استرجاع الأموال المصرية المنهوبة مرتبط بمحاكمة مبارك
استرجاع الأموال المصرية المنهوبة مرتبط بمحاكمة مباركاسترجاع الأموال المصرية المنهوبة مرتبط بمحاكمة مبارك

استرجاع الأموال المصرية المنهوبة مرتبط بمحاكمة مبارك

قضية استرجاع الأموال المصرية المهربة من رموز نظام مبارك ومعاونيه تتطلب المرور بمراحل معقدة، وتحتاج إلى مهارات وأساليب بحث وتحقيق خاصة، ولذلك تم تشكيل منتدى عربي في عام 2012 لاسترداد تلك الأموال من بلدان العالم.

وحيث حضر هذا المنتدى ممثلون عن الدول التي تم تهريب الأموال إليها وعدد من وزراء وخبراء الدول العربية، وعلى الرغم من أنه تم خلال هذا المؤتمر بحث آليات تذليل العقبات التي تحول دون استرجاع هذه الأموال، إلا أنه حتى الآن لم تتحقق النتائج المرجوة.

وشكّلت إثر ذلك لجنة قضائية لمتابعة هذا الأمر عمدت إلى توجيه 129 رسالة إلى دول مختلفة ولم تتلقَ منها رداً شافياً، ولعل رد الحكومة البريطانية كان الأبرز في هذا الخصوص، حيث أشارت في ردها إلى أن الأوراق والمستندات التي قدّمها الجانب المصري ليست وافية للسير قدماً في اتخاذ خطوات إجرائية إزاء حركة أرصدة هذه الأموال، وبذلك كانت إعادة الكرة مرة أخرى إلى ملعب السلطات المصرية.

وفي سياق هذا السِجال والجدل القانوني الناشب بين الأطراف المتجابهة في حلبة الصراع حول هذه القضية، تقدّم البرلماني السابق عصام سلطان إبان فترة حُكم محمد مرسي بمشروع قانون لاسترداد الأموال المنهوبة، وفي ظل مستجدات صدور قانون جديد في سويسرا يُتيح فرصة يمكن استغلالها لاسترداد هذه الأموال التي تسربت إلى الخارج.

ونتج عن هذا التحرُّك تجميد مبلغ 420 مليون فرنك في البنوك السويسرية، غير أنه وبمجرد صدور حكم محكمة الجنايات بانقضاء الدعوى المرفوعة ضد الرئيس المخلوع وتبرئته هو ونجليه جمال وعلاء والمتهم الهارب حسين سالم من التهم الموجهة إليهم من استغلال النفوذ واكتساب أموال بأساليب غير مشروعة، قفز إلى الواجهة سؤال حول مصير الأموال المنهوبة وما هو تأثير قرار المحكمة حول عملية محاولات استردادها؟.

وتباينت الآراء حول هذه المسألة، حيث رأى البعض أنه بالإمكان استرداد هذه الأموال، في حين رأى البعض الآخر أن حُكم محكمة الجنايات قضى على آخر أمل لاستردادها، في غضون ذلك يتم العمل على الانتهاء من قانون يسهم في استرداد الأموال المهربة، وهو الأمر الذي يتطلب تشكيل لجنة مجدداً تكون مهمتها العمل على استعادة ما فُقد من أموال.

وتشمل جملة المفقودات أموالاً وأصولاً عقارية ومنقولات إضافة إلى أوراق مالية وصكوك، ويتبادر هنا أيضاً سؤال عن مصير هذه اللجنة المقترحة هل ستؤول إلى ما آلت إليه من قبل غيرها من اللجان التي تم تشكيلها في هذا المنحى؟.

وفي هذا الشأن يوضح المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة السابق، أن هناك اتفاقية دولية لمكافحة الفساد، وهذه الاتفاقية لا تفيد ولا تجدي نفعاً في عملية استرداد الأموال المنهوبة والمهربة في البنوك الخارجية.

ويؤكد الجمل أن الطريق الأكثر ضماناً لاسترداد تلك الأموال هي صدور أحكام نهائية بشأن المتهمين الذين قاموا بتهريب أموالهم إلى الخارج.

وفيما يتعلق بالحُكم الذي صدر في قضيتي التربُّح واستغلال النفوذ الذي انتهى ببراءة مبارك ونجليه وحسين سالم الذي وهب عطايا لمبارك مقابل تسهيل إجراءات معينة لانقضاء الدعوى بالتقادم وذلك ما ذكر بالقانون المصري، ولكن هذا الحُكم عليه العديد من التحفُّظات، أهمها أن الحُكم جاء نتيجة لضغط قوي يستهدف عدم إقامة الدعوى على هؤلاء، وبالتالي يكون التقادم غير سارٍ ولا تُعتبر هذه القضايا سقطت بالتقادم، وذلك باعتبار أن الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وكذلك الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية تنصان على عدم سقوط الدعاوى الفساد بالتقادم، وبالتالي يصبح الحُكم غير صحيح.

ويشير الجمل إلى ضرورة فتح أبواب التحقيق في أي دعاوى فساد تُقام ضد مبارك وأفراد نظامه، لكي يتم تطهير البلد من هؤلاء ومن هذه الوقائع سواء كانت وقائع فساد مالي أو إداري، ولابد من اتخاذ الإجراءات القانونية ضد تلك الدعاوى والوقائع.

ويؤكد أسامة عبد الخالق الخبير الاقتصادي بجامعة الدول العربية، أن ما صُدر من أحكام ضد مبارك ونجليه ومساعديه كان سبباً أساسياً في عدم القدرة على تتبُّع الأموال المهربة إلى الخارج، وبالتالي تصبح الدولة المصرية هي المسؤول الأول والأخير عن تعقيد قضية استرداد الأموال المنهوبة، التي تم استغلالها قبل صدور الأحكام غير النهائية بشكل غير سوي، فقد دخلت في عمليات الغرض منها غسيل تلك الأموال وذلك يُعد تقصيراً صارخاً من جانب مصر، مترجماً في عدم إجراء محاكمات جادة وصدور أحكام نهائية رادعة، وهذا أدى إلى تعرُّض الدولة لمشكلة كبيرة لأن هذه الأموال كفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر، وجعلها فوق مستوى الاحتياج لأي مساعدات أو قروض خارجية من الدول العربية الشقيقة أو الدول الأجنبية؛ مما يترتب عليه الحفاظ على السيادة المصرية والخصوصية والقوة في اتخاذ القرار، هذا إلى جانب تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي للشعب والدولة.

بينما يرى د.نبيل مدحت أستاذ القانون الجنائي بجامعة عين شمس، أنه منذ ثورة يناير والحديث عن إمكانية وآلية استرداد الأموال المنهوبة والمهربة في الخارج متداولة بين الأوساط السياسية والاقتصادية والإعلامية، ولكن في حقيقة الأمر أن هذه مجرد أحاديث مزعومة مصدرها منذ البداية الأنظمة الحاكمة التي جاءت بعد ثورة يناير، فلا يوجد دليل على صحة وجود هذه الأموال، ولم توجّه المحكمة المختصة بمحاسبة المتهمين بالتربُّح والفساد الاتهام بتهريب أموال إلى الخارج أو العمل على إخفائها في الداخل، ولم تطلب المحكمة تحديد قيمة تلك الأموال.

ويشير مدحت إلى أن اللجان التي تم تشكيلها حتى الآن لبيان أصحاب هذه الأموال ومَن المستفيد منها، لم تقدّم أية حلول بخصوص تلك القضية، ولم تطرح أية خطوات جادة تساعد على التعرُّف على بياناتها سواء داخلياً أو خارجياً مع الدول التي من المفترض أن هذه الأموال توجد في البنوك المملوكة لها، ولكن مع الأسف كان الهدف الأساسي لهذه اللجان هو تصفية حسابات سياسية قديمة مع الخصوم، وليس النظر إلى مصلحة البلاد والعباد كما كان يُقال، ولهذا لم يتم الحديث عن تلك القضية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي سدة الحكم، لإدراكه أن مثل هذا الملف لا يجوز فتحه والخوض فيه بدون وجود حكم قانوني، يثبت تواجد هذه الأموال بالفعل في البنوك الخارجية وقيمتها بالضبط، وهل هي أموال فقط أم هناك ممتلكات أخرى مثل أراضٍ ومبانٍ.

ويقول د.رشاد عبده أستاذ الاقتصاد الدولي إن الدول الغربية المهرب إليها تلك الأموال لا تعترف إلا بالقانون، وكون تشكيل محاكم قضائية استثنائية لاسترجاع تلك الأموال لا يعني إلا عدم قانونية هذه المحاكم، فتلك القضايا في حاجة إلى وقت طويل في ظل وجود خلط بين مهام الجهات السيادية المصرية وهذا يُعرقل الوصول لحل القضية.

وينوّه عبده إلى ضرورة إبرام اتفاقيات ثنائية بين مصر والدول المودع لديها الأموال المتعلقة بالتعاون القضائي، وهذا سوف يسهّل كثيراً عملية استكمال الإجراءات اللازمة لفك أسر الأموال، وهذا فضلاً عن ضرورة فصل المحاكمات التي تتم الآن لمبارك ورموز نظامه عن السياسة حتى يتم إصدار أحكام نهائية موضوعية، لأن هذا سوف يساعد في الحصول على الأموال.

وتابع قائلاً: لاسيما أن هناك صعوبة في الاستعانة بالبدائل القانونية الأخرى مثل المكاتب المخصصة لاسترداد الأموال المنهوبة، ولذلك لابد من تطهير المؤسسة القضائية للحصول على أحكام تساعد على إتمام مهمة اللجنة المختصة باسترجاع الأموال.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com