أين نجحت وعلى ماذا تكتمت قمة السيسي و ترامب؟
أين نجحت وعلى ماذا تكتمت قمة السيسي و ترامب؟أين نجحت وعلى ماذا تكتمت قمة السيسي و ترامب؟

أين نجحت وعلى ماذا تكتمت قمة السيسي و ترامب؟

لم تشهد زيارات الزعماء العرب والأجانب لواشنطن زخما إعلاميا وتنبؤات متباينة في النتائج كالتي شهدتها زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للبيت الأبيض هذا الأسبوع، حيث تفاوتت مستويات تقييم النجاح والفشل بتحقيق ما يريده كل طرف من الآخر.

فعلى مستوى التصريحات الرسمية  لم يترك الرئيسان الأمريكي والمصري، أي مجال للشك في أن الزيارة شكلّت إعادة صياغة للعلاقة بين البلدين، وهي التي كانت تعرضت لفتور في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، كما تبادل الرئيسان مختلف مفردات الحفاوة  والاعجاب إلى الحد الذي حفّز محللين نفسيين وسياسيين لاستقصاء وتحليل الكيمياء الشخصية بين الرجلين، ومدى القدرة على ترجمتها  مؤسسيا .

 لكن بالمقابل أفاضت وسائل إعلامية نافذة، في عرض القيود والمستجدات  التي تحد من قدرة الرئيسين دونالد ترامب وعبد الفتاح السيسي، على تنفيذ استحقاقات الشراكة  التي تحدثا عنها والتزما بها خلال لقائهما.

فساحة الشرق الأوسط ، المفترضة لهذه الشراكة،  تغيّرت كثيرا على مستوى الأولويات على القيادة والتأثير، واتسعت فيها دائرة اللاعبين ممن سيواصلون في المرحلة القادمة، مع واشنطن والقاهرة ، إدارة ثلاث معارك مفترضة ومتداخلة، على جبهات  الإرهاب وإيران والمسألة الفلسطينية، ناهيك عن  معارك الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الموازية للحروب المسلحة .

 ولذلك  فإن  الحديث عن نجاح أو فشل القمة الأمريكية المصرية، هو كما يُنظر إليه من واشنطن، أوسع وأدق وأدعى للمتابعة، مما تحدث به الاعلام المصري وبعض وسائل الإعلام الخارجي التابع لقطر، واللذان تراشقا خلال الأيام الماضية بأوصاف النجاح أو توصيفات الفشل.

نجاح مؤكد في إبراز الرغبة بالنجاح

مفردات الإعجاب المتبادل بين الرجلين كانت استثنائية، وسحبت معها استنطاقاً  مرتفع الصوت، لبعض الصورالتذكارية، توسعت فيه المنابر الاعلامية بالاتجاهين الإيجابي والسلبي.

وقال ترامب إنه شعر بالقرب من السيسي منذ أول لقاء بينهما، في سبتمبر الماضي بالأمم المتحدة في نيويورك، وعلق قائلا: أودّ  فقط أن أخبرك سيادة الرئيس، أن لديك صديقاً وفياً وحليفاً قوياً في الولايات المتحدة، وفيّ أنا".

وفي تصريح آخر قال ترامب: "أريد فقط أن أخبر الجميع أننا نقف بقوة خلف الرئيس السيسي، إذا كان هناك أحد لديه أي شك".

هذه العبارات التي تنطق بكيمياء شخصية طاغية، تناولتها العديد من الصحف الأمريكية كما تناولتها في لندن الاندبندت والفايننشال تايمز  والديلي تلغراف التي استذكرت ما كان ترامب قاله في حديث مع شبكة فوكس، ووصف فيه السيسي بأنه "قوي سيطر على مصر... مسيطر عليها فعلاً"، وهي مظاهر إعجاب مماثل لذاك الذي لم يُخفه ترامب تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأثار عليه هواجس المخابرات وحفيظة بعض الصحف الأمريكية.

صحيفة نيويورك تايمز، وفي صفحة "الرأي" ليوم الاثنين الماضي انتقدت السيسي من زاوية حقوق الانسان، ونشرت كاريكاتيراً يظهر فيه العلم المصري على هيئة سجن بسياج شائك.

نفس الرسم الكاريكاتيري توسع الوفد الصحفي المصري الكبير المرافق للرئيس السيسي في التعريض به على عدة قنوات فضائية مصرية خلال الساعات الماضية.

أما صحيفة واشنطن بوست فنشرت مقالا قاسيا  للمحلل جاكسون ديل، قال فيه إن "المدافعين عن حقوق الانسان سيروا منظراً قبيحاً متمثلاً بعلاقة الحب التي سيشهدها البيت الأبيض" مشيرا في ذلك  إلى الحفاوة البالغة التي لقيها السيسي من ترامب .

وفي حملة انتقاد الضيف المصري التي أججتها كراهية بعض الصحف للمضيف ترامب، فقد تطرقت نيويورك تايمز وواشنطن بوست وفورين بوليسي، مع منظمة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، للحديث عن حقوق الانسان، رغم أن البيت الابيض كان أعلن الاسبوع الماضي أن موضوع حقوق الانسان لم يعد جزءا من السياسة الخارجية الأمريكية في التعامل مع الدول الخارجية .

 وفي مقابل كل اصوات الانتقاد هذه ، كانت هناك في عديد المنابر الامريكية مثل اتلانتيك وهفنغتون بوست وغيرها ، رؤى وتحليلات  ترى في  شراكة ترامب  والسيسي نجاحا مؤكدا في إعادة  صياغة العلاقة بين دولتين  تجمعهما علاقات استراتيجة طويلة الامد ، وإحياؤها ضروري لمحاربة الارهاب، وضمانة لعدم انزلاق الشرق الاوسط إلى مزيد من الفوضى .

ما الذي يريده كل رئيس من الآخر؟

ليس سراً أن الرئيس المصري راهن مبكراً على فوز ترامب في الانتخابات، فهو نفسه  قال ذلك  يوم الاثنين الماضي ، تطلعّاً لإعادة العلاقة القديمة الطويلة التي كانت ترى فيها واشنطن القاهرة مفتاحا ومركز قيادة للشرق الاوسط.

ولذلك كان السيسي أول زعيم عالمي يهنئ ترامب بفوزه في الانتخابات، وخلال تجهيزه للزيارة الحالية، وهي الأولى له للبيت الأبيض والأولى لرئيس مصري منذ 2009، أوفد السيسي عدة بعثات سبقته للتمهيد للقمة .

كما جهّزت الدبلوماسية المصرية بيئة إقليمية مواتية تريدها أن تحمل رسالة مفادها أن القاهرة هي مفتاح العالم العربي في القضايا الثلاث التي تتصدر أولويات ترامب في الشرق الاوسط: الحرب على الإرهاب، ومواجهة المدّ الايراني، وحل القضية الفلسطينية.

وفي سوريا اتخذت مصر موقفاً يقرأ من مشتركات الموقفين الأمريكي والروسي في الدعوة لحماية "الدولة الوطنية السورية" من التفكك، وفي عدم الممانعة بإطالة عمر الرئاسة السورية لدى بشار الاسد.

وفي القضية الفلسطينية أعادت القاهرة قنواتها العلنية والسريّة مع كل من حماس في غزة والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وفي موضوع ايران ذهبت مصر خطوة أخرى إلى يمين الوسط بالالتزام المكرر في مواجهة مدّ التشيعّ الإيراني، كما توسع الرئيس السيسي في الحديث والدعوة لتطوير وتحديث الخطاب الديني، إلى الدرجة التي جعلت البيت الأبيض في ختام الزيارة يشيد به "كنموذج للتشجيع على مفهوم أكثر اعتدالاً للاسلام"...كل هذه المواقف  شكلت  أوراق قوة بيد الرئيس المصري  قبل  الزيارة .

 وبدوره فقد نجح ترامب بأن يمد جسرا بين الرئاسة المصرية والقيادة السعودية، قبل قمة عمان العربية،  وأن تستعيد مصر شحنات النفط الخام من شركة ارامكو السعودية .

 الإخوان المسلمون و"تيران وصنافير"

لم يتأكد للذين تابعوا تفاصيل اللقاءات الكثيفة التي أجراها الرئيس المصري في واشنطن، ما إذا كان أخذ وعداً من ترامب بإدراج الإخوان المسلمين في قائمة منظمات الإرهاب.

وكان البيت الأبيض أعلن مسبقاً أن ترامب يتطلع إلى سماع ما لدى الرئيس المصري بشأن الاخوان المسلمين، لكن مستشارا  سابقا لترامب هو د. وليد فارس يرجح أن موضوع إدراج الاخوان المسلمين في قائمة الارهاب ، والذي يلقى معارضة من موالين لقطر وتركيا في واشنطن، قد يتأخر بعض الوقت "انتظارا للتوقيت السياسي" و بسبب بيروقراطية وتعقيدات مؤسسات اتخاذ القرار.

كما لم يتم تأكيد التسريبات التي تحدثت عن أن الرئيس المصري التزم للرئيس الأمريكي بحسم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، لكنها ربما كانت أكثر من مجرد مصادفة، أن محكمة الأمور المستعجلة المصرية، قضت يوم الاثنين الماضي بإسقاط قرار سابق للمحكمة الإدارية العليا بشأن الجزيرتين واعتبرت أن اتفاق تبعيتهما للسيادة السعودية هو اتفاق سارٍ.

المساعدات العسكرية

وبشأن المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر وهو ملف وصفه المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير علاء يوسف بأنه أولوية رئيسية، فقد صدرت إشارات متفاوتة النصوص والمضامين، بشأن هذه المساعدات  التي بدأت مع اتفاقيات كامب ديفيد، بحدود 1.5 مليار دولار سنوياً، منها 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية.

وكانت إدارة أوباما في أعقاب سقوط نظام الإخوان المسلمين والضجة التي أثيرت حول موضوع "حقوق الانسان"، جمدت المساعدات العسكرية لمصر لمدة 18 شهراً، ثم أعادتها العام 2015، لكن دون المرونة المفترضة في القدرة على شراء الأسلحة الثقيلة مثل الدبابات والطائرات الحربية.

وقد تضمنت البيانات الرسمية المرافقة لقمة ترامب/ السيسي إشارة الى النجاح العام في الاحتفاظ بحجم المساعدات ،مع احتمال مزايا تفضيلية فيها، إضافة للدعم الاستخباراتي.

ومثل هذه الصيغة تشكل نجاحا مؤكدا  للزيارة ، لكن  مع ترك هامش للتكهن بالتفاصيل التنفيذية،  في ضوء ما توصل إليه الكونغرس من البيت الابيض الاسبوع الماضي عن تقليص المساعدات الامريكية الخارجية بحوالي الثلث دون المساس بالمساعدات الممنوحة لإسرائيل والتي كان أوباما ضاعفها عدة مرات  قبل أيام من مغادرته البيت الابيض.

وهناك نقطة أخرى يستذكرها المراقبون في واشنطن، وهي أن هذه الاشارات المحسوبة كنجاحات للزيارة ولترتيباتها المسبقة والمصاحبة، جاءت بعد  الإعلان عن  أن المخابرات المصرية كانت تعاقدت مباشرة، وليس عن طريق وزارة الخارجية، مع اثنتين من كبريات شركات العلاقات العامة الأمريكية لتتولى الضغط الإعلامي والسياسي، لتوضيح صورة الجهاز الأمني المصري وتعزيز علاقاته بالمؤسسات الأمريكية المختلفة.

وفي هذا الخصوص يبدو واضحا نجاح  الرئيسين في  إبراز كيميا التوافق الشخصي والإرادة السياسية بينهما، لكن النجاح لم يكن بنفس الزخم  في الصورة الاعلامية كما عكستها الصحف الامريكية الرئيسية التي يغلب عليها أساسا  طابع المناكفة والتصيد للرئيس ترامب.

 ماذا عن الملف الفلسطيني ومواجهة إيران؟

 كان ملفتا أن جُلّ ما صدر عن نجاح القمة في استعادة شراكة واشنطن والقاهرة، لم يتطرق أو لم يتوسع في تفاصيل الدور المصري  المفترض أو المتوقع في القضايا الثلاث التي سينشغل بها الشرق الأوسط خلال الأشهر القادمة وهي الحرب على الارهاب  والتمدد الإيراني في سوريا والعراق ، فضلا عن القضية الفلسطينية التي فيها للإدارة الأمريكية الجديدة موقف معلن ينأى كثيرا عما جاء في بيان قمة عمان من إجماع عربي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com