إفلات هادي من الحوثيين يعيد رسم المشهد اليمني
إفلات هادي من الحوثيين يعيد رسم المشهد اليمنيإفلات هادي من الحوثيين يعيد رسم المشهد اليمني

إفلات هادي من الحوثيين يعيد رسم المشهد اليمني

يمثل اليوم 21 فبراير/ شباط الجاري، حدثاً شخصياً مهماً في مسيرة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بإفلاته من قبضة أسر حقيقي امتد شهرا كاملا بيد جماعة الحوثيين، كما يمثل، هذا اليوم أيضاً، منعطفاً حاداً في المشهد السياسي المتأزم في اليمن، في غير مصلحة الحوثيين الذين يحكمون سيطرتهم السياسية والأمنية والادارية على العاصمة صنعاء، إلى جانب عدد من المحافظات الشمالية .

وستزيد عودة الرئيس هادي لممارسة مهامه كرئيس شرعي للبلاد، من عزلة جماعة الحوثي، عما قبل، إضافة إلى أنها فقدت واحدة من أهم أوراق الضغط التي عملت عليها خلال شهر كامل، منذ اقتحام مسلحيها دار الرئاسة ثم منزل الرئيس وفرض الإقامة الجبرية عليه .

ومن المؤكد أن التعامل مع أزمات اليمن المتفجرة في أكثر من مكان في البلاد ستخضع لتأثير المتغيرات الجديدة، حيث ستحكم حالة الارتباك الشديد جماعة الحوثي التي تغلب على تحركاتها سمة التغول المتخبط ومحاولة استعادة زمام الأمور بصنعاء بالتقدم إلى الأمام في انقلابها، بعيداً عن إدراك ما حل بالوضع عموماً، وحالة الحصار التي باتت تعانيه في الداخل ومن الخارج بعد إيقاف أعمال سفارات عربية وأجنبية رئيسية ومغادرة طواقمها صنعاء .

وبخروج هادي من صنعاء يكون مركز القرار غادر العاصمة اليمنية لمصلحة مدينة عدن العاصمة الثانية للبلاد، وإن مؤقتاً، وهي الخطوة التي لم يعلن عنها رسميا، إلا أن هادي بات يمارس مهامه كرئيس من هذه المدينة، التي كانت عاصمة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل الوحدة، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا التحول، منذ عام ،1990 عدا عن فترة وجيزة تنازعت فيها عدن مع صنعاء، القرار السيادي عندما أدار الرئيس علي سالم البيض شؤون الجنوب خلال حرب 1994.

استطاع الرئيس هادي بخروجه من أسر الحوثيين وانتقاله إلى عدن أن يوجه المعادلة السياسية في اتجاه مغاير لما يريد الحوثيون ومن يواليهم، وهم الذين باتوا أقلية في المجموع السياسي والوطني والسكاني، لكنهم حاليا يعتمدون على غلبة القوة في محاولة لتمرير مشروعهم، بعد أن توقف امتدادهم الميداني في حدود المحافظات الشمالية .

خروج هادي خلط الأوراق، ما اقتضى أن يقف الجميع أمام الوضع المتغير، إثر انتقال زمام المبادرة إلى يده، بعد أن كان قد فقدها تدريجياً منذ سبتمبر/ أيلول 2014 عند تمكين الحوثيين من دخول صنعاء والاستيلاء على مؤسساتها، وفقدها كلياً عندما اقتحموا دار الرئاسة ثم منزله في 21 يناير/ كانون الثاني الماضي ليقع في أسر جماعة الحوثي ويُجبر على تقديم استقالته، فضلا عن استخدامه كورقة ضغط في الحوار الجاري مع القوى السياسية .

مجريات اليومين التاليين لاعلان وجود الرئيس هادي في عدن أعادت رسم المشهد السياسي والوطني من جديد في ظل الأزمة المستحكمة في البلاد، وعكس ما صدر عن الرئيس تمتعه بحصافة سياسية واضحة وتأن واضح في التعامل مع المتغير الذي صنعه، فترك بيانه الأول المعلن بعد وصوله انطباعاً مريحاً في عموم البلاد، أكد تمسكه باستكمال العملية السياسية المستندة إلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية كمرجعية رئيسية، بالإضافة لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومسودة الدستور لليمن الاتحادي الجديد، بل ان الرجل دعا "لانعقاد اجتماع للهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات الحوار في مدينة عدن أو محافظة تعز لحين عودة العاصمة صنعاء إلى الحاضنة الوطنية كعاصمة آمنه لكل اليمنيين وخروج كافة الميليشيات المسلحة منها"، ودعوته كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية للالتزام بقرارات الشرعية الدستورية وحمايتها وفي المقدمة من ذلك أبناء القوات المسلحة والأمن وعدم الانجرار نحو خطوات تستهدف جر البلاد للفتنة والفوضى" .

الخطوة الأخرى المحسوبة لهادي هي أنه لم يستجب بعد وبسرعة، لمطالب باعتماد عدن عاصمة مؤقتة للبلاد واعتبار صنعاء عاصمة محتلة من قبل الحوثيين، رغم دعوات عديدة من مكونات قبلية ومدنية وسياسية لذلك، ولعل مثل هذا التأني يصب في خدمة العملية السياسية، وتجنبا لقرار من عيار ثقيل سيستفز جماعة الحوثي المندفعة في مشروعها، وقد يجعلها مثل هكذا قرار ان تستعجل المواجهة العسكرية، قياسا لتحركاتها السابقة .

وعزز هادي هذا الموقف بطلبه نقل الحوار من صنعاء إلى مكان آمن يتفق عليه المتحاورن، ويصب هذا الموقف في مصلحته، من خلال اعتماده فتح خيارات سلمية وممكنة لحل الأزمة بعيدا عن مزيد من التأزيم، لكن مثل هذا الأسلوب الذي يتبعه في التأني، لا يبدو دائما في مصلحة حسم الامور، خاصة وان ما أُخذ على هادي منذ انتخابه في 21 فبراير ،2012 تأخره في حسم القضايا وإصدار قرارات متأخرة بعد تفاقم المشكلات .

هادي يحظى دعم الأحزاب والقبائل



الآن أمام هادي فرصة كبيرة للإمساك بدفة العملية السياسية في البلاد مستندا إلى مواقف الاحزاب والقوى السياسية والقبلية شمال البلاد وجنوبها، فضلا عن السلطات المحلية في المحافظات الجنوبية، التي أعلنت التمسك بشرعيته كرئيس للجمهورية . ففور الاعلان عن وصول هادي إلى عدن رحبت قبائل مأرب والجوف بانتقاله إلى عدن وطالبته باعلانها عاصمة مؤقتة لليمن حتى تحرير صنعاء المحتلة من قبل الحوثيين، كما طالبوا القوى السياسية بعدم الحوار مع جماعة الحوثي .

ومن جانبه، دعا التنظيم الناصري الرئيس هادي لممارسة مهامه كرئيس للجمهورية، ودعاه "إلى تقييم وتقويم الآليات السابقة التي اتبعها في إدارة الدولة والأخذ بمبادئ الحكم الرشيد التي تتواكب مع التطورات والمستجدات والمتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية، وبما يكفل إنجاز ما تبقى من مهام المرحلة الانتقالية التي تضمنتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني، واتفاق السلم والشراكة وملحقه الأمني".

وأكد التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة عدن في بيان له "أن الرئيس هادي هو الرئيس الشرعي وأن استقالته لا قيمة لها كونها كانت تحت تهديد سلاح الإنقلابيين الحوثيين"، مطالبا إياه الموافقة على اعلان عدن عاصمة مؤقتة "تأكيداً لمطلب كافة القوى الرافضة للانقلاب" . وبعدها توالت المواقف الداعمة لشرعية الرئيس هادي من مختلف المحافظات اليمنية عدا تلك الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، فيما توسعت حركة الاحتجاجات ضد الحوثيين ودعما للرئيس هادي.

التحرر من الحوثيين والنفوذ القبلي



بانتقال هادي إلى عدن وعودته لممارسة مهامه كرئيس شرعي للبلاد تحولت المواقف تجاهه من تعاطف مع رئيس معتقل إلى تأييد واسع لشرعيته، بل ومطالبته باتخاذ مواقف وقرارات لم تكن واردة قبل أشهر قليلة حينما كان يتعرض للهجوم والانتقاد لتغاضيه عن تحركات الحوثيين وتمكينه إياهم من السيطرة على صنعاء ومؤسسات الدولة، وهي تهم كانت توجه اليه من الاحزاب التي تدعم شرعيته اليوم، وتلك التي كانت تنتقد أداءه السلبي في إدارة شؤون الحكم، بل إن إفلات هادي من قبضة الحوثيين المدعومين من ايران وخروجه من صنعاء إلى عدن مده بعوامل قوة لم تتوفر له مسبقا، أهمها تحرره ليس فقط من "سلطة" جماعة الحوثي القسرية، بل ومن ضغوط قوى النفوذ السياسي والعسكري والقبلي في شمال البلاد .

كما أن وجوده في مدينة عدن عاصمة الجنوب، تمثل للرئيس هادي نقطة ارتكاز قوية، ليس لانتمائه المناطقي للجنوب فقط، بل لأن بامكانه أن يستند لعدالة القضية الجنوبية ورجالها، التي ما زال يمثل حلها مخرجاً أساسياً من الأزمة اليمنية.

السيناريوهات المتوقعة



من الصعوبة التكهن بمآلات الوضع في اليمن في ظل تسارع الأحداث ووجود لاعبين كُثر في الشأن اليمني من الداخل والخارج، لكن يمكن القول إن الأمر رهن مواقف سياسية جادة بعيدا عن المناكفات السياسية وبعيدا عن المصالح الضيقة للأحزاب والقوى السياسية التي ما زالت تتعامل بردود الفعل وليس الفعل، ولهذا هي متأخرة أمام جماعة الحوثي التي صعدت بقوة منذ العام 2011 وتعرف ما تريد، إلا أنها لا تتمتع بسلوك سياسي حصيف .

وبحسب موقع يمن برس، فإن التطورات المرتقبة ووفق تفاصيلها المتوقعة وغير المتوقعة يمكن أن تفضي إلى سيناريوهات عدة منها قيام سلطتين في صنعاء وعدن بعيداً عن عامل المناطقية شمالاً وجنوباً، وهو سيناريو لا يمكن أن يستمر طويلاً في اليمن، ومنها الانفصال بين الجنوب والشمال، إذا ما استمر النظر بنفس الآلية لحل القضية الجنوبية، وهناك سيناريو المواجهة العسكرية، وهي غير مرجحة في الغالب، إذا ما تورطت جماعة الحوثي واعتمدت هذا النهج وسلكت نهج الرئيس صالح في حرب ،1994 خاصة وأنها عسكريا بمعية وحدات الجيش الموالية لصالح تقف عند حدود ميدانية كانت ماثلة أثناء تلك الحرب التي انتهت بغزو الجنوب ونهبه وتشريد قياداته والتخلص من كوادره في مؤسسات إدارة الدولة والجيش والأمن، فيما السيناريو المرجو أن تتم العودة للعملية السياسية وتستجيب جماعة الحوثي للمطالب الوطنية والدولية والتخلي عن السلطة التي اغتصبتها، والتخلي عن (الزعيم) صالح .

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com