حقيقة الدوافع وراء تقديم قطر 15 مليار دولار لتركيا
حقيقة الدوافع وراء تقديم قطر 15 مليار دولار لتركياحقيقة الدوافع وراء تقديم قطر 15 مليار دولار لتركيا

حقيقة الدوافع وراء تقديم قطر 15 مليار دولار لتركيا

تحت عنوان "تركيا ليست مصر"، عرض المحلل السياسي في صحيفة "حرّيت" التركية، غوفين ساك، رؤية مختلفة عن الشائع، في تفسيره للمساعدة الأخيرة التي قدمها أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عشية عيد الأضحى، وذلك في سياقات الأزمة الاقتصادية للأخير، والتي أطاحت بالليرة، وتهدد في الأيام القادمة بنقل الاقتصاد التركي المتداعي من الأزمة المالية إلى الذوبان في أزمة المديونية.

في عرضه وتحليله لطريقة إدارة أردوغان للأزمة، يعرض محلل صحيفة "حرّيت" ملاحظتين كمنصة انطلاق:

الأولى، هي أن في الشرق الأوسط دولتين تعتمدان "اقتصاد السوق المسيّس"، تركيا وإسرائيل. كلتاهما في  تصحيح خلل الموازين الاقتصادية والتجارية، تستخدمان قوى السوق، ولا تلجآن للمساعدات الخارجية، سواء من طرف صندوق النقد الدولي أو غيره.

ولذلك كما يقول، ظلت العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل ثابتة، رغم التقلبات السياسية.

الجديد الذي يرصده المحلل غوفين ساك، هو أن أردوغان خرج هذه المرة عن نهجه، فلم يستخدم قوى السوق الحرّ، وإنما طلب المساعدة من الدولة الثالثة في المنطقة (إلى جانب تركيا وإسرائيل)، وهي قطر، التي توظّف اقتصادها وثروتها لبرامج وأغراض سياسية واضحة.

وفي ذلك، كما يقول المحلل "ساك"، ما يباعد بين تركيا ومصر، مثلًا، حيث إن مصر لجأت لصندوق النقد الدولي عندما أرادت إعادة هيكلة اقتصادها.

لماذا قطر؟

الملاحظة الثانية، كما جاءت في تقرير "حريت "، هي أنه للمرة الأولى في تاريخ تركيا يلجأ فيها الرئيس لطلب العون المالي من دولة خليجية.

وحتى يتجنب المحلل السياسي التوسع في التصريح والإيحاءات السلبية التي تتضمنها الإشارة بخصوص المعادلة السيكولوجية التي تربط بين أردوغان وتميم، فقد اكتفى "ساك" بالقول: إن أردوغان وجد نفسه في الأزمة الأخيرة وقد "اختلطت عليه الكيمياء، فلجأ إلى الخلطة والتوليفة السحرية الأخرى"، ويقصد بذلك العصا القصيرة الغليظة (Chunk)، المتمثلة بالاعتبارات السياسية الظاهرة وغير المنظورة في علاقة قطر وتركيا.

العصا القصيرة الغليظة

كان دقيقًا وخارجًا عن المألوف، محلل "حرّيت" التركية، وهو يصف ما بين تركيا وقطر بأنها "العصا القصيرة الغليظة"، أو هكذا يراها كلاهما، وهما يرتبطان فيما بينهما بدعاوى الإسلام السياسي التي جمعت بين الدوحة وأنقرة، طوال السنوات الثماني أو العشر الماضية.

 والإشارة هنا إلى رعاية كليهما للإخوان المسلمين، وما تفرع عن هذا التنظيم من فصائل إرهابية مسلّحة تنوعت أسماؤها، من القاعدة إلى داعش إلى النصرة وغيرها، لكنها جميعها ظلت تلقى من قطر وتركيا رعايات مالية وسياسية وإعلامية موثّقة في قوائم الإرهاب العالمية.

لا قطر كانت مهددة ولاحاجة لتركيا لحمايتها بوجود القاعدة الأمريكية

في هذه الرؤية التي أرادت بها صحيفة "حريت" أن تشرح لماذا كان أردوغان أول رئيس في تاريخ تركيا، يقبل أن يأخذ مساعدة من دولة مثل قطر، فقد اختصر المعلق "غوفين ساك" جُلّ ما هو معروف لدى السياسيين من أن تركيا وقطر تناوبتا طوال الفترة الماضية على توظيف التسريبات المُصنّعة بحرفة.

فهما تعرفان أكثر من غيرهما أن تركيا لم تقدم لقطر، العام الماضي، شيئًا يستحق من دعاوى الحماية تجاه أخطار مفبركة.

فنظرية احتلال قطر من دول مجاورة غير منطقية، وهي قصة فبركتها المخابرات القطرية، حسب ما كشفته تقارير غربية.

 كذلك هي الفزعة العسكرية التركية لحماية قصر الحكم في الدوحة، كانت حركة استعراضية لكون قطر محمية أصلًا من القاعدة العسكرية الأمريكية في "العديد"، ولا تحتاج في الحماية لقاعدة تركية صغيرة في الريان.

وبالنسبة إلى قطر، وهي النظام الوحيد الذي فزع لأردوغان، بمبلغ 15 مليار دولار لم تُعرف تفاصيل معظمها، فإنها لم تكن في ذلك تردّ الجميل لتركيا؛ لأن كليهما يعرفان بأن ما فعله أردوغان لقطر، العام الماضي، لا يستحق مثل هذا المبلغ.

إشارات متبادلة بأنهما غير معزولين

وفي المقابل، فإن المبلغ الذي دفعته قطر لا يقدم لأردوغان واقتصاده المتداعي أكثر من إشارة معنوية بأنه غير معزول، حسب صحيفة وول ستريت جورنال.

ما يعني أن ما تبادله أردوغان وتميم منذ أواسط 2017 وحتى الآن، هو إشارات بالاتجاهين، يراد منها التشييع الإعلامي بأن النظامين غير معزولين، وأن تحالفهما الأساسي والحقيقي هو في توظيف الإسلام السياسي ببرامج إقليمية، تندرج تحت نهج الإرهاب والترهيب لدول المنطقة.

من ذرائع اختطاف المواطنين إلى اختطاف الدولة

وفي وقت مبكر من العام الماضي، تكشفت تفاصيل مبلغ الـ 1.2 مليار دولار، التي كانت دفعتها قطر لشبكة من المنظمات الإرهابية المتصلة بإيران، تحت ستار فدية القطريين المخطوفين في جنوب العراق.

واليوم، يتكرر شيء مماثل لكن مع تركيا، تدفع فيه قطر مبلغ 15 مليار دولار تحت ستار أنها تردّ جميلًا لاقتصاد دولة كانت أنقذت النظام القطري من "الاختطاف"، مع أن كليهما يعرفان أن قصة إنقاذ قطر من الاحتلال كانت قصة تركية مصنّعة، نشرها الإعلام التركي وسكتت عنها قطر.

صحيفة "حريت" التركية، كانت أقرب للدقة عندما وصف محللها السياسي ساك، موضوع القمة الأخيرة بين تميم وأردوغان ومبلغ الـ 15 مليار دولار، بأنه استثمار في "العصا القصيرة الغليظة"، التي يمسك بها الرجلان اللذان تجمعهما الرعاية للإسلام السياسي، ويوظفان اقتصادهما لخدمته، حتى وإن جرى استنزاف هذين الاقتصادين ووصل أحدهما (التركي) إلى مشارف الذوبان.

ولعل في هذا الطرح الجديد ما يفسر درجة الارتباط الكلي بين قطر وتركيا على توظيف الإسلام السياسي في الإرهاب، على نحو جعل تميم يقف إلى جانب أردوغان، حتى لو أزعج بذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com