لا يزال الجدل قائمًا في العراق حول تعديلات قانون الأحوال الشخصية، في وقت يصر فيه بعض النواب "الشيعة" على إقراره.
ويأتي ذلك في وقت تلقَّى فيه العراق تهديدًا من الاتحاد الأوروبي، بفرض عقوبات، وخفض مستوى العلاقات في حال المضي بالقانون.
فمنذ العام 2017، عجزت قوى سياسية ذات خلفيات دينية عن إقرار القانون تحت ضغط الشارع العراقي، ومنظمات المجتمع المدني، التي عدّت القانون واحدًا من القوانين المجحفة بحق المرأة والطفولة.
وينقسم مجلس النواب بين مؤيد ومعارض لإقرار القانون، حيث تقف الكتل المدنية، ومعها الأحزاب "السُّنية"، والأكراد، بالضد من إقرار القانون، وتسعى إلى تعطيله بأي شكل من الأشكال، فيما "الإطار التنسيقي" الشيعي يضغط باتجاه إقرار القانون، وتجاهل تهديدات المجتمع الدولي.
وكشف عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، عباس الجبوري، عن تلقي العراق تهديدات من قبل الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، بفرض عقوبات دولية على العراق، وخفض التمثيل الدبلوماسي معه في حال إقرار القانون.
وقال لـ "إرم نيوز"، إن "بعض أعضاء مجلس النواب مصرون على تمرير قانون الأحوال الشخصية، خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ولا نعتقد أن الضغوط الخارجية ستمنع تمرير تعديل القانون".
وكان النائب عن الإطار التنسيقي، رائد المالكي، قد تقدم بمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المعمول به منذ العام 1959، حيث تتضمن التعديلات وضع مدونة دينية للنظر في قضايا الزواج والطلاق، ومنح الوقفين السني والشيعي مسؤولية تولّي تلك المهمة.
كما يتضمن التعديل، منح حق تزويج القاصرات حتى عمر 9 سنوات وفق مفاهيم وتفسيرات الأحزاب الدينية الشيعية، مما أثار غضب المنظمات المعنية بحقوق الإنسان.
الجمعية العراقية لحقوق الإنسان دعت مجلس النواب إلى رفض التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية، رقم 188 لسنة 1959.
وقال رئيس الجمعية، أحمد البياتي، لـ "إرم نيوز"، إن "تعديل قانون الأحوال الشخصية يعد انتهاكًا للحقوق الدستورية والقانونية للطوائف المتعددة التي تتبع الدين الإسلامي في العراق، من خلال تقيّدهم بمحاكم خاصة بكل طائفة".
وأضاف، أن "القانون يعد من أخطر القوانين على المجتمع العراقي، فهو سيعني سن الزواج في 9 سنوات، وقطع النفقة عن المرأة التي لا يستمتع بها زوجها، وحرمان النساء من الإرث في العقارات، وكل هذا يعد انتهاكًا للطفولة وحقوق المرأة في ذات الوقت".
ويحدد قانون الأحوال الشخصيّة الفاعل السنّ القانونيّة للزواج بـ 18ـ عامًا، أو 15 عامًا مع إذن من القاضي، بحسب "البلوغ الشرعي، والقابليّة البدنيّة"، وهذا ما يضمن الحد من زواج القاصرات.
وكانت السفيرة الأمريكية في بغداد ألينا رومانوسكي، قد عبّرت عن قلقها بشأن القانون، عادة إياه تقويضًا لحقوق المرأة والطفل.
وقالت في تدوينة لها على “إكس”: "إننا نشعر بالقلق إزاء التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي والتي من شأنها أن تقوّض حقوق المرأة والطفل، ونحن نحث العراقيين على الانخراط في حوار مدني يحترم بشكل كامل حرية الدين أو المعتقد وحقوق المرأة والطفل".
ودفعت الضغوط الشعبية، والانتقادات، التي لاقاها تعديل قانون الأحوال الشخصية، القضاء العراقي للتدخل، من خلال عقد رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان اجتماعًا موسعًا مع مجموعة من البرلمانيات وشبكة النساء العراقيات، للاستماع إلى الملاحظات والتعديلات المقترحة على مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ والاعتراضات عليه، بهدف النظر بها إبداء الرأي.
ويرى قانونيون أن المخاوف من مقترح تعديل القانون تكمن في عملية شرعنة زواج القاصرات من جهة، ودفع المجتمع الدولي لمقاطعة العراق من جهة أخرى، لعدم اتفاقه مع الاتفاقيات الدولية.
من جهته، رأى الخبير القانوني، هادي الدراجي، أن "على من يصر على تعديل قانون الأحوال الشخصية التراجع، لأن تلويح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات سيعني وضع العراق في عزلة دولية مرة أخرى، كما كان في سنوات تسعينيات القرن الماضي، لأن العقوبات الدولية تكون ملزمة للعراق".
وأضاف الدراجي لـ"إرم نيوز"، أن "زواج القاصرات ليس جديدًا على العراق، فهناك عشرات الحالات التي يتم تسجيلها خارج المحاكم، وكما ذكرت الأمم المتحدة في تقرير لها بأن حوالي ثلث الإناث في العراق يتزوجن قبل سن 18 عامًا".
وأشار إلى أن الزيجات خارج المحاكم للقاصرات دائمًا ما يجريها رجال الدين بهدف الالتفاف على القوانين التشريعية النافذة، وهذه كارثة لعدم ضمان المرأة في هذه الحالة لحقوقها الشرعية في حال الانفصال".
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" حذّرت من أن استخدام الزيجات الدينية غير المسجلة كثغرة تمكن من زواج الأطفال، وهذه بدورها تزيد من عواقب زواج الأطفال على الفتيات بشكل خاص، بما تشمله من زيادة أخطار العنف الجنسي، والبدني، وضياع الحقوق، والموت عند الولادة، وأضرار نفسيّة، والحرمان من التعلّم.