحدات حماية الشعب التركية، والدعم "الضمني" للغارات الروسية على المعارضة السورية التي تدعمها، وهي شكوك متبادلة فأمريكا مازالت تعتقد بأن الأتراك هم من ساعدوا على ظهور داعش وتموله من خلال تجارة النفط على حدودها، وهي تنظر إلى مشاركتها في التحالف الدولي ضد داعش بأنها شكلية فقط، فغاراتها على داعش لا تكاد تذكر مقارنة بما تشنه على الأكراد من غارات.

وبوصولها للشهر الخامس لتدخلها في سوريا، تظهر روسيا اهتماما قليلا بتنظيم داعش، وتركز على القوات المناوئة لحليفها الأسد، فحتى الآن يستمتع بوتين بسير المعركة، فيتلاعب بالأكراد حينا ويوخز تركيا حينا آخر ويدعم نظام الأسد في نفس الوقت، ولكن إذا ما برز تهديد لمدينة أعزاز فكل هذا سيتغير.

وقال دواود أوغلو الأسبوع الماضي "إن على وحدات حماية الشعب أن لا يخدعوا أنفسهم، إذا كانوا يعتقدون انه بإمكانهم مواصلة تحدي تركيا، فهم واهمون".

إن مصير هذا الشريط الحدودي سيظهر جليا في الأسابيع القليلة المقبلة، ويقول المسؤول الغربي"لحد الآن لروسيا الكلمة العليا، لكنها تلعب لعبة خطرة، كمن يلعب بالنار".

اللعبة الكبرى.. اللاعبون الأساسيون وماذا يريدون؟

إيران:

أحد الداعمين الأساسيين لنظام الأسد، تسعى للحفاظ على هلالها الشيعي الذي يمتد قوسه إلى الجنوب اللبناني، وستبقي على دعمها لحلفائها في سوريا، معتمدة على قوتها العسكرية، التي عززها الاتفاق النووي مع الغرب، ولا ترى مانعا من الحوار مع الجماعات المعارضة الضعيفة.

روسيا:

إبقاء تبعية سوريا لموسكو أمر مهم جدا للزعيم الروسي فلاديمير بوتين، وفيما إذا سارت الأمور على ما هي عليه الآن، سيضعف النفوذ الامريكي في المنطقة، وسينحسر امتداد الناتو شرقا اذا ما خرجت منه تركيا، وتسعى روسيا إلى  تعميق علاقتها مع إيران الشريك الواعد في المنطقة، وهدفها الثانوي إيجاد حلفاء للقضاء على داعش، أما هدف بوتين الأكبر أن تكون نهاية الحرب السورية ونتائجها لصالحه.

أمريكا:

حصرت الولايات المتحدة الأمريكية دورها في محاربة داعش، وأعطت إيران معاهدة اتفاق نووي ملائمة، مقابل محاربة داعش ودورا أكبر لصالحها في المستقبل، ولكنها بنفس الوقت تحاول إيجاد حلفاء لها في الرياض والخليج، وهي إشارة واضحة لتقلص دورها في المنطقة، وتغير محوري في سياستها الخارجية وفي أهدافها في منطقة الشرق الاوسط، بعد عقود من التدخلات العسكرية، مما وضع أوباما في موقع للانتقادات، ووصف أمريكا بأنها انحنت لروسيا.

الأسد:

قبل وصول المساعدة الروسية بقليل، كانت رقبة الأسد تحت المقصلة، فقد خسر معظم التراب السوري، ويسعى الآن لاستعادة السيطرة على المناطق التي خسرها، ولكن هذه سيبدو مستحيلا دون مساعدة الروس وإيران، ولكن تحقيق طموحاته سيبقى مرهونا بمدى استقلاله عن روسيا وإيران لاحقا.

تركيا:

تريد تركيا أن يبقى الأكراد بعيدين قدر الإمكان عن حدودها الممتدة أكثر من ألف كلم، كما تنظر إلى الدعم الأمريكي لهم بعدم الرضى، وتشتاط غضبا من الغارات الروسية على المعارضة السورية.

السعودية:

لا تريد المملكة العربية السعودية للمعارضة السورية أن تخسر في الحرب، وبنفس القدر لا تريد أن ترى عدوتها اللدودة إيران تحقق مكاسب في الحرب، وتشارك تركيا بنفس الانزعاج من التدخل الروسي في الحرب السورية، ولكن هاجسها الأكبر هو إيران، ولذلك أرسلت مقاتلاتها إلى تركيا للمشاركة في الحرب بشكل مباشر.

الأكراد:

حاول الاكراد قدر الإمكان البقاء على الحياد وعدم الدخول في دوامة الحرب في سوريا، إلى أن اتفقوا مع أمريكا على الدخول برا بينما تقوم أمريكا بالغارات جوا، بتسهيلات من النظام السوري والطيران الروسي مؤخرا، ويسعون حاليا للحصول على بعض المكتسبات والمناطق الشمالية المحاذية للحدود التركية.

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com