هكذا سقطت "أزمة قطر" من أولويات السعودية ولم تعد قضية لدول المقاطعة
هكذا سقطت "أزمة قطر" من أولويات السعودية ولم تعد قضية لدول المقاطعةهكذا سقطت "أزمة قطر" من أولويات السعودية ولم تعد قضية لدول المقاطعة

هكذا سقطت "أزمة قطر" من أولويات السعودية ولم تعد قضية لدول المقاطعة

هذا الأسبوع، وفي آخر أيام الشهر الخامس من عمر "أزمة قطر" التي أخذت شكلها الإقليمي والدولي في 5 يونيو/ حزيران الماضي، بإعلان 4 دول خليجية وعربية مقاطعتها للدوحة، كررت قطر دعوتها للحوار، لكن أحدًا لم يأبه لمجرد التعقيب على هذه الدعوة التي أصبحت توصف في الأدبيات السياسية والإعلامية بأنها "معزوفة استغاثة يائسة، مشكلتها أن أحدًا لم يعد يُصدقها".

دعوة النظام القطري للحوار، والتي لم تنشرها سوى صحيفة لندنية باللغة العربية، مملوكة وممولة من الدوحة، جاءت يوم الثلاثاء على لسان الشيخ سيف بن حمد آل ثاني مدير مكتب الاتصالات الحكومي، في مقابلة مع صحيفة "إل بيس" الإسبانية، وقبلها بأيام كان أمير قطر نفسه قد كرر الدعوة للحوار دون أن يقدم للدول المقاطعة، أو للوساطات الكويتية والأمريكية ما يبرر الاستماع له أو التجاوب معه.

الخط البياني للأزمة خلال 5 شهور

"لو أن لدى الدوحة حدًا أدنى من المفهومية واحترام الذات، لتوقفت في 24 أكتوبر/تشرين الأول، عن ترديد دعواتها للحوار، ولكانت التقطت الرسالة الأهم في "الجيوسياسيا" الإقليمية المتحركة، وهي أن أزمتها انتقلت إلى الأدراج السفلية على طاولات القرار، وأنها ما عادت تعني شيئًا في أولويات القيادات الخليجية والعربية، والدولية أيضًا".

هذا التوصيف استخدمه يوم أمس في واشنطن، سفير أمريكي سابق للولايات المتحدة في القاهرة، وكان يشير فيه إلى ملاحظتين: الأولى صدرت من وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيليرسون بعد لقائه الأخير مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

يومها قال بما معناه إن "باب الوساطات في أزمة قطر قد أغلق"، وفي ذلك إشارة ضمنية إلى أن الرياض لم تتلق من الدوحة ما يفيد باستعداد الأخيرة لتغيير نهجها الذي استدعى، أساسًا، قرار المقاطعة، ثم إن الرياض بات لديها أولويات كبرى ليس بينها قضية قطر.

أما الإشارة الثانية فقد جاءت على لسان الأمير محمد بن سلمان عندما قال إن "أزمة قطر صغيرة جدًا جدًا"، وهو توصيف كان توسع فيه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في ندوة انعقدت في مركز الدراسات البريطاني "تشام هاوس". يومها سُئل عن أزمة قطر فقال: "إن هناك قضايا أكبر بكثير يجب على السعودية التعامل معها".

5 ملفات كبرى ليس بينها أزمة قطر

كريستيان أمانبور، واحدة من نخبة الصحفيين الأمريكيين، وتحديدًا عندما تتحدث بشأن قضايا الشرق الأوسط، فهي بريطانية من أصل إيراني وترأس شبكة مراسلي CNN الدولية.

ومساء أمس الإثنين، وفي تغطية تحليلية لسلسلة المتواليات الكبرى التي تتابعت مؤخرًا بقرارات سعودية قيادية، وآخرها توقيف عشرات الشخصيات المعروفة، بتهم الفساد، قالت أمانبور: "حتى نعرف حقيقة ما يجري الآن في السعودية علينا أن ننطلق من حقيقة أن التغيير هناك كبير جدًا وغير مسبوق، وأن تداعياته ستكون عميقة جدًا".

وعندما جاءت في حديثها على سيرة أزمة قطر لم تعتبرها من القضايا الرئيسة في أجندة الأمير محمد بن سلمان.

الملفت هو أن معظم تغطيات المشهد السياسي السعودي في الصحف الأمريكية والبريطانية الكبرى، هذا الأسبوع، توافقت على إسقاط "أزمة قطر" من قائمة أولويات القيادة في المملكة.

رفع الحصانة السياسية والدينية عن قوى الشد العكسي والفساد

مجلة "الإيكونومست" البريطانية، مثلاً، قالت إن تعبير "الإجراءات غير المسبوقة"، لا يكفي لوصف أهمية وجدية القرارات الأخيرة التي أصدرتها القيادة السعودية في مجالات محاربة الفساد وفي التحديث الاجتماعي والاقتصادي.

فقد جرى رفع الحصانة المعنوية عن الأمراء والوزراء ورجال الأعمال النافذين، كما جرى رفعها أيضًا عن الدعاة الدينيين الذين اشتطّوا في إعاقة الانفتاح والتغيير الاجتماعي.

في تراتبية الأهمية والأولوية التي تنشغل بها "الورشة القيادية السعودية" حاليًا، كما عرضتها صحيفتا "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"، خلال اليومين الماضيين، غابت "أزمة قطر"، وتوزع الحديث التحليلي على 5 ملفات متداخلة، أجمعت هذه الصحف أنها تتصدر أجندة قصر الحكم في المملكة.

مواجهة إيران ومرحلة ما بعد داعش

في مقدمة هذه الملفات انتقال المواجهة مع إيران إلى مرحلة جديدة فتحها الصاروخ الباليستي، إيراني الصنع، الذي أطلقته ميليشيات الحوثي اليمنية باتجاه الرياض، وهو الحدث الذي اعتبرته السعودية أقرب إلى إعلان للحرب على المملكة .

وتتصل بملف المواجهة مع إيران، مستجدات الوضع اللبناني، وهي التي فتحتها استقالة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، من الرياض، حيث اعتبر أن بلاده أضحت محمية إيرانية وخاضعة للشطط المسلح من طرف حزب الله، باعتباره ميليشيا إيرانية تمارس عبثها في العديد من دول المنطقة.

الملف الآخر الذي يشكل جزءًا من أولويات القيادة السعودية، كما عرضتها الصحف الأمريكية، هو الرؤية الاقتصادية 2030، والتي شكلت ما يوصف بأنه "ثورة اقتصادية" لإعادة تأسيس المستقبل الاقتصادي برؤية ما بعد النفط، وبآليات وأدوات يتجسد بعضها في مشروع "نيوم" الاستثماري على البحر الأحمر.

وفي موازاة ذلك، فإن ملف التحديث والاعتدال الديني والانفتاح الاجتماعي، يشكل أيضًا جزءًا أساسيًا من "الورشة الكبرى" التي تنشغل بها القيادة السعودية، التي أقرت إجراءات حازمة لم تتردد فيها بمنح النساء تراخيص لقيادة السيارات والسماح لهن بدخول الملاعب الرياضية، وكذلك اعتقال رموز "الشد العكسي" من نشطاء الفتاوى عبر موقع "تويتر".

وجاءت إجراءات مكافحة الفساد المتضمنة توقيف العشرات من الأمراء والوزراء الحاليين والسابقين ورجال الأعمال النافذين، لتشكّل ملفًا مفتوحًا، فيه من الحزم والرؤية المستقبلية قدر راجح جدًا جعل الرئيس الأمريكي يؤيده على "تويتر" وهو يرى فيه جرأة القيادة في ارتياد مستقبل محمّي بالشفافية وبإرادة استعادة المليارات التي "حلبها" بعض المحتجزين.

ماذا بقي من أزمة قطر؟

غياب"أزمة قطر" من قائمة أولويات واهتمامات القيادة السعودية، جاء في سياقات 5 أشهر من المقاطعة العربية، جرى خلالها تفكيك عناصر تلك الأزمة وإلقائها في حضن النظام القطري بانتظار أن يعترف بأنها كانت مشكلته هو وأن حلّها في الدوحة وليس في الرياض أو أبوظبي أو المنامة أو القاهرة.

وفي وقت لاحق من الشهر الحالي سيتسلم الكونغرس الأمريكي النص الذي لا يزال سرّياً للبروتوكول الأمريكي القطري بشأن تعقّب ومحاربة منابع "الإرهاب" في المال والإعلام القطري.

اثنان من متنفذي الكونغرس الأمريكي، دان دونوفان وبريان فيتزباتريك، أعلنا قبل أيام أنهما سيطلبان تعديل البروتوكول مع قطر، بحيث يتضمن النص المباشر على ضمان التزام قطر بهذه الإجراءات بحيث لا تستمر في تكرار أسلوب المخاتلة والتحايل بأن تتحدث لفظًا عن مكافحة "الإرهاب" بينما تمارسه عمليًا.

علاقة قطر مع إيران

أما عن علاقة التحالف بين قطر وإيران (وهي واحدة من مبررات المقاطعة العربية للدوحة) فإن مجريات المواجهة السعودية مع طهران، سواء في الخليج أو في سوريا والعراق ولبنان، من شأنها أن ترفع الغطاء الخليجي عن قطر لتدافع عن نفسها أمام سيل الاتهامات والشواهد.

ويوم أمس اضطرت الدوحة أن تفعل واجبها في شجب صاروخ الحوثي (الإيراني) الذي استهدف الرياض، وغدًا لن تستطيع قطر أن تتهرب من واجباتها القومية والدولية في ترتيبات ما بعد داعش، سواء في لبنان أو سوريا أو اليمن.

رفع غطاء " التعاون الخليجي" عن الدوحة

كذلك الأمر في موضوع مجلس التعاون، سواء في موعد انعقاده أو تأجيل دورته المقررة في الكويت الشهر المقبل، أو في موضوع الميانة التي كانت مارستها دول التعاون على البحرين لتأجيل المقاضاة الدولية للدوحة في موضوع جزيرة حوار.

فالطريقة التي جرت فيها إدارة "أزمة قطر" خلال الشهور الخمسة الماضية انتهت الآن برفع الغطاء الإقليمي عن الدوحة لتتولى بنفسها "قلع شوكها"، ليس فقط في الأعباء الاقتصادية التي تتفاقم جراء المقاطعة، وإنّما في إعادة الحقوق الوطنية للبحرين، وفي دفع الأثمان المستحقة عليها من علاقاتها السرية والعلنية مع إيران وتركيا والإخوان المسلمين ومن دعمها للقاعدة وداعش في مواقعهم الإرهابية الجديدة بأفريقيا واليمن، وهو ما باتت ترصده وتلاحقه فرقة الرقابة الأمريكية التي وضعها وزير الخزانة الأمريكية في الدوحة، فضلاً عن مركز مكافحة الإرهاب الذي جرى إنشاؤه في السعودية ليرصد النتائج الإجرائية للمقاطعة العربية للدوحة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com