وسط توقعات بهجوم إسرائيلي على قطاع غزة، سيكون الأسوأ على الإطلاق، لا يجد كثير من أهالي القطاع ملاذاً قد يلجؤون إليه، وتتصاعد المخاوف من تجدد المآسي الإنسانية التي يعانيها القطاع الذي يُعد أكثر مناطق العالم من حيث الكثافة السكانية.
"وين نروح؟ وين نروح؟". يقول محمد بريص (55 عاماً).
وتنقل وكالة رويترز عن الرجل أنه لا يعرف أي ملاذ يحتمي، وهو الذي فر من منزله القريب من خط مواجهة محتمل ليحتمي بمتجره، لكنه تعرض للقصف في واحدة من مئات الضربات الجوية وقذائف المدفعية التي تقصف غزة بالفعل.
ويستعد الفلسطينيون لهجوم على نطاق غير مسبوق على القطاع المكتظ، يفوق الدمار الذي حدث في الجولات السابقة، بحيث يصبح الناجون منه معدمين دون مأوى أو ماء أو كهرباء أو مستشفيات أو طعام، حسب رويترز التي أشارت إلى أن غزة لا تحوي ملاجئ مخصصة للحماية في أوقات الحرب.
في مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع، تسلق رجال مبنى متداعياً لانتشال جثة رضيع من وسط الأنقاض، ونزلوا بها عبر الحشد المجتمعين وسط الحطام.
وتضيف الوكالة أنه مع وصول سيارات الإسعاف إلى مستشفى، هرع العاملون لنقل الجرحى على محفات، وكان هناك رجل يرقد في الداخل بجانب جثة ابن أخيه الملفوفة بالكفن، وقد أصابته حالة حزن هستيرية وظل يضرب الأرض ويحتضن الجثة ويصرخ.
وجابت مواكب الجنازات شوارع غزة، كما سار رجال في رفح جنوب البلاد خلف جثمان محمول على نعش ورفعوا خلفه علم فلسطين وراية حماس.
وفي الجبانة كانت عائلة سعد لُبَد، وهو صبي قتل في الغارات، تدفن جثمانه، ووضعوا الجسد الصغير الملفوف بالكفن الأبيض على قطعة من القماش المنقوش قبل إنزاله إلى المقبرة.
المخاوف من الرد الإسرائيلي عبّر عنها أحد سكان بيت حانون على الحدود الشمالية الشرقية لقطاع غزة مع إسرائيل، الذي قال: "مش محتاجة تفكير كتير، إسرائيل تلقت أكبر خسارة في تاريخها، فالواحد بيقدر يتنبأ شو راح يعملوا".
وأضاف للوكالة: "عن نفسي أنا أخدت أسرتي وطلعت متلي متل عشرات العائلات اللي طلعوا، كتير منا اجتهم اتصالات ورسائل صوتية من ضباط أمن إسرائيليين بتطلب منهم يتركوا مناطقهم لأنهم راح يعملوا شي هناك".
وبدأت العائلات في تخزين المواد الغذائية مع بدء هجوم يوم السبت، لكنها تخشى انخفاض الإمدادات رغم تأكيدات حماس.
ومع قطع إسرائيل إمدادات الكهرباء عن غزة، فإن نقص الوقود الذي يلوح في الأفق يعني أن المولدات الخاصة وكذلك محطة الكهرباء الخاصة بالقطاع، التي ما زالت توفر نحو أربع ساعات من الكهرباء يومياً، ستواجه صعوبات في العمل.
ويعني نقص الكهرباء أن السكان لن يستطيعوا إعادة شحن هواتفهم، ومن ثم تنقطع إمكانية تبادل الأخبار فيما بينهم، ولن يتمكنوا من ضخ المياه إلى خزانات الأسطح.
وفي الليل، يغرق القطاع في ظلام دامس تشقه من حين إلى آخر انفجارات الغارات الجوية.
وقال مسؤولون في وزارة الصحة في غزة إنه من المتوقع نفاد الوقود اللازم لتشغيل أجهزة إنقاذ الحياة في المستشفيات في غضون أسبوعين.
ويلجأ كثيرون من عشرات الآلاف الفارين من منازلهم إلى مدارس الأمم المتحدة. ومن إحدى تلك المدارس في مدينة غزة قالت إسراء القيشاوي، (13 عاماً)، إن الخوف يجعلها تريد الذهاب إلى المرحاض كل بضع دقائق، لكن لا يوجد ماء، وأضافت: "الحرب صارت فجأة واحنا خايفين منها".
أحد سكان بيت حانون قال إن قصف الشوارع هو تحضير فيما يبدو لهجوم بري إسرائيلي آخر مثل ذلك الذي شهده من سطح منزله في غزة عامي 2008 و2014.
وتفاقمت مخاوف السكان بعد أن أرسل الجيش الإسرائيلي رسائل صوتية على الهواتف ونشر تدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب السكان بالابتعاد عن بعض مناطق غزة.
ورغم الأخطار، عبّر الرجل (45 عاماً)، الذي طلب عدم الكشف عن هويته؛ خوفا من الانتقام الإسرائيلي، عن سعادته بهجوم حماس على إسرائيل.
وقال محمد بريص، وهو يقف أمام حطام متجره، بالقرب من منازل أصابها الدمار وقتل فيها ثلاث عائلات بأكملها، إنه ود لو توقفت دوامة الدمار التي لا نهاية لها في غزة.
وأضاف وهو ينظر إلى أطلال متجره: "بيكفي، زهقنا. أنا عمري 55 سنة ومن حرب لحرب وكل حرب بتكون أصعب وأقسى من غيرها.. داري تدمرت مرتين".