الإسعاف الإسرائيلي: مقتل شخصين في كريات شمونة بعد سقوط صواريخ أطلقت من لبنان
محمد صالح الفتيح
تحركت إسرائيل سياسيًّا ودبلوماسيًّا للتحضير للحرب الحالية مع "حزب الله"، والحصول على الدعم الدولي، وعلى رأسه الأمريكي، إلا أن التحضيرات الأهم تتعلق بالجانب العسكري، فقد ظهر حتى الآن أن العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد "حزب الله" بعيدة عن الإخفاقات الفادحة التي ظهرت خلال حرب 2006، عندما فشلت إسرائيل حتى في اغتيال أي من القيادات الميدانية الكبيرة لـ"حزب الله" أو حتى تقليص وتيرة الضربات الصاروخية التي ينفذها "حزب الله".
فبالرغم من إطلاق ما بين 300 إلى 400 صاروخ من لبنان باتجاه إسرائيل خلال كل من اليومين السابقين، فهذا يبقى أقل بكثير من التقديرات الإسرائيلية السابقة التي توقعت أن يطلق "حزب الله" نحو 8,000 صاروخ في اليوم الأول للحرب، ثم تنخفض هذه الوتيرة لنحو 3,000 صاروخ يوميًّا ولعدة أسابيع.
واجهت إسرائيل ثلاثة تحديات جوهرية في حرب 2006: استهداف قدرات القيادة والسيطرة لـ"حزب الله" ومعرفة مواقع الصواريخ، وأخيرًا العامل النفسي، وهو يشمل جانبي الجمهور اللبناني والإسرائيلي في آن واحد.
قبل حرب 2006، كانت إسرائيل قد تبنت العقيدة العسكرية الأمريكية المعروفة باسم "Objectives-Based Operations" (العمليات المبنية على الأهداف) التي استخدمتها الولايات المتحدة في عاصفة الصحراء في 1991 وضد صربيا في 1999، وتعتمد على توجيه ضربات عسكرية دقيقة، خاصة جوية، لقدرات القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات للخصم لإفقاده القدرة على مواصلة القتال، ثم استهداف وتصفية القدرات العسكرية المتبعثرة والفاقدة للقدرة على التنسيق مع باقي الوحدات..
تبنت إسرائيل هذه العقيدة لمواجهة القوات المسلحة النظامية، ولكن "حزب الله" لم يكن لديه مثل هذه القدرات الموجودة لدى القوات المسلحة النظامية، فلم يكن هناك أبراج اتصالات أو مقرات لرئاسة الأركان والاستخبارات..
ولهذا لم يكن أمام إسرائيل سوى استهداف ضاحية بيروت الجنوبية لكونها المقر الرئيس لـ"حزب الله"، خاصة ما كان يعرف حينها بالمربع الأمني في الضاحية، وذلك في محاولة لإفقاد "حزب الله" القدرة على متابعة القتال، ولكن هذا الرهان فشل بطبيعة الحال.
فـ"حزب الله" هو تنظيم يعتمد على هرمية قيادة اتسعت خلال العقود الماضية، ولكنها بقيت متمحورة حول عدد قليل من القيادات التي تعرف بعضها، والتي تستطيع متابعة إعطاء التوجيهات للمستويات القتالية الأدنى، حتى لو اقتضى ذلك إرسالها خطيًّا عبر مراسلين كما كان يحصل في الحرب العالمية الأولى والثانية.
أدركت إسرائيل أهمية هذه القيادات، فركزت خلال الأشهر الماضية، خاصة منذ مطلع 2024، على استهداف بنية القيادة العسكرية لدى "حزب الله" من قادة الوحدات الدنيا، مرورًا باغتيال 2 من قادة التشكيلات القتالية الثلاثة (نصر وعزيز وبدر) ووصولًا في 20 أيلول لاغتيال إبراهيم عقيل ونحو 15 من قادة قوات النخبة المعروفة بـ"قوة الرضوان".
بالمجمل اغتالت إسرائيل نحو 65 قياديًّا يشكلون على الأقل ثلاثة أرباع بنية القيادة العسكرية، وذلك قبل أن تبدأ الحرب بداية صريحة في 23 أيلول، البدء بالاستهداف من المستوى الأدنى للأعلى حال دون تنبه "حزب الله" وكذلك منع عملية ترقية قيادات المستوى الأدنى للحلول محل القيادات الأعلى المغتالة.
ما تراهن عليه إسرائيل تعطيل ما تصفه بالجهاز العصبي لـ"حزب الله" لمنعه من الاستفادة المثلى من كادره البشري المقدر بما يزيد على 50 ألفًا، ومن ترسانته الصاروخية التي يقدر أنها تتراوح بين 150 ألفًا و180 ألف صاروخ وقذيفة.
هذا المخزون هو التحدي الثاني لإسرائيل، ففي 2006 نفذت عملية استباقية واحدة لاستهداف المواقع التي رصدتها سابقًا لمواقع تخزين الصواريخ ومنصات الإطلاق الخاصة بـ"حزب الله"، نفذت تلك العملية ليلة 12-13 يوليو/ تموز، وهي الليلة الأولى للحرب، وأعلنت إسرائيل أنها نجحت بتدمير 59 منصة..
ولكن "حزب الله" تابع إطلاق الصواريخ خلال الحرب، ولم يكن بوسع إسرائيل سوى تنفيذ عمليات جوية على مدار الساعة بحثًا عن منصات الصواريخ، ويتداول أن سلاح الجو نجح بتدمير فقط 126 منصة خلال الحرب التي استمرت 34 يومًا.
البيانات الإسرائيلية الأخيرة، سواء قبيل انطلاق عملية "أسهم الشمال" أم في الأيام السابقة، باتت تتحدث عن تدمير مئة منصة أو أكثر في كل ضربة، هذه الضربات قد تفسر الانخفاض الكبير في عدد الصواريخ التي أطلقها "حزب الله" بالمقارنة مع التقديرات الإسرائيلية السابقة.
استفادت إسرائيل من تقنيات الذكاء الاصطناعي التي سمحت بمعالجة كميات كبيرة من البيانات القادمة من الطائرات المسيرة، ومن صور الأقمار الصناعية، وكذلك العودة إلى الأرشيف الذي تراكم خلال العقد الماضي لهذه الصور، وذلك لرصد أي مؤشرات على عمليات لتحضير بعض النقاط لتحويلها لمواقع تخزين ذخيرة أو منصات صواريخ.
قدرات الذكاء الاصطناعي تسمح كذلك بمعالجة صور الأقمار الصناعية لتحديد أي تغييرات غير طبيعية في سطح الأرض، التي يمكن أن تنتج عن حفريات مكثفة لشق أنفاق أو بناء مواقع محصنة لتخزين الأسلحة أو مقرات القيادة، لم تكشف إسرائيل كثيرًا من المعلومات حول مدى استخدامها للذكاء الاصطناعي في لبنان.
ولكن من المعروف أنها استخدمت في غزة تطبيقًا باسم "The Gospel" للتعرف على الأهداف العسكرية باستخدام الذكاء الاصطناعي، مثل هذا التطبيق قد يكون سبب إعلان إسرائيل ضرب 1,600 هدف في اليوم الأول من عمليتها العسكرية الحالية، وذلك بالمقارنة مع 59 فقط في اليوم الأول من حرب 2006.
إسرائيل تراهن على أن هذين العاملين - أي الاستهداف المسبق لقدرات القيادة لـ"حزب الله" والضرب الواسع للمواقع العسكرية – يسهم بهز صورة "حزب الله" وإفقاده تماسكه، والقدرة على متابعة الظهور بمظهر صلب وغير متأثر بالعمليات العسكرية، على نحو ما ظهر في 2006، مظهر "حزب الله" آنذاك كان جزءًا من الحرب النفسية التي مارسها ضد الرأي العام الإسرائيلي الذي بدأ يشك في وعود حكومته.
استبقت إسرائيل الحرب الحالية بمجموعة من الضربات، خاصة تفجيرات الآلاف من أجهزة الاتصالات الخاصة بـ"حزب الله"، التي كان هدفها الرئيس استعراض قدراتها التقنية والاستخبارية أمام الرأي العام في إسرائيل وفي لبنان، على حد سواء.
وكذلك في محاولة لإعطاء مصداقية لأي بيانات ستصدرها لاحقًا حول تحقيقها إنجازات عسكرية، وكذلك لإضعاف مصداقية "حزب الله" في محاولته تفنيد تلك البيانات، وبهذا تسجل إسرائيل نقاطًا مهمة في الحرب النفسية مهمة في حرب يبدو أنها ستكون طويلة.